تناوب على منصب الكاتب العام (وكيل) لوزارة الاتصال (الإعلام) بالمغرب، نحو عشرة مسؤولين، قضوا مددا متفاوتة، مشرفين على التسيير الإداري للوزارة بينهم الوزير الأسبق، أحمد السنوسي، الذي أصبح لاحقا وزيرا للأنباء، بعد أن أمضى سنوات وكيلا للوزارة إلى جانب الوزير الراحل مولاي أحمد العلوي، الذي جمع لسنين بين حقيبتي الأنباء والسياحة. لم يضاه السنوسي في الأقدمية بالكتابة العامة للوزارة سوى عبد السلام زنيند، الوزير السابق للشؤون العربية والإسلامية في حكومة عبد الرحمن اليوسفي. وحرص الملك الراحل الحسن الثاني على إسناد منصب الكتابة العامة للوزارة، التي استقر اسمها عند «الاتصال» بعد أن عرفت باسم «الأخبار» ثم «الأنباء» ف«الإعلام»، إلى أسماء ذات تكوين قانوني وسياسي ولها صلة ما بالحقل الإعلامي، بالنظر إلى دورها في ترويج صورة البلاد والترخيص للصحف ومراقبة المطبوعات الأجنبية في بلد ظل تعدديا ومنفتحا على ما يصدر في الخارج بثلاث لغات أجنبية على الأقل: الفرنسية والإنجليزية والإسبانية، لم يطلها مقص الرقيب وإجراء المنع إلا في حالات معدودة، فضلا عن أن الملك الراحل أسند الوزارة إلى أسماء وازنة مثل أحمد رضا كديرة، وعبد الهادي بوطالب، ومجيد بنجلون، ومحمد العربي الخطابي، وأحمد الطيبي بنهيمة، وعبد الواحد بلقزيز، فضلا عن تكليف وزير الداخلية الراحل، إدريس البصري، ما عد فترة سوداء بالإعلام في المغرب. ومنذ عام 2005 لم يعد شرطا في «الكاتب العام» أن يكون ذا صلة مهنية بالحقل الإعلامي، فقد استوجب تطويره وإعادة هيكلته، الاستعانة بالكفاءات العلمية التكنوقراطية. هكذا تولى المنصب في ظل الوزير الأسبق، نبيل بنعبد الله، الأمين العام الحالي لحزب التقدم والاشتراكية، المهندس، محمد عياد، خريج مدرسة القناطر والجسور بباريس، حيث ظل في منصبه لأكثر من ثلاث سنوات، ليصبح المدير العام للإذاعة والتلفزيون، تاركا مكتبه ووظيفته إلى مهندس مثله هو رضوان بلعربي، الذي خدم مع الوزير السابق خالد الناصري، واحتفظ به الوزير الحالي، مصطفى الخلفي، الذي قال في حفل تكريم «بلعربي» الليلة قبل الماضية إنه حينما يتم تحكيم معيار الكفاءة في ممارسة المسؤولية وتغليب المصلحة العامة، فإن الاختلاف السياسي يصبح ثانويا وغير معرقل للأداء الحكومي، في إشارة إلى أن وكيل الوزارة المحتفى بتوديعه ينتمي لحزب ذي مرجعية اشتراكية عكس «العدالة والتنمية» الإسلامي المعتدل (حزب الوزير) بل إن الخلفي كشف خلال حفل التكريم أنه شجع بلعربي بعد إنهاء الأوراش الكبيرة بالوزارة، على الترشح للعودة إلى وزارة النقل والتجهيز، التي بدأ بها مساره الوظيفي إثر تخرجه منذ نحو ثلاثة عقود، اشتغل خلالها إلى جانب 16 وزيرا في مختلف الإدارات العمومية. وكل الذين ألقوا كلمات في أمسية التكريم التي نظمت بمقر وكالة الأنباء المغربية، وأدارها مديرها العام خليل الهاشمي الإدريسي، أشادوا بأداء بلعربي، الذي أكمل الأوراش الكثيرة التي اشتغل عليها سلفه محمد عياد، كما أبرزوا دماثة أخلاقه وقدرته على الصبر والإصغاء لمحاوريه في قطاع يتم فيه التعبير عن الرأي أحيانا بصوت عال وبحماسة. ولاحظ المتكلمون وهم إضافة إلى الوزير الخلفي، خليل الهاشمي (وكالة الأنباء) كمال لحلو (ناشر ومالك إذاعات خاصة) نور الدين مفتاح (فيدرالية الناشرين) يونس مجاهد (نقابة الصحافة) ورشيد الحايك (الإذاعات الخاصة) وفيصل العرائشي الرئيس المدير العام لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون الحكومية، ومحمد عبد الرحمن برادة، المدير العام السابق ل«الشركة العربية الأفريقية للنشر والتوزيع (سابريس)». لاحظوا كلهم أنهم عاشوا لحظات تفاوض صعبة مع بلعربي انتهت في غالب الأحيان بالتوافق، وإعلاء المصلحة العامة، وتجاوز الإشكالات الخلافية مثلما سجلوا أن الكاتب العام للوزارة فاجأهم باستيعابه الجيد لمشكلات القطاع الذي كان بعيدا عنه بل أضفى تكوينه العلمي قيمة مضافة على تسييره الإداري، تجلت في العقلانية والتخطيط المحكم، متمنين أن يكون خلف بلعربي بمثل مواصفاته وسجاياه المهنية والخلقية لدرجة أن بعضهم أبدوا حسرة على مغادرته وزارة الاتصال، وإن كان لمنصب أرفع، في وزارة مكلفة المشاريع الكبرى والبنى التحتية في المغرب الناهض، ما جعل الوزير الخلفي يقول لكاتبه العام السابق مداعبا: إنك تترك وزارة الاتصال، بميزانية نحو 4 مليارات درهم، إلى وزارة التجهيز ذات الميزانية المحترمة 14 مليار درهم. من جهته، أشار نقيب الصحافيين المغاربة يونس مجاهد إلى أن قطاع الصحافة يأمل في الاستفادة مستقبلا من دعم بلعربي، في موقعه الجديد، وناشده المساعدة في تشييد نادي للصحافيين، بحكم علاقات بلعربي الماضية والمستقبلة بقطاع هندسة البناء والإنشاءات. وهذا الطلب، فتح شهية فيصل العرائشي للاستعانة بمساعي الكاتب العام الجديد لوزارة النقل والتجهيز، لإحداث إذاعة خاصة بالسير الطرقي، تقدم خدمة وإرشادا لمستعملي السيارات وعربات النقل بالمغرب حيث حوادث المرور في تصاعد مستمر. واختتم الحفل بكلمة شكر من المحتفى به، أعدها باللغة العربية، بينما شاب الحفل استعمال محدود للفرنسية، معترفا بأنه استفاد كثيرا في تنمية وعيه السياسي، داخل قطاع يتميز بالحيوية وتفاعل الآراء وتباين المواقف. يذكر أن باب الترشيح لمن سيحل محل بلعربي أغلق وستبت لجنة الاختيار في الترشيحات في غضون الأيام المقبلة، لإعلان اسم وكيل جديد لوزارة الاتصال، يقره اجتماع للحكومة، تنفيذا للقانون الجديد المتعلق بالتعيين في الوظائف السامية.