لم يعد يخفى على أحد، سواء داخل الجزائر أو خارجها، امتداد التعاطف مع قضية القبايل خاصة بعد مطالبهم المتكررة بحقهم في تقرير مصيرهم واعتبار الجزائر قوة احتلال تجثم على صدورهم منذ خروج المستعمر الفرنسي من البلاد في أوائل ستينيات القرن العشرين. ولهذا الغرض تم إنشاء حكومة مؤقتة للقبايل تتحرك على كافة الأصعدة من أجل ممارسة الضغط على النظام الجزائري والحصول على استقلالهم وسيادتهم. وهذا موقف يقض مضجع الحكام في الجزائر خاصة أنهم يتحدثون باسم جماعة انفصالية ويدعمونها بكافة الوسائل، ويطالبون بحقها في تقرير المصير، وحقها في إنشاء دولة في الصحراء المغربية. وأكثر من ذلك، سارع النظام المذكور إلى خلق جمهورية لهم وأوهموا أصحابها بأنها ستتحقق على أرض الصحراء، علما أن النظام الجزائري يؤيد، بحماس محموم، تقرير المصير في الصحراء ويدوس على نفس المطلب في القبايل. إن النظام بالجزائر ينظر ويتابع بقلق كبير نشاط المسؤولين عن القبايل. وقد زاد من درجة غضبهم دعوة رئيس الحكومة المؤقتة للقبايل، فرحات مهني، إلى زيارة فرنسا، من طرف ميكاييل كيرنيز، عمدة "كيمبيرلي" في منطقة "بروتاني. وقد زلزلت هذه الدعوة الأرض تحت أقدام النظام الجزائري الذي فضل ممارسة الهروب إلى الأمام، ودفعت ببعض الجمعيات، التي تدين بالولاء للنظام المذكور، بالتنديد بهذه الدعوة. ووجهت رسالة إلى عمدة المدينة الفرنسية تثير فيها انتباهه إلى مغبة استقبال "منظمة انفصالية من اليمين المتطرف الجزائري ورئيسها". بل إن الرسالة اعتبرت الدعوة "تدخلا مباشرا في السياسة الجزائرية وفي شؤون الشعب الجزائري، وأن هذا الاختيار ليس محايدا". المثير للانتباه أن هذا التنديد "الجمعوي" الذي نظمه النظام الجزائري جاء مباشرة بعد عودة رئيس الحكومة المؤقتة للقبايل، فرحات مهني، من نيويورك حيث ترأس، بحضور شخصيات سياسية، رفع علم القبايل أمام مقر الأممالمتحدة. واستغل مهني وجوده في نيويورك ليطالب رسميا المنتظم الدولي بدعم استقلال القبايل. يتضح من هذا مدى النفاق السياسي الذي يمارسه النظام الحاكم بالجزائر والكيل بمكيالين في قضية الصحراء التي اختلقها بعد استرجاع المغرب لها عبر مسيرة خضراء سلمية لا مثيل لها، والدفع بعناصره الانفصالية من "البوليساريو" للمطالبة بشيء لا يوجد من يصدقه غير الجزائر، وفي نفس الوقت ينكر هذا النظام للقبايليين حقهم في تقرير مصيرهم وتأسيس دولتهم. وهي المطالب التي أصبحت تتردد وترتفع في مختلف أنحاء العالم.