يصر عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، على عدم ارتداء ربطة العنق، يراه البعض تواضعا ونراه موقفا فقهيا سلفيا يلتف على الحقائق حسب الظروف، وقد سبق أن فصلنا في هذا الموضوع في وقت سابق، و"ربطة العنق" تخدم بنكيران على وجهين، أولا يرضي ضميره بالتزام موقف فقهي وثانيا الظهور بمظهر رئيس الحكومة المتواضع، ومن "تواضع للشعب رفعه"، والشعب لا يريد تواضعا زائفا بل يريد تواضعا فعليا ينتج عنه عمل جاد يعود عليه بالنفع، فليس مهما أن تركب سيارة فاخرة أو متواضعة فالمهم هو الالتزام بالوعود التي قطعها بنكيران على نفسه. قصة التواضع الزائف زادت عن حدها، وأصبح وزراء العدالة والتنمية يتنافسون في تسريب ممتلكاتهم وأماكن سكنهم، وبالجملة يريدون القول إنهم وزراء من الشعب ويقطنون في مساكن بسيطة أو متوسطة ويركبون سيارات متوفرة لعامة الناس، ويمشون في الأسواق ويخالطون الناس ويجلسون في المقاهي. التواضع الزائف لن يشبع جوعانا ولن يشغل عاطلا ولن يجلب مشروعا ولن يحقق نموا ولا يخفف من أزمة. هؤلاء الوزراء الذين يدعون اليوم التواضع مطلوب منهم أن يقارنوا بين حالهم يوم كانوا لاشيء ويوم أصبحوا برلمانيين ورؤساء جماعات ومستشارين جماعيين. قصة وزير من الوزراء اليوم خير دليل على أن التواضع المزعوم هو تواضع زائف. بدأ حياته السياسية وهو يلبس حذاء عافه الإسكافي أصبح اليوم من أصحاب الممتلكات. يذكر صاحبنا جيدا أنه كان يركب "الكروسة" بين الجامعة والحي الذي يقطن به لاجئا عند عائلته، وكان ثمن "الكروسة" هو درهم، وكان شبيها بالمسمار واليوم انتفخت أوداجه وتضخمت بطنه. واتخذ من الصبر مركبا حتى رسا قريبا من قيادة الحركة التي كانت تمنحه ما يقيم به أوده قبل أن يشتغل بعد تخرجه، وظل يتسلق عن طريق تدخلات قادة الجماعة والحزب حتى تقرب من وزراء وحقق مصالح مهمة، وأنقذه الحزب يوم تم انتخابه برلمانيا ثم مسؤولا جماعيا ثم وزيرا. نعرف الكثير من وزراء التواضع الزائف يوم كانوا "يقضمون" الخبز والزيتون مصحوبا بكأس شاي "حامض" مثل النكث "الحامضة" لصاحبها المعروف، وكان يوم العيد عندهم لما يستدعيهم أحد الإخوة لأكل "قصعة" كسكس، ومن يمتلك دراجة نارية هو البورجوازي فيهم. وعشنا ورأينا كيف تحول الدعاة إلى الله يوم فتحت عليهم الدنيا بركاتها ودخلوا البرلمان واستبدلوا كتاب الملل والنحل بالفلل والنحل من الفيلات وأكل الشهد. أصحاب المنازل المتوسطة جنوها من وراء الانتخابات يوم لم يكن بمقدورهم تجاوز رتبة برلماني. التحول من جلسات على الحصير ووجبات من خبز وزيتون وشاي إلى جلسات على أفرشة مريحة وأكلات البسطيلة والحلويات والخرفان المشوية وركوب السيارات الممتازة، كفيل بدحض أطروحة التواضع لدى وزراء العدالة والتنمية. سوف يتحولون إلى مستويات أخرى. وقد يرفع بعضهم التحدي ليستمر في العيش درويشا إلى حين يخرج من الوزارة. اليوم الأعين تراقبه. سيجمع ما شاء الله ليستمتع به غدا. لا نريد تواضعا زائفا بل نريد عملا يخدم البلد بعيدا عن البروباغندا. ونرجو أن تكون دموع بنكيران في صلاة الاستسقاء حقيقية. فالمغاربة يقولون "لا حيلة مع الله".ادريس عدار