كنت أجلس في أحد أيام الجمعة قرب منبر الإمام أنصت لما حوته جعبته من مواعظ ونصائح يمكن أن تساهم في محو ما ران على قلبي من خطايا خلال الشهور والأيام الماضية, وكانت الخطبة مليئة بالإيحاءات إذ كان موضوعها الرئيسي " تبرج النساء" ,والدور الذي يلعبه هذا التبرج في نشر الرذيلة والفساد في صفوف الشباب المغربي, فأرغد وأزبد وهو يخاطب النساء الموجودات في المسجد محذرا إياهن مما ينتظر المتبرجات من هول وعقاب يوم يقوم الأشهاد ويقف كل فرد أمام الله ليجازيه على ما عمل في دنياه, محملا إياهن مسؤولية إبلاغ النساء الغائبات بما سمعنه في خطبته هاته. وعندما بدأ يتحدث عن الأسباب التي أدت الى هذا المستوى من الانحلال الأخلاقي وهذا الاستهتار بالقيم من طرف نساء هذا الزمن انطلقت من فيه لا شعوريا عبارة غاية في الأهمية وهي" قنواتنا العمومية حاشاكم" فالتقطت عبارة "حاشاكم" كجزء من عنوان المقال الذي بين أيديكم و" قنواتنا العمومية " موضوع المقال نفسه. من المعلوم أن كلمة "حاشاك أو حاشاكم" هي كلمة يرددها المغاربة عندما يتعلق الأمر بموضوع فيه نوع من تجاوز الحدود المسموح بها أخلاقيا والمتعارف عليها مجتمعيا من طرف شخص أو أشخاص إما قولا أو فعلا أو سلوكا , وعندما حاولت أن أجد علاقة ما بين هذه الكلمة وقنواتنا العمومية اكتشفت هول الكارثة التي تساهم هذه القنوات في خلقها داخل المجتمع المغربي المغلوب على أمره والمضطر الى دفع أجور العاملين فيها من جيبه المثقوب أصلا. فقررت أن أتنازل عن جزء من وقتي الثمين لأتأكد من صحة هذه القولة و حتى لا أتهم بالتجني إذ من طبعي عدم مشاهدة التلفاز الا لضرورة قصوى, وهكذا بدأت أنتقل من قناة الى أخرى وصادفت في إحدى هذه القنوات سلسلة مغربية خالية من أي هدف تربوي أو تثقيفي, ممثلات هن أقرب للعري منهن للستر يلبسن سراويل ملتصقة على أجسادهن تظهر ما وجب إخفاءه , تجلس إحداهن الى جانب ممثل ممشوق القوام واضعة يدها على يده في جلسة حميمية لا تكون الا بين الزوج وزوجته " الكتف بالكتف" و" الرأس بالرأس" وتسأله إن كان لازال " كيبغيها " أم أن مشاعره اتجاهها قد خمدت ويرد عليها بطلنا الهمام بأسلوب "دارجي" عاطفي قل ما نجده عند الأزواج أن حبه لها لم و لن يخمد ما دامت نبضات قلبه "كتضرب" ثم تسأله من جديد بأسلوب موح عن عدد الأبناء الذي يرغب في الحصول عليهم منها فيجيبها "الفحل" في أنه يرغب في عشرة أبناء ... فتساءلت مع نفسي كيف يفسر هؤلاء القوم لأبنائهم ما يشاهدونه من تصرفات آباءهم هاته, إذ كيف يعقل بممثلة متزوجة تلعب دور الزوجة تستلقي على ظهرها الى جانب ممثل يلعب دور الزوج مرتدية ملابس تظهر تضاريس جسمها في غرفة يسمونها غرفة النوم والكل يعلم خصوصية غرف النوم بالنسبة للزوج والزوجة في التمثلات الذهنية للمجتمع المغربي ولا أدري إن كان الزوج الحقيقي يستمتع بما تفعله زوجته, بل كيف تفسر ممثلة لأبنائها وبناتها الصغيرات ما شاهدوه من والدتهم التي تلعب دور فتاة تغتصب وتنجب لقيطا ثم تقوم برميه في القمامة ,هذا إن كانت متزوجة, أما إن كانت فتاة فأتساءل عن شعورها وهي مستلقية يعلوها ممثل يلعب دور المجرم الذي سيغتصبها محاولة التخلص منه دون جدوى كما هو الحال بالنسبة " لكازة نيكرة " الفلم الإباحي الذي لم يكتفي فقط بمشهد الاغتصاب بل تجاوزه الى فحولة المغتصب من خلال الدماء التي أظهرها على ساقي وأفخاذ الممثلة الشابة.. وهذا الفلم كان قد عرض على قناة "غربية " بسواعد وكفاءات مغربية إنها القناة الثانية دوزيم. هذه القناة التي أصبح لها موسم أسمه "موسم سيدي ستوديو دوزيم" تحج اليه فئة خاصة من المجتمع المحلي والدولي للتبرك وطلب الرزق والوظيفة حتى لو كانت ببيع الأعراض وإظهار المفاتن ونشر الميوعة والاختلاط الفاحش, أما عندما يريد الولي الصالح توزيع بركاته على المحظوظين فالشروط ليست بالضرورة حسن الصوت كما يزعمون وخاصة عند المتبرجات عفوا "المتبركات" وإنما جرأة المشاركة في إظهار أهم المناطق إثارة من أجسادهن والهدف من ذلك لا يخفى على المجنون فما بالك بالعاقل, وحتى القيمين على الموسم فهم ينتخبون بديموقراطية وبمساواة بين "القيم والقيمة" نفتقدها في مشهدنا السياسي, كما استغلت هذه القناة وجود مغنية صلعاء ممسوخة " تتبرك " في موسم آخر له هيبة كبيرة على الصعيد الدولي اسمه "موسم سيدي موازين" - لهيبة القيمين عليه- لتلتقط لها الصور والفيديوهات بملابسها الداخلية قائلة للمغاربة قاطبة "ما مفاكينش, ما مفاكينش". ثم فلم آخر تلعب فيه ممثلة دور فتاة تم التغرير بها من طرف شاب استدرجها الى منزله ليضع لها منوما في فنجان عصير ثم يحملها الى غرفة نومه ويضعها على السرير في مشهد يندى له الجبين ليغلق باب الغرفة, ونهاية المشهد سيتكلف ذهن المشاهد بصياغته على شكل صور متتالية ,إنها إثارة متعمدة للغرائز, وهناك من سيحاول تطبيق هذا المشهد بحذافيره في الواقع ومع فتيات انخدعن "بشقارة" مهند و"شارب" يحي...وبعد وقوع الكارثة ووقوع المحظور ستقول " خلود " للفتى عافاك "ما تنسانيش" . إنها سموم مميتة يتم تمريرها من خلال لقطات كانت الى زمن قريب تعد في حد ذاتها فاحشة, حتى يتعود عليها المتفرج وتصبح شيء معتاد, تعود عليها الرجل كما تعودت عليها المرأة والفتاة, ولكي تجتمع الأسرة كلها على مشاهدة الرذيلة هاته يدخلون الأطفال بدورهم الى هذه المشاهد المليئة بالأشواك حيث أنهم حقنوا الرسوم المتحركة هي الأخرى بهذه السموم.. إذ تجد القط ابن الدار ينهزم من طرف الفأر الدخيل ويسقط في الفخ الذي نصبه للفأر, بل أكثر من ذلك يتطفل على أنثى القط ويظل هذا الأخير يتفرج والفأر يتحرش بأنثاه يقدم لها الورود وتتطاير القلوب على شكل فقاعات حمراء مظهرة عشق القطة للفأر الخبيث دون أن يحرك القط المسكين ساكنا... القطة تعشق الفأر بالله عليكم أي منطق هذا... يريدون من خلال هذه المشاهد تربية أطفالنا على الخنوع وقبول السارق شريكا في المسروق والمستعمر شريكا في الوطن, بل ويتنازلون عن أعراضهم وتكبر معهم " الديوتية ", يمنحون أخواتهم وزوجاتهم للآخر دون مقاومة أو ممانعة ويصبح شعارهم في الحياة أعطيني أختك أعطيك أختي أو أعطيني زوجتك أعطيك زوجتي أو بدون مقابل, وفي الكثير من هذه الرسوم المتحركة يتم تمرير أفكار " ماسونية " هدامة للعقائد والأخلاق في قالب فكاهي لكن الآباء في "دار غفلون" كما يقال, فحذاري حذاري. وتفتقت عبقرية صحافيينا و مخرجينا الأشاوس على برامج تصيب المشاهد بالهلع وتوفر للمجرمين أساليب جديدة في السطو على ممتلكات المواطنين وخطط جديد لتفادي الوقوع في أيد الشرطة بالاستفادة من الأخطاء التي وقع فيها زملاءهم في " الحرفة " من قبيل "أخطر المجرمين" و "مسرح الجريمة " ثم مادة دسمة للشباب لتقليد جرائم الاغتصاب حتى لو كان مع أخواتهم أو بنات الجيران دون أن ننسى الاختطافات للضغط على أولياء المختطف وابتزازهم في مبالغ مالية طائلة. كما تابعت برنامج آخر بألوان الخيوط تكثر منشطته طرح السؤال التالي: في أي سن تزوجت يا بنيتي..؟, وعندما تجيبها المتحاكمة, في سن ستة عشر سنة أو أكثر بكثير, تردد الصحفية المحترمة اللازمة التالية " تزوجت صغيرة, آههه صغيرة صغيرة بزآآآف " معززة رأيها برأي الطبيب النفسي والمحامي الشهم, لتمرر فكرة أن الزواج في هذا السن أكبر خطأ قد ترتكبه الأسر المغربية في تزويج بناتها وأظن أن السن الأمثل بالنسبة لهذه الصحفية هو خمسة وثلاثون سنة أو أربعين سنة حتى تسمح للفتاة بهامش حرية ترتكب فيه ما تشاء من موبقات وتدفعها الى زيارة الأولياء الصالحون "سيدي ستوديو دوزيم" "وسيدي موازين" , ولا أدري متى ستسمح لنا هذه المنشطة أو الصحفية بالاطلاع على تجربتها في الحياة حتى نستفيد من تجربتها الناجحة ولا يهم لون الخيط أحمر, أسود , أبيض المهم أن تجعلها نساءنا قدوة في تعاملهن مع أزواجهن وحتى لا نضطر يوما ما الى التحاكم الى برنامجها... و كنت من بين من استبشر خيرا بخلق قناة عمومية أخرى أطلقوا عليها اسم " قناة العيون الجهوية " لقلة الأسامي, فبدلا من قناة الصحراء أو قناة الأقاليم الصحراوية اختاروا لها هذا الاسم الضيق بدون "عقيقة ", وكنت أنتظر من هذه القناة الشيء الكثير لطبيعة الأقاليم الصحراوية ولغناها الثقافي إذ أن ثقافتها لازالت " خام " ولم تستفي حقها من الدراسة والبحث, لكن القيمين عليها أبوا إلا تقليد القنوات الأخرى في رداءتها ضاربين الثقافة الحسانية الغنية بعرض الحائط وجاءونا بتمثيلات هزلية تضرب هي الأخرى هذه الثقافة في العمق . كسلسلة " الزايغ - " لقلة الزايغين " - عندنا في الصحراء, هؤلاء الذين لا يظهرون إلا أيام الانتخابات ليقودوا الناس الى صناديق الاقتراع كالقطعان بمائة أو مائتين درهم ,أو يحيوا الليالي الحمراء مع تلميذات الاعدادية والثانوية ,يمنعونهن من الزواج في هذا السن باسم القانون لكن لا يمنعهم ذلك من الاستمتاع بأجسادهن الطرية , ثم سلسلة " هاذا حالي مع عيالي " والكل يعلم العلاقة الوطيدة التي كانت ولازالت تربط الآباء بأبنائهم في الصحراء ومن مر بحياة الترحال مثلي سيكتشف أهمية هذا الكلام ,وهذه السلسلة بدورها تحاول تمرير أن " العيال " مصدر دائم للمشاكل وهذه " كذبة باينة ". أما سلسلة "حميمة فالجامعة", فقد أظهرت الجانب الجميل من حياة الطالب الصحراوي الجامعي ولم تظهر "حميمة الزايغ" الذي يتربص بالطالبات في الأزقة والشوارع ومدرجات الكليات, أما "حميمات الزايغات " فما إن يصلن الى المدينة المستقبلة حتى يتجردن من " الملحفة " ويرتدين ملابس الغرب والشرق في استهتار واضح بالعادات والتقاليد ضاربات الحشمة والوقار الذي يميز المرأة الصحراوية بعرض الحائط وهذا الكلام ليس كلاما عاما وإنما هناك خصوصيات . وأهم برنامج أعجبت به حقيقة , برنامج "حمار" عفوا "حوار" لمصداقية مقدمه وأسلوبه اللغوي الرصين و "بهدلته" " للمتحامر" عفوا " للمتحاور" الذي غالبا ما يكون أحد المسؤولين الذين أوكلت لهم مهمة الدفع بهذا الوطن الى الخلف عفوا الى الأمام نحو الرقي والازدهار... كرقي الصومال وازدهار جيبوتي, لا أدري ما الذي أصابني حتى اختلطت علي الكلمات, ربما " ريحة " القنوات العمومية "عطاط ".. إنها روائح كريهة تزكم الأنوف تصدر من قنواتنا العمومية نضطر الى قول "حاشاكم" لمن هم بجوارنا ونحن نشاهد برامجها, أما إن كان الوالد أو الوالدة من بجوارك فإنك لا تملك حينها إلا أن تقوم من مقامك مهرولا دون قول "حاشاكم" لأن الرائحة ستكون صادمة و لن تتمالك نفسك وخاصة إن كان الأمر يتعلق بغرف النوم ومقدماتها. وأنا بدوري " لاهي نكول لكم حك الله أسمحو لي.. أو حاشاكم " لهذه الروائح الكريهة التي صدرت من مقالي هذا وذلك لطبيعة الموضوع.