يوم 04 نونبر 2015، قدّم رئيس الحكومة في "رومانيا" استقالته تحت ضغط الشارع، الذي كان يردد عبارة "اِرحَلْ" على إثر موت 40 شخصا في ملهى ليلي، نتيجة حريق شب في ليلة 03 نونبر.. ومعلوم أن رئيس الحكومة ليس هو الذي أضرم النار في الملهى، ولكن هذه هي سُنّة الديموقراطية.. مثل هذه المظاهرات عرفتها بلادنا، وطالب من خلالها المتظاهرون برحيل رئيس الحكومة "بنكيران"، وهو الذي أضرم النيران في الأسعار، وفي الأنفس، ومع ذلك لم يَستجِبْ لنداء المغاربة، لأنه يؤْثر منصبَه على كل ما عداه في هذا البلد النبيل، بل تشبث بالمقعد كما يتشبث الفقر ببني البشر.. لقد احتج الناس في طنجة بسبب سبوعية "أمانديس"، وجاء "بنكيران" بأقوال بلا أفعال، حيث خلال اجتماعه بالولاية في طنجة، أكثر من الوعظ والإرشاد؛ ثم خاطب المنتخبين، وعاتبهم لكونهم لا يدافعون عن مصالح المواطنين، ونسي أن حزبه استغل "أمانديس" لاستمالة الناخبين؛ وأنه هو نفسه [أي بنكيران] عُرف بكونه "بلوتوقراطي" لا ديمقراطي، والبلوتوقراطية هي نزعة سياسية تستهدف المناصب، والمال، بمعزل عن أية مبادئ، أو أخلاق، أو عاطفة وطنية.. "فبنكيران"، ومنذ تولّيه، وعينه على جيوب المواطنين، وقُوتهم، ومصادر أرزاقهم، حفاظا على امتيازات وحيازات الليبرالية المتوحّشة.. فتراه ينهى عن منكر ويأتي مثله؛ هل هذا معقول؟! ومعلوم أن "بنكيران" عُرف بالمُداهنة والمُصانعة في سياسته، وهو ما عناه الكاتب الفرنسي الكبير "لاروشْفوكو" حين قال: "المصانعة هي الجزية التي تدفعها الرذيلة للفضيلة"؛ وهي مقولة تواتي على المقاس سياسةَ "بنكيران" التي تعتبر من عجائب هذا الزمان، لا محالة.. ويوم الخميس 05 نونبر 2015، قال إنه ينبغي أن نساند جلالة الملك، ثم شكر النقابات إذ أجّلت نشاطها النضالي إلى ما بعد احتفالات المسيرة الخضراء، واصفا قرارها هذا بالروح الوطنية، ونحن نسأله عن طبيعة هذه المواقف والقرارات السياسية التي يساند بموجبها جلالة الملك.. فهل من يثير غضب المغاربة في كل البقاع والأصقاع، وفي كل مؤسسة أو مرفق أو قطاع، يساند بعمله هذا جلالة الملك؟ هل من يثير السخط، ويكرّس اليأس في الأنفس، ويغطّي عجزَه بالإجهاز على حقوق المواطن، يساند في حقيقة الأمر جلالة الملك؟ هل من يعملْ على تفكيك الجبهة الداخلية في البلاد، ويجعل أعداء الوحدة الترابية يستغلّون مظاهر التذمر والاستياء في البلاد، يساند حقا وصدقا جلالة الملك؟ فلماذا لا يكون هو كذلك وطنيا ويستجيب لمطالب النقابات الوطنية؟! هل من يزيد في رواتب المتْخَمين، ويضرب حقوق المتقاعدين، يساند في الواقع جلالة الملك؟ هل من أحبط المغاربة في التعليم، والعدل، والصحة، ورفع دعوى ضدّ المعطلين، وحافظ على مستوى بذخ الباذخين، هو في الحقيقة يساند جلالة الملك، الحريص على عيش، وكرامة، ونفسية رعاياه الأوفياء، الذين يهتفون: "عاش الملك" دون طمع، أو رواتب عالية، أو مناصب غالية، أو قطوف دانية؟ ففترة "بنكيران" سوف يصفها التاريخ بالفترة الحزينة في المغرب.. لقد عرفت بلادُنا صعوبات في الداخل والخارج.. فبخصوص صعوبات الداخل، واجهها بنكيران بطرق ملتوية، ونسب لنفسه أفضالا ليست له، حيث قال في الحملة الانتخابية بطنجة، إن بفضله تقدّمت المدينة، وأتَتْها استثماراتٌ، وعمّ فيها السلم والأمن، وأُحبِطت الإضرابات في المستشفيات والمدارس وكافة القطاعات. كل هذا حققه "بنكيران" في طنجة، وعجز عن رد الحق إلى أهله، وفشل في رفع ظلم وجَوْر "أمانديس".. "كَبُر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون" صدق الله العظيم.. أما بخصوص القضايا الخارجية، لقد رأينا صنيعَه في قضية وحدتنا الترابية، وكيف ساءت في عهده علاقاتُنا مع دول أجنبية، فظلّ قعودا وكأن الأمر لا يعنيه، اللهم ما كان من اجتماع أسبوعي مع حكومته، حيث يصدر المراسيم الظالمة، ويعيّن في مناصب عليا، وذاك ما هو فيه فالح منذ ثلاث سنوات.. إنه على حق في هذه التصرفات، لعلمه أنه غير مرحَّب به في دول أوربية، ثم إنه لا يعرف كيف يخاطبهم ناهيك من علمهم بخلفيته الإخوانية.. فلولا جلالة الملك لساءت ظروفنا، ولتوتّرت علاقاتنا مع دول أخرى، ولتأزّمت قضية وحدتنا الترابية.. هذا هو الواقع.