من حالة الطوارئ في فرنسا إلى حالة مشابهة في بلجيكا إلى حالة أشبه في مالي وأخرى شبيهة في تونس للمرة الثانية بعد رَفْعِ الحالة الأولى، وما شابهها في لبنان، وقبل هذه وتلك حالات مُمَاثِلَة في الجزائر ومصر، وحالة الطوارئ المستمرة في نيجيريا، بدون ذكر حالات الطوارئ الفعلية وغير المعلنة في كثير من بلدان العالم في مختلف القارات. وما خفي أعظم. المثير حقّاً أنه لا فرق، في هذا المجال، بين الدول الديمقراطية جدا والمتخلفة كثيرا. الكل سواسية في الطوارئ. حالة الطوارئ تُعْنِي أن البلد ليس في أحسن أحواله، وأنه يُعاني من الاختراقات والثغرات الأمنية التي تسمح لكل من يتمنطق شرّاً أن يدخل البلد آمنا ويعيث فيها ويعبث ولا خوف عليه ولا أيّ شيء. في مثل هذه الحالة، لا يصبح بإمكان المواطن أن يتحرّك بالطريقة ولا نقول بالحرية التي يريدها، لأن الدولة، التي تحميه وتحرسه وتحرص على سلامته وحريته، أصاب منها الإرهاب مَقْتَلاً وتركها في حيرة من أمرها تُلَمْلِمُ الجراح وتُكَفْكِفُ الدموع وفي نفس الوقت تُغْلِقُ الأجواء والمنافذ والمعابر الحدودية، وتغلق معها المؤسسات وتسدُّ الطرقات في انتظار انقشاع الغيوم التي تٌُلَبِّد سماءها. وحين يكون الوطن في أسْوَإ أحواله فما بالك بالمواطن الذي يضع يده على قلبه خوفا على وطنه قبل الخوف على نفسه على اعتبار أن أمن العباد من أمن البلاد. وهذه معادلة سهلة، لكنها عَصِيَّةٌ. المتأمل في خريطة العالم يقف على معطيات لافتة لا يمكن إلا أن تدفعه إلى القلق على مصير هذا العالم المجنون كما سَمَّاه المفكر البريطاني برتراند روسل في سبعينيات القرن العشرين وهو يقدّم نظرة متشائمة لِمَا كان يعرفه عالم ذلك العهد وما كان َيمُورُ به من ثورات وهزّات واضطرابات كانت تقع على خلفية حرب باردة كادت أن تُسْفِر عن حرب عالمية ثالثة. ومن المؤكد أن الخريطة الحالية لعالم اليوم ليس فيها ما يُعجِب ولا ما يَسُرُّ. من أقصى آسيا وأستراليا وأوقيانيا شرقا إلى أقصى القارة الأمريكية غربا، ومن أقصى المحيط المتجمد شمالاً إلى أقصى المحيط المتجمد جنوبا، لا شيء غير التوتر والاضطراب وما يُشْبِهُ الهدوء الساكن الذي يسبق العاصفة التي لا تُبْقِي ولا تَذر. الكل وَاضِعٌ يده على الزناد ولا ينتظر إلا الأمر بإطلاق النار. أما حقائب الأسرار النووية فهي دائما جَنْبَ كبار العالم. لا يَدعُونَهَا أو يغفلون عنها لحظة واحدة، سواء في يقظتهم أو نومهم. الأصبع دائما على الزِّرِّ لتوجيه الضربة الاستباقية التي تليها فَرْقَعَةُ الكرة الأرضية بما ومن فيها. وإذا كانت الحرب العالمية الثانية قد خَلَّفَت الويلات والنكبات وما شئتَ من الأهوال والفظاعات، فما بالُك بحرب ثالثة أصبحت فيها الأسلحة مثل لُعَبِ أو كما يقول المغاربة "قْشَاوَش" عاشوراء. عالمٌ يعجّ بالسلاح لدرجة تحَوَّلَت معها مقُولَة "جريدة لكل مواطن" إلى أخرى تقول "صاروخ لكل مواطن". وحين تصبح الصواريخ والراجمات والمدمِّرَات بِيَدِ من هبَّ وَدَبَّ فلا يمكن إلاَّ أن نقرأ الفاتحة على العالم. وحين يُصبح المرء مُتَمَنْطِقاً بحزامٍ ناسِف يتجوّل به في الشوارع، فلا يمكن للناس إلاّ أن يحملوا معهم أكفانهم. والدليل أن المواطن في كثير من أرض الله الواسعة لا يعرف بعد أن يخرج من منزله في الصباح هل سيعود إليه سالماً أم لا في المساء. لم يعد يَهُمُّهُ أن يرجع غانِماً. لقد مضى ذلك الزمن الرائع الذي يعود فيه المواطن إلى أسرته سالماً غانِماً. هل يمكن الآن أن نقول إننا على عتبة الحرب العالمية الثالثة؟ هل دخلنا إليها فعلاً بدون أن نشعر؟ أَلاَ تعني كل هذه الأحداث المأسوية والفظيعة، المُسْتَرْسَلَة والمتلاحقة منذ نهاية الحرب الباردة، أن العالم وضع رِجْلَه اليمنى على أرضية هذه الحرب ويَتَهَيَّأُُ لِوَضْعِ اليُسْرَى في ساحتها الكونية؟ ماذا تعني كل هذه القواعد العسكرية الثابتة والعائمة التي تَئِِنُّ من حَمْلِ ما لا يمكن تصوُّرُه من عُدَّةٍ وعَتَاد وأسلحة دمار شامل؟ ومنصَّاتُ الصواريخ المنصوبة في كل اتِّجاه؟ وحاملات الطائرات والغواصات التي تجوب البحار والمحيطات؟ ثم حامِلُو الأحزمة الناسفة الذين يعبرون الحدود ويعتدُون على الحدود؟ هي حالات طوارئ مثيرة تسبق العواصف الهادرة.