كشفت تقارير استخباراتية فرنسية وبلجيكية أن إبراهيم عبد السلام الذي فجر نفسه في الثالث عشر من نونبر الجاري أمام مقهى "لو كونتوار فولتير" بالدائرة الحادية عشرة بباريس، في واحدة من العمليات الإرهابية التي هزت عاصمة الأنوار، كان ماجنا يسبح في بحر الرذيلة وسوء الأخلاق، قبل أن يتحول على مضض إلى متطرف وإرهابي جهادي يغوص في مسابح الدم. فالشاب ذو الحادي والثلاثين ربيعا لم يتطرف إلا شهورا قليلة من انفجاره، وعلى الرغم من تطرفه الأعمى فقد ثبت أنه لم يسبق له ارتياد مسجد ما طوال تطرفه وقد لا يكون أقام فريضة من الفرائض الخمس، نفس الشيء بالنسبة لأخيه، صلاح، الذي يصغره سنا (26 سنة) الذي كشفت التقارير ذاتها عن أنه كان شخصاً عادياً، حتى بالنسبة الى بعض أجهزة الاستخبارات، قبل أن يتحول في غضون أيام، المطلوب الرقم واحد في أوروبا أو "عدو الشعب الرقم واحد"، على حد وصف الإعلام البلجيكي، نظرا للاشتباه في مشاركته في هجمات باريس. التقارير المذكورة أكدت أن هذين الإرهابيين ولدا في بروكسيل وكانا يعيشان في ضاحيتها بحي مولنبيك الذي يعتبر وكرا لإعداد الإرهابيين ومستودعا للأسلحة الرائجة في بلجيكا ومنها إلى غيرها من الدول الأوروبية، والداهما من أصول مغربية، عاشا في الجزائر ويحملان الجنسية الفرنسية التي نقلاها إلى أبنائهما اليزيد وابراهيم ومحمد وصلاح بالإضافة إلى بنت هي خامسة هؤلاء الأشقاء الذين كشفت "لوموند الفرنسية" أنهم جميعهم كانوا يعيشون تحت سقف واحد في أحد المساكن العادية في مولونبيك باستثناء بكر العائلة، أي اليزيد الذي تزوج مؤخرا زيجة ثانية ورحل عن دار الأبوين. ونقلا عن أحد أصدقاء ابراهيم عبدالسلام فإنه كان شخصاً طيباً، ارتكب حماقات في السابق، ولكن حماقاته لم تتعد الأمر إلى حد الشر كما لم يكن عنيفاً، ولم تكن له في يوم من الأيام طريق إلى الغضب على حد تعبير هذا الصديق. لقد تلقى تكوينا في مهنة الكهرباء، لكنه لم يزاول هذه المهنة. زوجته السابقة نياما التي تزوجها مدنياً لا دينياً سنتين، قالت في اعتراف لها عن شخصيته إنه كان شخصاً طيباً ولم يكن عنيفاً قط، لكنه كان بالمقابل كسولا متهاونا، مشددة على أن نشاطه المفضل كان هو تدخين الحشيش والنوم، إذ كان يفضل أن ينام النهار كله أحيانا، أما كميات الحشيش التي كان يدخنها يوميا فقد كانت كثيرة ومرعبة، تضيف نياما. إبراهيم عبد السلام كان معروفا لدى السلطات الأمنية البلجيكية بأنه خارج مكارم الأخلاق بصفة عامة حيث كان يملك حانة "ليه بيغوين" في مولنبيك التي أقفلتها السلطات خمسة أشهر وتسعة أيام قبل الهجمات الإرهابية في باريس، وذلك بعد الاشتباه في تعاطي الحشيش فيها. كما أن سوابقه العدلية كانت معروفة خصوصا أنه ضبط متلبساً بسرقة مقهى. أما صلاح، فكان يدير الحانة التي يملكها شقيقه. ووفقا لشهادات أشخاص عرفوه كان يعيش حياة مفرطة. صديق له أكد أنه كان يصعب العثور عليه قبل الساعة الثالثة بعد الظهر. لقد كان يمضي وقته في النوم لأنه كان يسهر حتى ساعة متقدمة. يسهر وينام، يسهر وينام. كان يحب النساء، حيث كان يصاحب امرأة كل يوم تقريبا، صعب المراس كما هو نادر العشرة مع الأصدقاء. أصدقاء آخرون وصفوه بأنه "وسيم"، تشغله كرة القدم والسهرات والحشيش أكثر من الدين. حصل في أبريل 2009 على عمل في شركة النقل في بروكسيل، إلا أنه سرح من وظيفته في فبراير 2011 بعد الغياب المتكرر. وفيما يخص تطرف الأشقاء عبد السلام، فقد واجه إبراهيم وصلاح ومحمد مشاكل مع القضاء مطلع الألفية الثالثة، ومثلوا أمام محكمة في بروكسيل بتهمة الاتجار بالمخدرات. غير أن صلاح بدأ ينزع نحو التطرف في 2010 بعدما أمضى فترة في السجن لإدانته بالسرقة والاتجار بالمخدرات. وفي السجن تعرف إلى عبد الحميد أبا عوض، العقل المدبر المفترض لهجمات باريس، ولهجمات أخرى أحبطت في الأشهر الأخيرة، الذي لقي حتفه الأربعاء الماضي بعد ما دخل مع السلطات الفرنسية في مواجهة بالرصاص الحي أسفرت عن تفجيرات وضحايا.. وحسب مصادر "لوموند" فإن أبا عوض علّم صلاح في السجن أساليب التهرب من الأجهزة الأمنية وحواجز مراقبة الاستخبارات. ومع أن أصدقاء إبراهيم وصلاح لم يلاحظوا أية علامات تطرف عليهما، رأى أخوهما محمد أنه منذ ستة أشهر تغيرا في سلوكهما من غير أن يقلقه ذلك. وأكد أن العائلة لم تكن تعرف شيئا عن مشاريعهما. وأضاف، العيش بطريقة صحيحة والصلاة وشرب الكحول، والذهاب إلى المسجد من وقت إلى آخر... ليس كافيا للحكم عليهما بالتطرف، إذ لم يكن خطابهما يشير ابدا إلى تطرف. لقد حاول إبراهيم الذهاب إلى سوريا في يناير الأخير، إلا أنه عاد من الحدود التركية - السورية. أما صلاح فقد نجح في ذلك وعاد من طريق اليونان في غشت. وبخصوص أدوارهما في الهجمات الأخيرة لباريس فقد بدا أن دور صلاح إلى حد الآن ما يزال غامضاً. ويعتقد المحققون أنه نقل الانتحاريين الثلاثة الذين فجروا أنفسهم قرب ملعب "ستاد دو فرنس" في ضاحية سان دوني الباريسية في سيارة "كليو" عثر عليها لاحقاً في الدائرة الثامنة عشرة.