يعكس القتال في بعض ضواحي العاصمة السورية ، خلال الأسابيع الأخيرة، احتدام موجة العنف، الأمر الذي وصفه عدد من المراقبين ب "المعركة الكبرى لغزو دمشق"، وهي عملية هجومية كبرى يحضر لها الثوار منذ شهور وقد تبدأ عما قريب ، معركة دمشق ربما تبدأ خلال أسابيع وليس أشهراً, حيث كشفت مصادر المعارضة في واشنطن أن قادة "الجيش السوري الحر" بدأوا مرحلة الإعداد لشن الهجوم ومحاولة إسقاط النظام واستيلاء الثوار على العاصمة. ويبدو أن حالة الإنهاك التي تعاني منها قوات الأسد جراء القتال المتواصل دفعت قيادته العسكرية لتغيير إستراتيجيتها ، فبدلا من القتال على جبهات مفتوحة بطول البلاد وعرضها، وفي مناطق لا يحظى فيها النظام بأي إسناد شعبي، انتقل النظام لإستراتيجية بديلة يركز فيها على حشد قواته في دمشق وريفها وفي المحافظات الغربية الساحلية ، حيث توجد التجمعات الأكبر للأقلية العلوية ، كما قام النظام بإخلاء مواقعه العسكرية والأمنية في المناطق الكردية لصالح جماعات محلية متحالفة معه، مقابل تحييد تلك المناطق ومنع المعارضة من السيطرة عليها أو استخدامها كنقاط دعم خلفية ليحافظ على المواقع العسكرية الضخمة التي تحمي المدينة أصلاً من هجوم إسرائيلي آت من الهضبة وشرق الجولان أو من لبنان.
ويستعمل النظام حالياً منفذ لبنان لتلقي مساعدة "حزب الله" وأسلحة من إيران ، فالنظام خسر 30 ألف جندي وشبيح حسب مصادر عسكرية من المعارضة المسلحة , لكنه ما زال يملك أكثر من 80 ألف مقاتل بكل عتادهم, وهو قادر على قتل أكثر من 80 ألف سوري آخر قبل أن يصاب بالضعف ، ولتحاشي كل هذا يجب أن تحصل المعارضة على مساعدة نوعية وتسليح نوعي في إطار خطة تدرس جميع الاحتمالات .
معركة دمشق حسب مجموعة من المتتبعين ستكون تاريخية بسب مشاركة جل استخبارات الدول الكبرى و دول الخليج و إسرائيل فيها ، و سيكون لها تداعيات على كل الأنظمة العربية ، رغم تسرع الثوار في خوضها ، فقد كشف الكاتب نارام سرجون عن" محرقة حقيقية " لمسلحي تركيا و"الناتو" بعدما قدت المعارضة المسلحة أغلى شبّانها قرابين لإله الشمس وإله القمر حسب تعبيره .. و استنكر قائلا " لا يوجد عاقل في الدنيا يزجّ بمحاربيه الشباب إلى تلك المحرقة التي زجّ بها المعارضون بأولئك الشباب في محرقة دمشق.. ولا يوجد قائد حريص على جنوده، لا يفكر بأن يجنبّهم الموت الرخيص المجاني والسريع.. أقول ذلك، وقد وصلتني تعليقات بعض المراقبين الغربيّين على ما سمّي «معركة تحرير دمشق»، والتي وصفها جميع المراقبين على الإطلاق، بأنها أكثر عملية متهوّرة وحمقاء، وانتهت بكارثة بشرية حقيقية.. وقد أرسل لي زميل عزيز بتقرير وقراءة لأحد رجال المخابرات البريطانيين السابقين (د آي باركر) الذي غطى بعض نشاطات الجهاز السرية في الشرق الأوسط في التسعينات، بقوله بالحرف معلقاً على نتائج معركة دمشق: يا إلهي.. هل ما حدث كان معركة، أم حقل انتحار جماعي لجماعة تؤمن بالانتحار؟؟ لا تريد المعارضة حتى الآن إطلاع جمهورها على الكارثة التي تعرّض لها مقاتلو معركة دمشق" بعدما قامت بإحراق 3000 مسلح في دفعهم إلى عملية احتلال دمشق، في إطاعة عمياء للمخابرات التركية والأميركية، من دون الأخذ بعين الاعتبار سلامة مقاتليها ونجاح المعركة المستحيلة.
ويبقى أفضل سيناريو للمعارضة في المغامرة القادمة إلى انشقاق 200 ضابط كبير ممن يسيطرون على قوات الجيش في المدينة ومحيطها وتنقلب موازين القوى بسرعة, فلا يتمكن النظام من الإمساك بناصية الأمور. السيناريو الثاني ، يشير إلى إسقاط المدينة بسرعة كتحرك خلية داخلية لتعطيل القيادة ، وتتزامن مع اختراق قوات المعارضة المدينة بسرعة تشبه السرعة التي سقطت بها العاصمة الليبية طرابلس وكانت نتيجتها انسحاب معمر القذافي وسقوط نظامه.
ويبقى هذا تخطيط على ورق، لكن الحقيقة الأسوأ التي ينتظرها الثوار، بحسب عدد من المحليين هي أن معركة دمشق المقبلة ستكون دموية وطويلة. والمشكلة الأكبر التي يواجهها الثوار هي ضآلة عددهم مقارنة بحجم المدينة, إضافة إلى ذلك لا يعتبر الثوار أن أهل مدينة دمشق سيرحبون بمعركة تدمر المدينة كما حصل في حلب، فالنظام سيتمسك بها إلى أبعد حد ، لأنها مسألة وجود بالنسبة له ، كما أنها مسألة مصير بالنسبة للثوار ، وربما لا يرحب أهل المدينة أيضاً بقوى مثل "جبهة النصرة" و"أحرار الشام"، خصوصاً أن طبيعة وانتماءات التنظيمين تختلف تماماً عن طبيعة أهل المدينة التقليديين.
و في المقابل فالأسد وضع عدة خطط يُتَصَور بها معركة دمشق ،" وسط جدل حول فزاعة " استخدام أسلحة كيميائية " ، بعد وصول المعارك إلى دمشق ، إلا أنه ربما يرتكز على حقيقة أن إستراتيجية الثوار الموحدة قد تنهار أيضاً تحت وطأة وحشية المعركة المتوقعة وتكلفتها، وبمجرد أن يحدث ذلك، فإنه يتوقع أن يحدث انقسام بين الثوار وأن تصعد للواجهة عناصر معارضة متطرفة، مثل جبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة، وأنه سيعلن عن نفسه حينها باعتباره الضامن الوحيد للبلاد ضد مايسمى إعلاميا التطرف الإسلامي والفوضى
الأسد يعلم بأن وضعه أفضل بكثير من وضع القذافي. فهو يعرف أن اوباما وساركوزي سيفكرون ألف مرة قبل أن يقدموا على إطلاق الصواريخ على القصر الرئاسي في دمشق فقط كي يحموا المنتفضين ، إلا إذا اكتشف فجأة بان قسما كبيرا من الجيش وقوات الأمن لديه ليس أولئك المنتمين للطائفة (العلوية) يرفض التسليم بذبح المواطنين وينضم إلى المتظاهرين، لكن الحقيقة الثابتة أن دخان حريق معركة دمشق سيحرق أخر أوراق النظام الأردني خاصة أن الأردن يعاني في الأصل من أزمة ديمقراطية و اقتصادية عميقة وخطيرة لها انعكاسات واضحة على الساحة السياسية . المعركة ستشكل كارثة إنسانية و تدفق كبير للنازحين بعدما أصبحت المنطقة ساحة لتصفية الحسابات الدولية .