إن التاريخ ما يزال يحتفظ للطلبة بشغبهم الإيجابي بنضالاتهم، وتواجدهم المستمر في ماغما الأحداث ومناصرتهم للقضايا العادلة في كل مكان قدما وقلما. إنهم - والحق أقول - نبض المجتمع ومضخات الدم فيه، إنهم مفخرة الأمم وشموعها المنيره، والجمارك الحامية لثخومه... و إذا كان القلب لا ينبض إلا لأن الأكسجين يسري في الجسم، و الشمعة لا تشتعل إلا لأن هناك من يشعلها، و لا بد لإشعالها من ولاعة أو عود ثقاب... فذاكم هو حال الطالب؛ فلا يمكنه التوهج إلا إذا توفرت له شروط أساسية لا يتسع المجال لذكرها، وهذه الشروط غالبا ما تتحكم فيها المؤسسة السياسية، وذاك ما نستجليه من قولة الدكتور محمد جسوس " إنهم يريدون خلق جيل من الضباع"1، بحيث يفضح هذا الشاهد سياسة الدولة تجاه مريدي المؤسسات التعليمية، و لنا أن نتصور ذلك من خلال السياسة المنتهجة في الأقاليم الصحراوية، المفتقرة للجامعات و المعاهد العليا، رغم محاولة الدولة حجب الشمس بالغربال، وتأسيس ما يسمى بثانوية التميز و معاهد لا تسمن و لا تغني من جوع، مما يدفع أبناء الجنوب إلى ضرب أكباد الإبل من أجل المعاناة هنا وهناك، [ معاناة الاغتراب، معاناة مادية، معاناة السفر...] و نضف إلى ما سلف غياب مكتبات أو إن صح التعبير مصانع للفكر، تستجيب لحاجيات الطلبة وتعفيهم من التنقل إلى الرباط و ما جاورها، بل و توفر لهم إمكانية البحث الدائم و في كل الفصول. إنها سياسة ضرب الجهل على الجنوب الغربي في قبة. وإزاء هذا الأمر نتساءل ما دور الطلبة في تغيير هذا الوضع أو على الأقل إصلاح ما يمكن أن يصلح؟؟ ما أكثر الأسئلة و ما أقل اهتمام الطلبة بها!، لا أنطلق من خلفية مسودة باليأس، بل أنطلق مما عشناه كشلو من الجسد الطلابي بالطنطان، الذي بادر بعض طلبته العام المنصرم إلى إعلان المبادرة الشبابية للتغيير بالطنطان، لكن لا حياة لمن تنادي.. لتأتي بعدها في بداية هذا الموسم الجامعي مبادرة أخرى، شكلت رجة قوية للسلطات من داخل الإقليم، قادها العشرات من الطلبة، الغيورين على المدينة، امتدت من شهر رمضان الفائت وما تزال مستمرة حتى الآن، بيدما الآلاف المؤلفة من الطالبة، منهم المستهزئون، ومنهم المتذرعون، ومنهم " النبالاويون" و قليل منهم العالم بأن سندات النقل لم تأت هباء أو هبة ملكية، بل نظير دماء الشهداء الزكية التي لا ينكرها إلا جاهل بالتاريخ الطلابي للمنطقة. و جدير بالذكر، ها هنا، أن طلبة طانطان حققوا إحدى المكاسب التي سطروها في ملفهم المطلبي، و المتمثل في توفير خط نقل " ستيام" و " سوبراتور" يربط الجنوب بالشمال، و هكذا فقد تم تخصيص خط رابط بين الطانطان والدار البيضاء، ينطلق على الساعة الثامنة صباحا. إنه مكسب حققته فئة قليلة من الطلبة، تنكروا لذواتهم و اضمحلت الإثنيات، ليتوحدوا داخل قبيلة المناضلين الشرفاء، هادفين إلى إعادة الاعتبار للوضع الطلابي بالطانطان. تحقق مكسب، لكن ما تزال هناك مكاسب أخرى تحتاج لجهود مضاعفة، وعلى رأسها جامعة بالجنوب الغربي، وكذا الوضع الاجتماعي المزري للمدينة، و لاسيما على المستوى الطبي، فالواطية التي تضم ميناء يشهد أحداث شغل مؤلمة لا تتوفر على مستشفى!!!! الطنطان ليس أحسن حالا، مستشفاه حفظ مرضاه جملا لم يعد يطيقون سماعها " ليس لدينا أطباء في هذا التخصص أو ذاكّ" " ليست لدينا آلة الكشف عن.." وما خفي أعظم، إنها مطالب تحتاج إلى مجهود ما ينيف عن خمسة ألاف طالب و ليس العشرات. إنها مطالب ينبغي أن نحج لنصرتها، كما نحج للركوب في الحافلة و إلى مندوبية النقل. هذا عن المطالب المادية، أما المطالب المعنوية، فهي الأخرى لا تقل شأنا عن المطالب الآنفة الذكر، ونذكر منها: * الحفاظ على تاريخ المنطقة و إرثها، بعيدا عن براثين السياسوية، وعلى رأسها موسم طانطان ، الذي تم تهجينه بإدخال طقوس لم يكن للبدو الرحل عهد سابق بها. * محاولة طمس معالم المنطقة، ومن بينها حي عين الرحمة، الذي تم تغيير اسم مسجده " مسجد عين الرحمة " إلى اسم " المختار السوسي" ثم مدرسة عين الرحمة إلى " مدرسة معركة أنوال" !!!!! إنها تغييرات غير بريئة، لا تقل شأنا عما فعله الإفرنج مع المعالم العربية، سيما إذا قرأنها في سياقها الذي جاء بعد وفاة الشرطي عزيز امسكي سنة 2008. و في ظل كل ما عرضنا إليه، يبقى الوضع قائما وكائنا، تجلله صورة القبح و الرثاء في أحسن الأحوال، و لعل الانتخابات البرلمانية الأخيرة قد أكدت أن الطنطان حرم آمن للمفسدين، و ذلك بمباركة من الساكنة، فالحمامة طارت من إفني إلى الطانطان بعدما ثارت ساكنته في وجه صاحبها، ليأتي إلى الطانطان و يتريد على عرش الكرسيين، إنه بحق أمر فات الاستغراب والدهشة. و رب متسائل ما شأن الطلبة بالأمر؟ نجيبه و باختصار شديد، إن مجموعة من الطلبة أو على الأرجح المحسوبون على الصف الطلابي، وقفوا إلى جانب بارونات الفساد، التي كانت توزع التبن نهارا جهارا أمام مباركة السلطات المحلية في حملاتهم الانتخابية، بل روجوا لهم على الصفحات الاجتماعية " فايسبوك" " مجموعة كلنا مع..." شرف الله قدركم. إذا، فماذا ننتظر من أمثال هاته الطائفة؟ إننا لا نخاطب العواطف، بقدرما نتوجه إليهما معا، أي العقل و العاطفة، فلكل منا أن يتساءل ما الذي قمته لمدينة الطانطان؟؟ وهل بإمكاني أن أقدم لها شيئا؟؟ لن أكون متسرعا في الجواب، إن قلت إن كلا منا بإمكانه أن يقدم شيئا للطانطان، فإن لم يقدم بقدمه، فبإمكانه أن يقدم بقلمه. و ها هنا أنوه بالقلم الطنطاني الجريء، الصحافي " عبيد أعبيد "، في إصراره على مسح الطاولة والصمود في وجه الإغراءات. هذا إذا هو الواقع الكائن، أما الواقع الممكن فمسؤوليتنا جميعا.