[email protected] تصريح باريس حول فعالية المساعدات من أجل التنمية و التقدم الذي صادقت عليه 91 دولة ضمنهم المملكة المغربية ، كما صادقت عليه 25مؤسسة مالية دولية معظمها منضوي تحت هيأة الأممالمتحدة بالإضافة الى حوالي 13منظمة غير حكومية، هذا التصريح الذي تمت المصادقة عليه يوم 2 مارس 2005 ينص قراره الأول أنه من الممكن مضاعفة المساعدات الدولية في حالة عدم كفاية المساعدات المقدمة سلفا لهذا نتساءل لماذا امتنعت الحكومة المغربية الحالية الانتفاع من المساعدات الدولية خصوصا أن مبلغ مليارين من الدراهم المستجلبة من المساعدات الدولية إبان الشطر الأول من برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية هو نفسه المبلغ المخصص لكل ميزانية المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لسنة 2012، المصادق عليها يوم الثامن من مارس لسنة 2012 ، فهل الحكومة الحالية عدوة للمساعدات الدولية و متملصة من تصريح باريس ليوم 2 مارس2005 الذي انضمت اليه المملكة المغربية عن ارادة و اختيار؟ الشطر الأول من ميزانية البرنامج الوطني للتنمية البشرية بلغت عشر مليارات من الدراهيم، ربع هذه الميزانية التي بلغت مليارين من الدراهم هي متأتية من التعاون الدولي فكيف يمكن لهذه الحكومة أن تلغي من حساباتها الميزانياتية كل المنافع التي يمكن استجلابها من التعاون الدولي؟ من الممكن ان تكون هنالك أسباب "وجيهة" لهذا الإختيار كما يمكن أن تكون هنالك أسباب أخرى غير وجيهة. الأسباب ال"وجيهة" من الممكن أن تكون هي تطبيق نتائج المؤشر الثالث من تصريح باريس ليوم 2 مارس2005 الذي ينص على تقليص الإعتمادات المخصصة للقطاع الإجتماعي إلى مستوى النصف، أما الأسباب غير الوجيهة و التي ربما استدعت تنقل وزير الخارجية الفرنسي السيد آلان جوبي إلى المملكة المغربية في نفس اليوم الذي سارعت فيه الحكومة المغربية الى المصادقة على ميزانية سنة 2012 ،فهذه الأسباب، ربما تتعلق بعدم الرغبة في اللجوء الى تطبيق المؤشرات الإثنى عشرة المعتمدة في تصريح باريس ليوم 2 مارس 2005 التي تدخل ضمن نتائجها المرجوة: 1. نتائج المؤشر الثاني "ألف" هو التقدم على الأقل ب0.5 نقطة على مستوى النظام التدبيري المالي بما فيه تقويم السياسات العمومية و تقويم المؤسسات. 2. نتائج المؤشر الثاني "باء" التقدم بدرجة واحدة على مستوى تمرير الصفقات العمومية: الإنتقال من فئة "دال" الى فئة "سين"، أو الانتقال من فئة "سين" الى فئة "باء" أو الانتقال من فئة "باء" الى فئة "الف" 3. نتائج المؤشر الثالث: 85% من المساعدات الاجتماعية يجب تضمينها في الميزانية العامة للحكومة، مع العمل على تقليص مستوى اعتماد هذه المساعدات الاجتماعية على ميزانية الحكومة الى مستوى النصف. إثنى عشرة مؤشرا تقنيا تمت المصادقة عليهم سنة 2005 و كان من المنتظر الوقوف على مستوى تطبيق هذه المؤشرات خلال سنة 2010 فهل عدم إدراج بعض الأموال المتأتية من سياسة التعاون الدولي المتضمنة في تصريح باريس تدخل ضمن التملص من تحمل تبعات عدم تطبيق هذه المؤشرات؟ كما يعلم الجميع القضايا التنموية تشفع للقضايا السياسية كما تشفع حتى للقضايا الإيديولوجية لكن بعض المفعمين بالقضايا السياسية المحلية الضيقة و بعض القضايا الإيديولوجية الخالصة و المستعصية على التطبيق لا يستطيعون ملامسة دور هذه الشفاعة لهذا السبب يمارسون الشغب و التحريض و يحدثون ثقوبا هائلة في جدران الأنظمة، لدرجة يمكن القول معها، أن الذين أطاحوا بالأنظمة السياسية في منطقة شمال إفريقيا و الشرق الأوسط هم هؤلاء المفعمين بالنظرة السياسية الضيقة و الموغلة في المحلية. خبراء الإبصار و البصريات يميزون بين نوعين من الإبصار، يميزون بين الإبصار الجزئي و الجد مركز Vision focale و الإبصار الشمولي الموزع Vision ambiante و يقولون بهذا الصدد بأن الشخص الذي يتوفر فقط على احد هذين النوعين من الإبصار هو بكل بساطة شخص أعمى. القوى السياسية و مراكز السلطة التي تتوفر فقط على الرؤيا الجزئية المحلية و الجد مركزة على النشطاء الديمقراطيين بالخصوص، هي جماعة من العميان التي تطيح بالأنظمة و تخلق حالة لا استقرار دائم. حاليا، هنالك مسار دولي واضح بمعطياته و مكوناته ومن يخطئ فهم مكونات هذا المسار و غاياته يؤدي الثمن غاليا على مستوى استقراره السياسي و على مستوى وحدته الوطنية. بعض القوى السياسية و بعض مراكز السلطة التي تستغفل براءة مواطنيها السذج عن طريق افراغ البرامج الانمائية من محتوياتها تهيء الظروف السياسية لحالة عدم الاستقرار و تكالب المجتمع الدولي و تدفعه للسير قدما في اتجاه العمل على الاعتقاد في حقيقة هذه الحالة من اللااستقرار. سنة 2000، إهتدى المجتمع الدولي الى الأهداف الانمائية الثمانية و حقق حولها تعهدات و اجماعا غير مسبوقين وهذه الأهداف الإنمائية الثمانية عرفت امتدادات على مستوى الأوطان، كما عرفت سيولة نقدية مهمة في اتجاه اقتصاديات بعض الدول، خصوصا تلك التي تحتل الدرجات الدنيا في قياس المؤشرات الدولية المتعددة. حظ المملكة المغربية من هذه البرامج كان وافرا حيث ساعدتها على صياغة سياسات عمومية في اتجاه البنيات التحتية و في اتجاه الفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة. استمرت عملية صياغة البرامج و عملية تنفيذ السياسات العمومية من سنة 2000 الى نهاية سنة 2010 حيث حصل ما يسمى بالثورات العربية، البرامج الإنمائية الثمانية وضعت لها السياسات العمومية و البرامج المسطرة أهدافا احصائية دقيقة و هذه الأهداف الاحصائية حددت سنة 2015 كسنة حصرية لتقديم الحساب. أموال كثيرة وجهد كبير بذل في انجاز و تحقيق هذه الأهداف و قد حددت خمسة عشرة سنة لتحقيقها، أي من سنة 2000 الى سنة 2015 بمعنى نصف ثلاثينية أو اذا شئتم ربع ستينية التي هي عدد السنين التي مرت على تأسيس منظمة الاممالمتحدة لما تمت المصادقة على هذه الاهداف الانمائية الثمانية و المفصلة بالتدقيق و الاحصائيات. نصف ثلاثينية ، أي خمسة عشرة سنة لإنجاز وتنفيذ هذه الأهداف و بعد انقضاء أكثر من عشر سنين من هذه المدة الانمائية اتضح أن المجتمع الدولي ممثلا في الموقعين على الالتزامات الدولية، بما فيها تصريح باريس ليوم 2 مارس 2005و كأنه يصب الماء في الرمل، ما العمل و لم يتبقى الا أربع سنين على انقضاء هده الفسحة الانمائية خصوصا و أن عقارب المؤشرات لازالت تراوح مكانها. عشرون في المائة من كلفة البرنامج الاستعجالي هي قروض دولية، و ستة في المائة من الميزانية المعتمدة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، الشطر الثاني الذي يمتد من سنة 2011،الى سنة 2015،هي الأخرى قروض دولية. البرنامج الأولي لهذه المبادرة الذي دام سنة واحدة فقط هي سنة 2005 مصادر تمويله اعتمدت على الإمكانيات المالية الوطنية الذاتية فقط و المقسمة ما بين الميزانية العامة للدولة 50.000.000 درهم، و ميزانية الجماعات المحلية 100.000.000درهم، بالإضافة الى مساهمة صندوق الحسن الثاني 100.000.000درهم. ربع مليار درهم هي ميزانية البرنامج الأولي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية لسنة 2005، في حين الشطر الأول لهذه المبادرة التي هي وليدة الفلسفة التنموية للأهداف الإنمائية الثمانية للمجتمع الدولي امتدت من سنة 2006الى سنة 2010 وبلغت ميزانية هذا الشطر الأول عشرة ملايير درهم. 25% من هذه الميزانية متأتية من التعاون الدولي. انطلاقا من سنة 2006 عرفت المملكة المغربية انفتاحا مهما على ثقافة التعاون الدولي و على المشاريع الدولية المتعددة الى حدود نهاية السنة المالية 2011/2010 حيث لوحظ تراجع نسبة الاعتماد على فوائد التعاون الدولي. نسبة مساهمة الرأسمال الدولي في الشطر الأول من ميزانية المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بلغ 25% في حين هذه النسبة لم تتجاوز 6% من ميزانية الشطر الثاني. ربما يعود تفسير مستوى تدني مساهمات المساعدات الدولية في ميزانيات القطاع الاجتماعي الى التطبيق الحرفي للمؤشر الثالث من تصريح باريس حول التعاون الدولي من أجل التقدم الذي صادقت عليه حكومة المملكة المغربية يوم 2 مارس 2005. يعتبر الوزير الأول للحكومة المغربية هو الآمر بالصرف لتنفيذ ميزانية المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. الآمر بصرف الشطر الأول من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية هو الوزير الأول السابق السيد عباس الفاسي و الآمر بالصرف للشطر الثاني من تنفيذ ميزانية المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي صادقت عليها الحكومة المغربية يوم الخميس 8 مارس 2012هو السيد عبد الالاه بن كيران الوزير الأول الحالي. وزير المالية في الحكومة السابقة استطاع استجلاب ما لا يقل عن مليارين من الدراهيم في اطار سياسة التعاون الدولي و حقنها في المالية العمومية، في حين وزير مالية الحكومة الحالية على ما يبدو سيكتفي بالقيام بتعويض هذا المال المستجلب من التعاون الدولي، أي حوالي 13% من ميزانية الشطر الثاني للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، سيتم تعويض هذا المال بالصعقات السيكولوجية التي ستحدثها اجراءات تدبيرية محلية مرتبطة بالكشف عن بعض مكونات ما هو معروف باقتصاد الريع الذي يعيش تحت كنفه زبناء سياسيون عديدون اصبحوا مكشوفين للجميع بما فيه حتى المؤسسات المالية و الرقابية للمنتظم الدولي. فوائد التعاون الدولي ليست محصورة فقط في الجانب المالي لهذا التعاون بل تتعدى هذا الجانب الى طبيعة الثقافة المالية و التقنيات التدبيرية التي يعتمد عليها و التي تتطلب كفاءات متعددة و ذات تكوين عالي و بسبب غياب هذه الثقافة و هذه الكفاءات يتم اهدار البرامج و تسفيه السياسات العمومية الى مستوى افقاد الدولة المغربية مصداقيتها كما حدث مع البرنامج الفرعي المسطر في اطار البرنامج الاستعجالي للتربية و التكوين الذي يوجب تعميم التمدرس الى سن الخامسة عشرة كما تنص على ذلك الحقوق التربوية الدولية المتعارف عليها من طرف الجميع. هذا البرنامج الفرعي فشل في عموميته كما فشلت برامج فرعية أخرى من البرنامج الاستعجالي. دولة البرازيل التي كان فيها وزير التربية الوطنية الحالي سفيرا للمملكة المغربية، هذه الدولة حسب الاحصائيات التي وفرها لنا المعهد البرازيلي للجغرافية و الاحصاء أكدت لنا بأن معدل الأمية الأبجدية الذي كان يصل سنة 1985الى 23%قد انحدر سنة 2004 الى 10% و حاليا بداخل دولة البرازيل 99% من الاطفال البرازيليين المتراوحة سنهم ما بين 7 سنوات و 14 سنة هم اطفال متمدرسون، فهل سيمهل المجتمع المغربي و معه المجتمع الدولي وزير التربية الوطنية الحالي و الحكومة الحالية أربع سنين أخرى حتى يستطيعوا استيعاب خلفيات و عواقب عدم تطبيق أهداف و برامج ما صادقت عليه المملكة المغربية على المستوى الدولي؟