توصل سكان الدارالبيضاءوالمحمدية خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة بفواتير مملحة من شركة «ليدك» التي تبيعهم الماء والكهرباء الذي تشتريه من المكتب الوطني للماء والكهرباء بأسعار تفضيلية. وفي الوقت الذي كانت فيه ملايين العائلات تحصي خسائرها بسبب هذه الزيادة الصاروخية في الفواتير، كان مدراء الشركة الأم في باريس يفركون أيديهم وهم يحصون أرباحهم الخيالية التي حققها فرعهم بالمغرب خلال الستة أشهر الأخيرة. فقد وصلت أرباح شركة «ليدك»، التي ستخرج بالعملة الصعبة من بنك المغرب، إلى أكثر من 12 مليار سنتيم. طبعا، ستقول لنا الجرائد الاقتصادية التي تلعق أحذية الشركات العالمية إن هذه الأرباح، التي ستخرج من المغرب بالعملة الصعبة، ستعوضها أرباح صفقة بيع عثمان بنجلون وصندوق الإيداع والتدبير لحصتيهما من «ميديتيل» لشركة «فرانس تيليكوم»، والتي ستدر على الخزينة 800 مليار سنتيم. هكذا يكون الملياردير عثمان بنجلون، الذي يحتج الأساتذة العاملون ضمن سلسلة المدارس التابعة لمؤسسة زوجته بسبب تجميد تعويضاتهم، قد ربح في أقل من سنة مائة مليار سنتيم لوحده. وعندما يزفون إلينا خبر دخول 800 مليار سنتيم من العملة الصعبة إلى خزينة المملكة، فإنهم ينسون أن يخبرونا كم ستخرج شركة «فرانس تيليكوم» من المغرب كأرباح بالعملة الصعبة في السنة المقبلة. وإذا كانت زميلتها «فيفاندي» قد نجحت في إخراج 900 مليار سنتيم كأرباح هذه السنة، فيمكننا تخيل الرقم الذي ستنجح «فرانس تيليكوم» في إخراجه «منا» بدورها. فقطاعا الاتصالات والكهرباء في المغرب هما الأكثر غلاء في العالم بأسره، ولذلك تتهافت الشركات الفرنسية على شراء أسهم فيهما. فهي تعرف أنها ستسترجع رأسمالها في الأشهر الستة الأولى وستبعث الأرباح إلى الشركة الأم في الستة أشهر الثانية. رجالاتنا في الاقتصاد ينطبق عليهم المثل المغربي الذي يقول «شاف الربيع ما شاف الحافة»، فهم يرون الشيك السمين الذي سيحصلون عليه الآن بالعملة الصعبة لإنقاذ بنك المغرب من السكتة القلبية التي تتهدده بسبب نضوب احتياطيه من هذه العملة، وفي الوقت نفسه يتعامون عن رؤية الشيكات السمينة التي ستغادر بنك المغرب بعد سنة من الآن عندما سيجلس محاسبو الشركة لإحصاء الأرباح الخرافية التي سيحققونها بفضل الخدمات الباهظة التي تبيعها شركات الاتصالات للمغاربة. وإلى حدود اليوم، نجحنا في تسليم رقبة المغرب إلى الأجانب في مجالين حيويين هما الاتصالات والطاقة. وعوض أن يحتفظ المغرب لنفسه بإدارة هذين القطاعين الحيويين، باعهما وصرف أموالهما على ميزانيات الإنفاق العمومي. وكل مرة يشعر فيها الاقتصاد المغربي بالأزمة، يبيع قطاعا حيويا من قطاعاته. وهكذا، باع وزير الخوصصة السعيدي شركة «لاسامير» للسعوديين، مع أنها شركة تتحكم في قطاع حيوي بوسع فقدان التحكم في أسعاره أن يشل حركة الاقتصاد المغربي. وكان جزاء السعيدي على إنجاح هذه الصفقة هو تعيينه على رأس إدارة الشركة البترولية بعد مغادرته للحكومة، فأصبحت الشركة السعودية تجني الأرباح في تكرير البترول بينما سكان المحمدية يجنون الأمراض والعاهات بسبب التلوث القاتل التي تنفثه مداخن الشركة، وأطنان الرماد الذي تلقيه في البحر. وبعده، باع بنهيمة محطة الجرف الأصفر للأمريكيين «بطاطا برطل»، ثم باعها الأمريكيون بأضعاف ثمنها للإماراتيين الذين يبيعون المغرب اليوم الكهرباء ب«دقة للنيف». والأدهى من ذلك أن شركة «طاقة» الإماراتية لم تكتف فقط بمحطة الجرف الأصفر، وإنما طمعت في المحطتين الخامسة والسادسة لكي تتحكم في أربعين في المائة من سوق الكهرباء الذي يستهلكه المغرب. وعندما رفض يونس معمر أن يبيع المحطتين لشركة أبو ظبي الوطنية للطاقة بدون اللجوء إلى مزاد علني دولي، واعترض على السماح لها بإخراج سبعة ملايير درهم كأرباح في صيف 2008، دفع ثمن «قصوحية الراس» ووجد نفسه مجبرا على ترك مكانه لعلي الفاسي الفهري الذي فوت المحطتين إلى الشركة الإماراتية. وبينما ينشغل الجميع في المغرب بفضيحة المدرب البلجيكي «غيريتس» الذي تعاقد معه علي الفاسي الفهري وأخبار امتناع هذا الأخير عن الإفصاح عن ثمن هذه الصفقة لدافعي الضرائب الذين سيخرج راتبه السمين من جيوبهم، يكاد يجهل الجميع تقريبا تفاصيل الفضيحة الكبرى التي فجرها الرئيس التنفيذي السابق لشركة «طاقة» الإماراتية الأمريكي «باركر هوميك»، والتي امتدت شظاياها لتصيب علي الفاسي الفهري و«شلته» من المسيرين للمكتب الوطني للكهرباء. فقبل أسابيع قليلة، وضع «باركر هوميك» شكاية لدى إحدى محاكم ولاية «ميشيغان» ضد شركة «طاقة» بتهمة ثقيلة أخطرها اتهامه الشركة الإماراتية بإجباره على التوقيع على مصاريف وتعويضات غير قانونية ورشاوى من أجل الحصول على صفقات بأمر من مسؤولين إماراتيين أعضاء في مجلس إدارة الشركة. وبما أن المدير السابق للمكتب الوطني للكهرباء رفض تفويت مشروع شركة «طاقة» التي كانت قد وضعت نصب أعينها الفوز بصفقة توسيع محطة الجرف الأصفر واقتناء المحطتين الخامسة والسادسة، فقد انتظر مسؤولوها إلى حين مجيء علي الفاسي الفهري لإنجاح الصفقة. وهي الصفقة التي يتهم المدير التنفيذي السابق لشركة «طاقة» مسؤولين مغاربة بمقايضة الإماراتيين ضوءَهم الأخضر لاقتناء المحطتين بمنح مالية سخية قدرها «باركر هوميك» بمبلغ خمسة ملايين دولار، فقط لا غير. ورغم التغطية الإعلامية الكبيرة التي حظيت بها شكاية المدير التنفيذي السابق لشركة «طاقة» الإماراتية التي أصبحت متحكمة في 40 في المائة من إنتاج المغرب الكهربائي، ورغم توجيه صاحب الشكاية أصابع الاتهام نحو مسؤولين مغاربة في المكتب الوطني للكهرباء، فإن السيد علي الفاسي الفهري يفضل أن يلهي المغاربة بحكاياته السخيفة مع المدرب البلجيكي وراتبه السري العجيب، ضاربا «الطم» عن هذه الفضيحة التي تزلزل الدول التي تتعامل مع شركة «طاقة» المملوكة لإمارة أبو ظبي. فلا عبد السلام جودلال الذي يرجع إليه الفضل، بعد عودته من التقاعد، في «السهر» على توقيع صفقة تفويت المحطتين الخامسة والسادسة بالجرف الأصفر إلى الإماراتيين، ولا مجيد العراقي ممثل شركة «طاقة» بالمغرب، ولا علي الفاسي الفهري المدير العام للمكتب الوطني للكهرباء، فتحوا أفواههم بتعليق واحد على هذه الاتهامات الثقيلة التي وجهها إليهم من ولاية «ميشيغان» المدير التنفيذي السابق للشركة الإماراتية. وهكذا، بعد أن كان اسم المكتب الوطني للكهرباء يذكر في المحافل الدولية كمنافس شرس لشركات الكهرباء العالمية، أصبح اليوم، في عهد علي الفاسي الفهري، يذكر في فضائح الارتشاء داخل المحاكم الأمريكية. ومنذ وصول علي الفاسي الفهري إلى رئاسة المكتب الوطني للكهرباء، تم تجميد كل الاستثمارات التي كان المكتب يقوم بها في إفريقيا، متجاهلا أن المغرب يتوفر على مؤهلات وخبرات في مجال الطاقة الكهربائية، استطاع بها أن يقنع دولا إفريقية بتغيير موقفها في قضية الصحراء لصالحه -كما حدث، مثلا، في أنغلولا وسيراليون وغانا- بل إن المكتب الوطني للكهرباء على عهد مديره السابق استطاع أن ينتزع صفقة في السنغال من فم شركة EDF الفرنسية ذات التاريخ العريق في هذا المجال. واليوم، مع مجيء علي الفاسي الفهري إلى المكتب الوطني للكهرباء، انسحب المغرب من هذه الدول وأفسح المجال أمام الفرنسيين الذين استراحوا من شبح المنافسة الذي بدأ المغرب يلوح به في العمق الإفريقي. وأصبح كل اهتمام علي الفاسي الفهري منصبا على إعطاء التصريحات الجوفاء حول مهارات المدرب البلجيكي الذي سينقذ الكرة المغربية، بينما «شلته» تهندس في الخفاء لأكبر وأخطر مشروع لدمج المكتب الوطني للكهرباء والمكتب الوطني للماء في بعضهما البعض، بعيدا عن أنظار البرلمان الذي سيكتفي سكانه بالتصويت عليه بالموافقة. هذا إذا حضروا طبعا. واضح أن ما يهم علي الفاسي الفهري و«شلته» التي تهندس من الرباط لهذا الاندماج الغريب بين الماء والكهرباء، والذي لا يوجد له مثيل في أية دولة أخرى غير باكستان، هو الصفقات الكبيرة وباهظة الثمن التي يبرمها المكتب يوميا. وسترون كيف أن الصفقات الكبرى للمكتب الوطني للكهرباء ستذهب مباشرة إلى الشركات الفرنسية، مثلما يصنع أخوه عثمان الفاسي الفهري مع صفقات الشركة الوطنية للطرق السيارة. وهكذا، سيستمر نزيف العملة الصعبة باستمرار إخراج الشركات الفرنسية لأرباحها السنوية من المغرب. وطبعا، للتخفيف من حدة النزيف سيبيعون ما تبقى لهم من أسهم في شركات الاتصالات، وستقول الصحافة اللاعقة لأحذية الشركات الرأسمالية الفرنسية إن «الصفقة» في صالح المغرب وإنها ستنعش خزينة الدولة. إلى أن يأتي علينا يوم نكتشف فيه أننا بعنا كل شيء للأجانب وبقينا على «الحديدة». وهذا هو أسوأ أنواع الاستعمار.