[email protected] حتى الميزانية هي هوياتية و تخدم بالأساس المكون الهوياتي المستفرد بعائدات كل مكونات الهوية المغربية المتعددة إثنيا، لغويا و عقائديا. المكون الهوياتي المستفرد بعائدات مكونات الهوية الوطنية المتعددة هو بكل بساطة مكون سلطوي يستمد آلياته من آليات صناعة السلطة و تجددها و لا يستمد آلياته من أدوات ووسائل حماية التاريخ والهوية المشتركة. المحور الأول المحدد لصياغة ميزانية المملكة المغربية عمل بشكل صريح وواضح على تعزيز مكانة و هيمنة المكون الهوياتي المستفرد بعائدات المكونات الهوياتية الوطنية المتعددة. هذا المحور الذي تم تبويبه المرتبة الأولى ضمن الخمس محاور المختارة لصياغة ميزانية سنة 2012 تمت عنونته ب "تعزيز الهوية الوطنية الموحدة و صيانة تلاحم و تنوع مكوناتها". بهذه العنونة سيعتقد القارئ أنه أمام معمل فولاذي هوياتي للصيانة و التلحيم. و بهذه الصياغة سيعتبر بان الهوية الوطنية هي عبارة عن هوية مشكلة من قطع فولاذ تحتاج إلى عملية الصيانة و التلحيم. قاموس هذا المعمل الفولاذي الهوياتي موزع على الخمس محاور المختارة لصياغة ميزانية سنة 2012. في المحور الثاني الذي يبتدئ ب"ترسيخ دولة القانون" نجد مصطلح "المواطنة الحقة". بربكم ماذا تعني هذه "المواطنة الحقة"؟ الكل يعرف ما معنى "المواطنة" لكن "المواطنة الحقة" ماذا تعني؟ لا أحد يمكنه أن يجيب عن هذا السؤال غير أصحاب "نظرية المجتمع الضمني"، أي أولئك الذين يتعالون و يصنعون مجتمعا و مواطنة على مقاسهم و ليس على مقاس قيم مجتمع الاختلاف و التعدد الهوياتي المثمر و الغني حضاريا. مصطلح "المواطنة الحقة" لا يمكن فهمه إلا بالعودة إلى قاموس المعمل الفولاذي الهوياتي الذي يميز بين "الهوية الوطنية الموحدة" أي اللاحمة، كما جاء في المحور الأول لصياغة الميزانية و باقي الهويات الوطنية الأخرى الغير اللاحمة و التي يعتبرونها غير موحدة و هي غير مسماة حتى في ديباجة نص الميزانية ، كالهوية الأمازيغية، الهوية الإفريقية الصحراوية، الهوية الأندلسية و الهوية العبرية المغربية الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ. "المواطنة الحقة" لا يمكنها أن تكون إلا تلك "المواطنة الموحدة" و التي لا ينتمي إليها بالضرورة مواطنو الهويات الدنيا الغير موحدة و الغير مسماة حتى في ديباجة ميزانية سنة 2012. خمس محاور لصياغة ميزانية المملكة المغربية لسنة 2012 و كل دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة لم تختار لصياغة ميزانيتها لسنتي 2012/2013 غير ثلاث محاور هي كالتالي: 1. محور يخص "حقوق الإنسان" 2. محور يخص "دولة الحق و الديمقراطية" 3. و محور يتعلق ب"المحاور الإستراتيجية الستة التي تم تقديمها خلال شهر فبراير 2011" ثلاثة محاور فقط بدون بعد هوياتي و لا بلاغة سياسية و لا مزايدات هوياتية من نوع " تعزيز الهوية الوطنية الموحدة ". بربكم ما هي هذه الهوية الوطنية الموحدة؟ و نحن كلنا مغاربة متعددوا الثقافات و الإثنيات و الألسن، ما هي هذه "الهوية الموحدة" التي تسعى إلى التعالي علينا لتوحيدنا و نحن موحدون منذ المماليك الأمازيغية القديمة إلى المماليك الأمازيغية و العربية الحديثة. نحن لم نعرف في كل تاريخنا القديم و الحديث غير الإمبراطوريات و الملكيات فهل أبدعوا نظاما سياسيا آخر حتى يقوموا بتوحيدنا و نحن نعلم جميعا أنهم لم يقوموا إلا بمقايضة دستور سنة 2011 بحكومة سنة 2012، هم الذين لم يناهضوا بتاتا الدستور القديم و كل ما قاموا به هو الإستوزار فقط بداخل الحكومة القديمة مع وزراء قدامى لم يعبروا يوما عن رغبتهم في مراجعة الدستور. لقد قال أحد السياسيين الفرنسيين القدامى و هو "تاليران" بأن من يريد أن يقضي على حكومة ما فما عليه إلا أن يصبح عضوا فيها و هذا ما قام به بالضبط أصحاب نظرية "الهوية الموحدة" حينما فضلوا الاستفراد لوحدهم و التحالف مع أحزاب ووزراء ينتمون إلى الحكومة السابقة و هؤلاء الأحزاب و الوزراء لم يعبروا يوما في مواقفهم أنهم كانوا ضد قوانين و محتويات الدستور القديم. أصحاب نظرية "الهوية الموحدة" لم يقوموا فقط بالقضاء على الحكومة السابقة عن طريق الإستوزار بداخلها، بل قاموا كذلك بمقايضة حكومة سنة 2012 بواسطة التحويل الجيني لدستور سنة 2011 و هذه العملية التي تخص التحويل الجيني للنص الدستوري المغربي هي ضد الاختيارات الديمقراطية المعلنة و المقدمة للجميع كصمام أمان ضد مخاطر التفكك و الانحلال. بهذه الطريقة قضى أصحاب نظرية "الهوية الموحدة" ليس فقط على الدستور الجديد و لكن قضوا بالخصوص على مبدأ الحكومة كما هي منصوص عليها بداخل الدستور. أصحاب نظرية "الهوية الموحدة" كانوا يناضلون من اجل الإستوزار بداخل تشريعات و قوانين الدستور القديم و لم يكن لديهم مطلب واضح و صريح في إعادة صياغة دستور جديد و كانوا مستعدين أن يستوزروا في أي دستور بل و هم في واقع الأمر يفضلون الإستوزار بالخصوص في حالة اللادستور لأنهم لا يعنيهم الدستور أصلا و الدليل على ذلك منذ تعيينهم في الحكومة و حالات اللادستور تتوالى تباعا.