تتفق كل القوانين الشرعية والوضعية على محاسبة الملمح أو المصرح بالقتل,غير أن في حالة مصر نلاحظ خرقا واضحا وطغيانا فاضحا,حيث لم يحدث من قبل وأن طلب القاتل تفويضا بسفك الدماء,متلاعبا بالكلمات ومثيرا للمشاعر, وأعطيه بترحيب عوض محاسبته على ما ارتكب واقترف,ولم نقف يوما على سكوت كهذا الذي نراه إزاء ما يحدث في مصر,سكوت الرضا والترحيب بذبح وقتل أناس خرجوا للتنديد بما لحق بالديمقراطية وحرية تقرير المصير من انتهاك سافر وتشويه مريع,حيث أن الشعب الذي مر بتجربة الثورة كمن مر من سابقة مخاض عسيرة ومستعصية أسفرت في النهاية عن مولود ذكر,رأى فيه الملايين من المصريين حلما يتحقق,فرحوا به فرحا عظيما خاصة بعد مواقفه ,تصريحاته وخطواته الأولى,لعل الأجدر بالذكر منها ما يخص الملف الفلسطيني والسوري,غير أن الحلم لم يكتمل ف "أم الصبيان" أبت إلا ان تحرم ذلك الشعب من الصبي الوليد, والذي لم يكمل فترة الرضاعة ولا شهد مرحلة الفطام, كما حرمت من قبل الشعب العراقي من صدام. "أم الصبيان" تلك تسبق بحمى عنف غامضة وظهور واضح لدمامل برادعية,فالملاحظ يرى أنه حيثما وطئت قدم البرادعي إلا ونبتت نبتة الشقاق ثم الإطاحة بالحاكم,فعلها بالعراق وأسقط درع العرب,وهاهو الآن يكررها بمصر.."بركاتك يا برادعي". في العراق,اتهم صدام رحمه الله بتخصيب اليورانيوم والنشاط النووي,كما اتهم بالكفر والزندقة والإلحاد,ضربا لعدة عصافير بحجر واحد,فالحداثيون سيخشون من النشاط النووي وتداعياته, بينما المحافظون سيسوءهم بقاء حاكم كافر زنديق,صدق العالم بكل أطرافه الأكذوبة وركبوا على ما ظنوه فرسا تحت تعتيم الغبار الإعلامي,غير أنهم ما لبثوا أن عرفوا حقيقية ما يركبون.فهموا بعد فوات الأوان اللعبة الهزلية التي وقعوا فيها حينما قلب البرادعي شفتيه معلنا: "سوري ..ما فيش نووي".ليسقط في يد العالم وهو يرى تقتيل الجيش الأمريكي في الشعب العراقي وقد حصل على تفويض للقيام بذلك. أما في مصر فقد جاء البرادعي رفقة جبهته العريضة لإنقاذ الثورة من الإسلاميين والإرهابيين,جاء ومن معه كغرابيب السلام لتخليص أرض الكنانة من ربائب القاعدة والتكفير كواجب وطني مقدم على كل الأولويات, كما تعلم في أروقة السياسة الأمريكية وردهاتها ,جاء لإسقاط مرسي بتهمة التخابر مع حركة المقاومة الإسلامية حماس, كما لو أن حماس تعني من منظورهم : أمريكا,إسرائيل أو إيران,متناسيا تخابره العلني والواضح, مع تلك الدول في الملف العراقي, تخابر تشهد به وسائل الإعلام ووثائق ويكيليكس.فحقيقة مجيئه أنه قد هرع لتصحيح مسار الربيع المصري المتجه نحو منحى يهدد سلامة مركز ثقل الشرق الأوسط وربيبة العم سام,ففي القاموس الأمريكي فقط نجد أن الإرهاب يساوي لحية أو نقاب,لذلك لا عجب أن ينتفض البرادعي فرقا لفوز "إخوانجي" له زوجة "محجبة",فهاذان الوصفان كفيلان بأن يطيرا النوم من عيون من هو مصاب برهاب "الإسلاموفوبيا". غير أن المتتبع للأحداث, يسجل الهروب الفني للبرادعي ومن معه كلما حمي الوطيس وازدادت أعداد القتلى,فتراه يتملص في مرونة ملتفتا يمنة وشمالا,حتى إذا خلا الجو, حمل خفي حنين وغاب عن الأنظار. ذلك هو الحاصل كلما أعطى البرادعي الشعلة للجنرال المفوض بإكمال مهمة تصفية "الإرهاب",ففي حالة العراق سلمها إلى : "دونالد رامسفيلد"لكن في حالة مصر,تخير لها بعد إنعاش عميق للخلايا الرمادية, الجنرال السادي: "عبد الفتاح السيسي",هذا الجنرال المصري المتشح بعشرات الأوسمة التي حالما تقع عليها الأعين يذهب اللاوعي مباشرة إلى جنرال عربي مجنون : "القذافي".هكذا اكتمل دور جبهة الإنقاذ ليبدأ عمل السيسي. فالسيسي المساند لجبهة الإنقاذ وبالتالي حركة تمرد,أطاح بالرئيس المنتخب خوفا من حرب أهلية متوهمة كما زعم ليدعوا بعد ذلك في خطابه الشهير إلى حرب أهلية محققة, حرب بين أصحاب اللحى وفكرهم وبين الحداثيين المستعملين لكريمات الحلاقة,حرب على الإرهاب بتفعيل أسمى معاني الإرهاب المادي والمعنوي,إرهاب كل من يتجرأ على المطالبة بإعادة ذو اللحية " الإخوانجي "إلى كرسي الرئاسة,في هذه الحرب يكفي أن تحمل قرآنا لتنهال عليك عشرات الأعيرة النارية,يكفي أن ينبت وجهك لحية أو يلتحف راسك بحجاب لتتلقى "أجدعها رصاصة فيك يا مصر". خطاب الجنرال السيسي, في ثوبه الشتوي المضاد للرصاص,فهمه الشعب المصري بشكل مغلوط كما أراد له ملقيه,ففي زعمه القضاء على الإرهاب,كانت في نفس السيسي,القضاء على كل ملتحي ومنقبة, مهما كان الثمن وكيفما كان شكل التصفية,بينما فهمها الشعب الذي يعاني من موجة الجريمة, أنها تعني القضاء على زمرة البلطجية التي تكاثرت في غياب التعقيم الأمني والتبني الغير مشروع لها من طرف بعض المستفيدين من الجو المشتعل,لتستعرض "مطاويها" وسكاكينها إعمالا "للفتونة". فشتان بين إرهاب وإرهاب. هكذا حصل السيسي على الوكالة من شعب "مغموق" عليه,ليحصد مؤيدي الرئيس المخلوع,مستعينا بعدد من القنوات الشبه حكومية,ومحاربا في الوقت عينه لكل من لا يتقن أبجديات التدليس والكذب,في تعتيم متعمد على مجازر أزهقت فيها أرواح وطمست فيها معالم الجرائم طمسا,فمن مجزرة الحرس الجمهوري إلى مجزرة رابعة العدوية ثم مجزرة نصر قرب الجندي المجهول,مجزرة تلي مجزرة تلي مجزرة,بعضها فوق بعض إذا أردت تعداد القتلى تتعب سبابتك من العد,ذلك نتاج التفويض الذي سيدفع ثمنه غاليا الشعب المصري,تصديقا للمثل القائل : ألا إني أكلت يوم أكل الثور الأبيض,فثور الإخوان لن يكون آخر الثيران المحترمين,سيتبعه حتما ثيران آخرون لم يفهموا بنود التوكيل الذي بصمته أياديهم.غير أن القانون لا يحمي المغفلين..