أول أمس أطفأت عاصمة الصحراء سيدي افني شمعتها التاسعة والسبعون ، واحتفلت بيوم عيد تأسيسها ، وتذكرت الأحداث السعيدة ، والحزينة التي مرت من فوق مجالها الجغرافي من حروب واحتفالات ، تسعة وسبعون سنة كرمز للتمدن ، وللقرار السياسي بالصحراء ، وهي مدة طويلة في عمر السياسية ، إذا ماقرننا ذالك بالمغرب المنتفع ، لكن بالمقابل مدة قاسية ومتعبة على الإنسان الباعمراني ، وسط مناخ سياسي غائم في بلد يفقرفيه الفقير ويغتني فيه الغني. وشكل يوم 6 ابريل 2013 في سيدي افني عاصمة الصحراء، حدثا استثنائيا هذه السنة من حيث توالي الأحداث محليا ودوليا ، فهو موازي من جهة باحتفالات شعبية لإطلاق سراح المعتقلين القابعين في السجون المغربية بسبب مطالبتهم بحقهم في ما يستخلص من الثروة السمكية بميناء المدينة، والدين اعتقلوا أيضا تزامنا، مع زيارة ، رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي، الأربعاء 18 يناير2013، وجرت العادة أن يزور رئيس الحكومة الإسبانية المغرب كمحطة أولى بعد انتخابه على غرار فرانسو هولند رئيس الجمهورية الفرنسية ، علما أن المغرب يعتبر من ضمن أولويات السياسة الخارجية الإسبانية إلى جانب أوروبا وأمريكا اللاتينية ،ومن بين القضايا التي ناقشها راخوي في الرباط التفاوض بشكل سريع على اتفاق جديد للصيد البحري، بعد أن رفض البرلمان الأوروبي تمديده بين الاتحاد الأوروبي والمغرب. وفي سياق ذاته إجتمع بعد ذالك يوم الجمعة 25 يناير 2013 وزراء داخلية المغرب والمستعمرين الأوروبيين لشمال إفريقيا إسبانياوفرنسا والبرتغال ، حيث تم التوافق على الضربة العسكرية الفرنسية لمعاقل أنصار القاعدة "السحر الوهابي" الذي خلقته الامبريالية الكولونيلية لغزو شمال مالي ووصفها مانويل فالس وزير الداخلية الفرنسي بالحرب ضد الإرهاب. من جانب أخر لمح وزير الداخلية الإسباني خورخي فرنانديث دياث على أن الأمر لا خوف منه في ظهور أفغانستان جديدة في منطقة الساحل الأفريقية، و رغم ذالك يؤكد على سعي إسبانيا في الانخراط في التوجه الإقليمي ضد التشدد والمجموعات المسلحة المهددة للأمن والإستقرار ، ومن جهة أخرى دلالة الحدث مرتبطة أيضا ، بوقائع حادثة لانزاروتي بجزر الكناري حول حادث اصطدام سفينة تابعة للحرس الإسباني المدني بقارب يحمل مهاجرين من سيدي افني قرب لانزاروتي، وهو الحادث الذي وقع يوم 13 دجنبر 2012، ، وما تلاها بعد ذالك من وقفات احتجاجية في افني ، وجزر الكناري نددت بالفاجعة هذا وكشف شريط فيديو نشره موقع إذاعة إسبانية عن تورط عناصر الإنقاذ البحري الإسباني في انقلاب القارب. وأظهر الشريط الذي مدته 3 دقائق و48 ثانية تعرض القارب لإصطدام لانزاروتي" متعمد من طرف بارجة تابعة لخفر الشواطئ الإسبانية قبالة جزيرة "لانزاروتي" ما أدى إلى إحداث ثقب في القارب الذي غرق على الفور بجميع ركابه البالغ عددهم 24 ومن بينهم أطفال. و استدعت بعد ذالك وزارة الشؤون الخارجية والتعاون المغربية ، السفير الإسباني بالرباط، ألبيرتو نافارو، مطالبة إياه بتقديم كافة المعلومات على إثر نشر الشريط. مشيرة في نفس الوقت"أن الجهات الأمنية المغربية في اتصال مستمر مع الجهات الإسبانية لتجلية حقيقة الحادث، ولتحديد المسؤوليات، و في سياق ذاته ذكرت جريدة الصباح المغربية أن وزير الداخلية الإسباني خورخي فيرنانديث دياث، قال في مجلس الشيوخ أن السلطات المغربية إقتنعت بالتفسيرات التي وصلت إليها بهذا الخصوص، و ذلك بعد سؤال لأحد النواب حول حادثة إصطدام سفينة للحرس الإسباني المدني بقارب على متنه مهاجرون كانوا متوجهين إلى إسبانيا.".، وجاءت هذه الأحداث ايضا موازاة مع زيارة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة والدبلوماسي الأمريكي السابق بالجزائر كريستوفر روس جولته الثانية بمنطقة شمال أفريقيا تداولت مصادر اخر مفادها أن المبعوث الأممي إلى الصحراء كريستوفر روس نفى أثناء اجتماعه بنشطاء حقوقيين صحراويين بمقر المينورسو بالعيون وجود أي مقترح جديد لحل قضية الصحراء واصفا ما تناولته بعض وسائل الاعلام بخصوص مقترح حل مبني على كونفدرالية بين المغرب و الصحراء مجرد شائعات صحفية ، هذا التسلسل في الأحداث لايمكن فصله عما يحدث من غليان شعبي في عاصمة الصحراء وعما قريب وليس بعيدا ابناء المنطقة استنهضوا الهمم ، قبل غيرهم من الشعوب الخاضعة لإرادة الاستبداد في" العالم العربي"رغم ما خلفه ذلك من عقد نفسية مازالت عائقا أمام التنمية نتيجة خروقات سافرة لحقوق الإنسان تغاضت عنها الدولة المغربية ، تحت مسميات تقارير لجان مفبركة ، إلى وسائل ديماغوجية مازال يستعملها المخزن القروسطاوي للإفلات من عقاب المسوؤلين عن أحداث السبت الأليمة بسيدي افني ، مسؤولية المتورطين حاولت الدولة الإجابة عنها تحت مخرج يقنع الغرب بالحفاظ على مصالحه مقابل بقاء بعض المتورطين على كراسي جامدة لاتسعى إلا لحب الظهور، والبعض منهم برتبة الجنرال تعرض لحادث سير عندما كان متوجها صوب الرباط من أجل المشاركة، إلى جوار عدد من الشخصيات المدنية والعسكرية، ضمن جنازة الأميرة الراحلة للاّعائشة، عمّة الملك محمّد السادس ، وأخر تولى منصبا بباريس وهو وزير الداخلية الأسبق ، حيث أكد أثناء جلسة الاستماع إليه من طرف اللجنة البرلمانية لتقصي الحقائق في أحداث سيدي إفني، بمسؤولية وزارته في إعطاء الأمر باستعمال القوة والرصاص المطاطي في هذه الأحداث التي شهدتها المدينة في ال7 من يونيو . وقد تكون إشارة إلى إنتهاء مساره على غرار وزراء الذين تقلدوا مناصب الداخلية، وانتهى بهم الأمر إلى حالات يرثى لها ولعل العبرة في وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري ، الرجل الذي قضى أكثر من ثلاثين سنة في سدة الحكم بالمغرب وخير السياسة والتحكم في مصير المغاربة أكثر من ثلاثة عقود وهو الذي ملأ الدنيا وشغل الناس أيام كان في أوجه وجبروته وأصدر فتاوي للقضاء على وجود قبائل ايت بعمران، وكل ماله صلة بلفوف المناطق الجنوبية ، انتهى إلى درجة الصفر في “العدم السياسي” وتبين أنه لم يكن سوى رجل تمت صناعته داخل نسق السلطة. “الحديث عن التغيير والحراك السياسي في سيدي افني مازال مستمرا حيث لاتخلوا جنبات أحياء عاصمة الصحراء إلى اليوم ، من تجمعات للشباب في الأحياء الشعبية ، بعد قيامهم بنصب خيام ممنوعة في أجندة السلطة إثر ضجة اكديم ازيك المفبركة ، التي أستغلها البعض من أجل الركوب على أحداث السبت الأسود بسيدي افني ، يطالبون السلطات المغربية بتقسيم الثروة رافعين شعارا جديرا للتأمل من قبيل "ترواثنا كفيلة بتشغيلنا"، وفي قيادة ايت بعمران التاريخية اعتصم آخرون بجماعة مستي يطالبون برد الإعتبار لمنطقتهم، وهم المهمشون والمقصيون في ابسط الضروريات رغم توفر المنطقة على إمكانيات مهمة للإستثمار، هذا الحراك الذي تغاضت عنه وسائل الإعلام المركزية لايخلوا من مفارقات فريدة من نوعها لم تشهدها المنطقة إبان الحماية الاسبانية ، و يتعلق الأمر، بسابقة من نوعها ، وهو حل مجلس جماعة قروية " تيوغزة" إثر قرار صادر من وزير الداخلية، في حين أن مجلس مدينة افني العاصمة ، هو الأخر أصيب بعطب وللمرة الثالثة ، رفض أعضائه التصويت على الحساب الإداري بما فيهم الرئيس ،بدعوى أن الميزانية لاترقى إلى مستوى الثروة التي تستفيد منها جهات أخرى غير ساكنة المنطقة، أما السلطة في شخص عامل الإقليم ظلت في موقع المتفرج رغم أن القرائن تذل أنها هي الوصية والقابضة على مالية الجماعات المحلية والبلدية. ، ويتهمها البعض على أنها المتسببة في التشويش على المجلس بهدف إفشال تجربة السكرتارية المحلية ، في الوقت الذي يرى فيها البعض الأخر أن الأمر لايعدو أن يكون سوى املاْت الدولة القاضية بالتعامل بالحذر وفرض المقاربة الأمنية ، وهو ما عرقل التنمية وجعل أباطرة العقار يستحوذون على ساحل النعالة ، وفي مضاربات مكشوفة ، وغير ذالك من الاساليب التي يتم اعتمادها في خرق سافر للقوانين وتهم جميع مناحي الحياة بالمنطقة...... ، لكن الغير العادي في كل هذا السلوك عندما قامت بعض المنابر الإعلامية المحسوبة على المخزن التقليدي والتي عاصرت الملوك الثلاث ، على نشر بيانات بإسم ساكنة افني تؤكد فيها مطالبتها بعودة الإستعمار كما نشرتها جريدة الأسبوع الصحفي، وقبلها بأيام جريدة "العلم" لسان حزب الاستقلال دون أن يكون ما نشر في هذه الجرائد له أدنى شروط مصداقية العمل الصحفي حيث لم تتحمل هذه الجرائد أي عناء في نشر الخبر بإسم ساكنة افني كأنها وصية عليهم ، وهذا التشويش ألفاه الإفناويون ولم يعد يحرك شعرة في رؤوسهم ، لأنهم يعرفون من يغذيه ويحركه حتى يتم الخلط بين الأشياء ، ونحن نجزم أننا لانتقن البيع والشراء في الذمم ، كما كانت فئات محسوبة على المغرب النافع تعمل ، إلى درجة أنها فككت قيم المجتمع ، وجعلت المغربي يعيش السكيزوفرنيا ، حيث جعلت هويته في مزاد علني ولحساب مصالح ضيقة . ذكرى سايس ابريل لم يكن يتحدث عنها أحد ، بكل بساطة المسوؤلون المغاربة يخافون العفاريت والتماسيح ، ودعونا ألان ندخل إلى موضوع طالما وقع عليه الطمس والنسيان ، فهو اكثر حساسية وعلاقته بالمحيط الإقليمي ، فكل صحف فرنسا واسبانيا ، وأمريكا ، تعرف سيدي افني وقيمتها التاريخية ، لها عشرات المقالات حول حرب الصحراء التي خسرها فرنكو ، ومع ذالك لااحد من الجرائد المغربية تناولت هده القيمة ، إن تاريخ المنطقة لايمكن فصله عن أطراف العملية السياسية التي تتم ألان بتوافقات بجنوب الصحراء ودول الساحل ، وللأسف الشديد أن كل الرهانات المقبلة والممكنة تعني الحكومات المتعاقبة على المغرب ، ولا تعني ساكنة افني ، لدى فإن قناعتي بالخبر المنشور في الجريدتين " الأسبوع " والعلم ، مع الأخذ " برسالة لعدم صحتها" خاصة وأن الأسبوع ذكرت أن أصحاب الرسالة بلغوا أوج حلمهم عندما تحدثوا عن سيدي افني كدولة مستقلة عن المغرب " كلام الأسبوع العدد 734 ص 6 الخميس 28 مارس 2013، ربما كلاما فضفاضا ، والصحيح أن كونفدراليات ايت بعمران وقعت اتفاقية الحماية مع الإسبان في سايس ابريل 1934 وقامت فرنسا بخرقها في الأزواض في 6 ابريل 2013، ، الذي نحتفل به اليوم في ذاكرتنا الجماعية ، لكن ما ليس صحيح بالنسبة لصاحب الأسبوع ، هو تأويله بأكثر مما يحتمل ، وجرت فبركت رسالة وقرأتها بعيون مريبة كانت تتصيد في الماء العكر ، ثم أن كلاما كثيرا قاله المؤرخون عن رجالات ايت بعمران حول اللحظات الأخيرة التي غادر فيها الجنرال فرانكوا عاصمة الصحراء ، دون الإستفتاء ، ووضعت فيه وثيقة سميت بوثيقة التسليم سنة 1969،وسيأتي يوم يكتب فيه تاريخ وضع هذه الوثيقة ، كما سيأتي يوم تنشر فيه ملابسات ما جرى ودار . لهذا فعوض نشر الأضاليل كان من الأجدر إعادة كتابة تاريخ المغرب ، بقرأة متأنية للمشترك بين سايس ابريل افني ، وعلاقته بسايس أبريل الأزواض ، وبالأحرى بين العاصمتين ، افني وتمبكتو. ربما نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى قراءة الأحداث من زوايا عدة لعلنا نصل إلى مطمح تسامح الشعوب و بناء ذاكرة مشتركة من أجل عالم يسوده السلم و المحبة، ولن يتأتى ذلك في نظري إلا بفتح كل الملفات العالقة بين بلدان الجوار، فإسبانيا ملزمة اليوم، قبل أي وقت مضى ، بإعادة الإعتبار للباعمرانيين الذين قدموا دماءهم و أرواحهم من أجل إسبانيا، و ملزمة بالمساهمة في تنمية المنطقة بعدما ساهمت هذه المنطقة في تنمية إسبانيا عبر توفير اليد العاملة و المواد الخام واستنزاف الثروة السمكية...، و ملزمة كذالك بفتح أرشيفها للمؤرخين لكتابة صفحات مجد أجدادهم.