قبل تشكيل الأغلبية اتجهت الأنظار إلى تكوين تحالف معقول ومنسجم في الحد الأدنى، وكان متوقعا تشكيل أغلبية من العدالة والتنمية وحزب الاستقلال باعتبارهما الحزبين اللذين فازا بالرتبتين الأولى والثانية ولتقارب الأصوات بينهما بالإضافة إلى الحركة الشعبية والتجمع الوطني للأحرار، على اعتبار أن هذا الأخير اختار الديمقراطية الاجتماعية كمنهج وسلوك سياسي، ومن ثمة تحقيق هدفين، الأول، ضم حزبا قريبا من الأحزاب المشكلة للحكومة وسبق أن شارك مع الاستقلال في حكومات التناوب وما بعدها، والثاني، نزع الطابع الأصولي والمتطرف عن الحكومة التي يقودها العدالة والتنمية كأداة وظيفية لحركة التوحيد والإصلاح السلفية. ولو كانت الحكومة بهذا الشكل لكانت على الأقل منسجمة في الأفكار والرؤى وحتى في العدد. غير أن القفزات غير المحسوبة لعبد الإله بنكيران، الأمين العام للعدالة والتنمية، تسببت في حوادث سير خطيرة في طريق تشكيل الحكومة، لأنه قرر بداية أنه لن يحكم مع حزب سياسي وكأنه بضاعة من بضائع الصهيونية التي ينبغي مقاطعتها، ولن يحكم مع التجمع حتى يزيل رئيسه وهذه سابقة خطيرة لأنها تدخل علني في شؤون حزب سياسي مناضلوه وحدهم لهم الحق في تقرير شكل قيادتهم ونوعها، وهذه القفزات الشبيهة بالنط أظهرت عنترية بنكيران، وهي العنترية التي نبهنا إليها باكرا لأن رئيس الحكومة هو رجل دولة وليس محارب طواحين الهواء، يتكلم قليلا ويعمل كثيرا. وظهر أن الخلافات الشخصية لبنكيران ظهرت على المفاوضات السياسية، فحزب الاتحاد الاشتراكي باعتباره حزبا تاريخيا رفض الذهاب لدى بنكيران لأن طريقته في التفاوض كانت متخلفة، ففهم الراضي، كرجل دولة معتق، اللعبة وطلبه من بنكيران أن ينتقل هو إلى مقر الاتحاد، وكانت إشارة قوية لم يفهمها بنكيران لأنه ليس رجل دولة، إشارة تفيد أن الاتحاد لن يشارك في حكومة يكثر فيها النط. واستقر رأي بنكيران على إشراك الاستقلال والحركة وحزب آخر تحول من حزب تقدمي إلى حزب مكمل للأغلبيات، فأشرك أحزابا كانت في الحكومة السابقة لأنه لا يتوفر على برنامج ويريد ممارسة لصوصية برنامجية وهذا ما ظهر من خلال التصريح الحكومي ومشروع قانون المالية. قفزات بنكيران جعلته في حيص بيص حتى شكل حكومة غير متجانسة. لا يهمنا اليوم تشكيل حكومة بنكيران المفبركة لأنها جاءت في الوقت بدل الضائع لأن المفاوضات لم تتم حول الأفكار والرؤى والبرامج ولكن حول الكراسي والمناصب وشكلها. وتبين بعد شهرين من ممارسة الشأن العام أن بنكيران في واد ووزراء العدالة والتنمية في واد آخر وباقي الوزراء في واد ثالث. وظهر جليا الخلل في تدبير الشأن العام، سواء على مستوى تقديم مشروع قانون المالية أو على مستوى القرارات المفاجئة والارتجالية والتي لم يكن لها سند من الأغلبية الحكومية بل إن بعض القرارات مست حتى بعض الأحزاب المشاركة في التحالف الحكومي، فهل نحن أمام أزمة حكومية؟، والحقيقة أن الاجتماع الطارئ لزعماء الأغلبية يؤكد أن التدبير الحكومي يعاني من مشاكل كثيرة، ولا أدل على ذلك من الاختلاف حول ملف "لكريمات" الشعبوي وملف التفويضات وملف الصلاحيات وملف محاربة الفساد وطريقة التعاطي مع ملف قاضي طنجة وملف القرض العقاري والسياحي وملف المكتب الوطني للمطارات وملف السلفية الجهادية الذي خلق أزمة في فهم الملف سياسيا وإيديولوجيا وأمنيا. إن الأغلبية اليوم مغلوبة على أمرها أمام شعبوية بنكيران التي لا تنتهي، وهي تلوح اليوم بتعديل في الأفق يشارك فيه الاتحاد الاشتراكي، الذي يمارس عليه بنكيران ضغوطات من خلال ملفات من بينها ملف عليوة، ولا نظن أنه سيستجيب له وإن استجاب فستكون أهجن حكومة في تاريخ المغرب، حكومة بلا لون ولا طعم. ضحك منا بنكيران يوم كتبنا عن أغلبيته ليست منسجمة بل متناقضة، واليوم لن نضحك منه لنقول له هاهي أغلبيتك بدأت تتفتت حبة حبة.