بقلم : د.عبد الرحيم بوعيدة أستاذ بكلية الحقوق- مراكش
لم تكن سنة 2012 رحيمة بالصحراء فالهدية التي تلقتها من رئيس الحكومة المغربية ومن أحزابها ومن الدولة المغربية نفسها أغرقتها في سيل من التساؤلات وجعلتها تشعر بالخيبة والحرج وتساءل نفسها هل هي فعلا الصحراء التي يخطب ودها الجميع ويدللها ويتغنى بها في كل مناسبة وحتى بدون مناسبة من التلفزيون الرسمي إلى أرخص مرقص في عمق المغرب، هذه الصحراء لم تعد تفهم أو تستوعب ازدواجية الخطاب الذي تسمعه في كل لحظة، فهي الصحراء المغربية التي خرج أكثر من 350 ألف مغربي لاسترجاعها، وهي أيضا الصحراء الغربية التي يتفاوض عليها الأطراف دوليا وتدفع ثمن هذا التفاوض شتاتا ومأساة يتجرعها أبنائها في الشتات والمعتقلات... هذه الصحراء لا تعرف الآن من تصدق؟ المغرب الذي يدعي أنها تنتمي إليه وأنها جزء منه وعمق استراتيجي وشرعي له يقصيها من حكومته وهي التي تمثل أكثر من نصف مساحته، البوليساريو التي كونت هي الأخرى حكومتها مؤخرا بالموازاة تعتبر نفسها الممثل الشرعي والوحيد لكل الصحراويين . الإقصاء الذي كان هدية السنة بامتياز فتح باب التأويلات وأطلق العنان للشياطين ليصطادوا في المياه العكرة ويبدو أن هدية السنة كانت مناسبة للقراءة من زوايا عديدة قد لا تكون كلها بريئة فالبراءة لا توجد في السياسة والذين أقصو الصحراء من حكومة مثلت فيها جميع الأطياف المغربية.... لا يريدون لنا حتما أن نقرأ إقصاءهم وكأنه إنجاز وبحسن نية ولم يتركوا لنا الفرصة لندافع عن خيار معين سوى أن نغرق في بحر الشكوك والتأويلات لأننا بكل بساطة مواطنون لا نملك ذكاءا صناعيا لكننا نملك ذكاءا بدويا نستلهم جذوره من الصحراء نفسها،هذه الصحراء التي سبقت حتى الحكومة المغربية في فن تأسيس وابتكار الحكومات وعرفت أول تنظيم حكومي في زمن السيبة يسمى حكومة "أيت أربعين" وشيوخ الصحراء أدرى مني بهذا الإنجاز وفي زمن المخزن وحكومة الثلاثين تتعرض لإقصاء غير مفهوم أو يمكن فهمه على الأقل إذا ما حاولنا قراءة نظرة كل طرف للصحراويين أنفسهم. الأحزاب المغربية تتعامل مع الصحراء في المناسبات الانتخابية ومن يتذكر جيدا أحداث اكديم يزيك والداخلة يستطيع أن يدرك بالملموس أن لا حزب مغربي يملك امتدادا داخل الصحراء أو يحمل مشروعا مقنعا يجعله في قلب الأحداث وفي سيرورتها مؤثرا ومتأثرا،هذه الأحزاب باستثناءات قليلة لا تتعامل إلا مع الأعيان وأصحاب الشكارة مثلها مثل الدولة نفسها وبالتالي لم تجد أمامها عند التعيينات ما تقدم حتى أضحت المسألة تقليدا سياسيا يتكرر كل خمس سنوات مع استثناءات قليلة أبرزها تقديم اسم النائبة كجمولة بنت أبي لذا كان من الطبيعي أن تتعامل الأحزاب المغربية مع المجال الصحراوي باعتباره مجالا لحصد الكراسي فالمنتخبون في الصحراء هم موظفون لدى الأحزاب. الدولة المغربية رسمت في مخيلتها التاريخية صورة نمطية عن الصحراويين لا تريد أن تفهم أن الزمن تغير وتغيرت معه أشياء كثيرة فهي تريدنا رعايا نحمل العلم ونردد بغباء الأناشيد ونلبس الدراعة أو الملحفة ونصفق لكل المبادرات وكأننا تلاميذ في فصل دراسي، الصورة لم تعد صالحة للتسويق، والجيل الذي كرس هذه الصورة لم يعد يخدم المغرب مستقبلا في خياراته داخل أو خارج الإقليم لأن الجيل الجديد كبر وشب عن الطوق ومعه كبرت أحلام كثيرة ولم يعد لمقاربة الدولة القديمة أي أثر في نفسية هذا الصحراوي الذي أصبح قادرا على الاختيار وفق المنطق وبعيدا عن الإغراء وشراء الذمم. نحن مطالبون دوما بإثبات وطنيتنا لأن المغرب اشترى منا أجيالا ونخبا بمنطق العطاء مقابل الولاء وظن أن الجميع يستوي في القناعات من هنا اختلطت عليه الأمور وأصبح يساوي بين من يقول الحقيقة وبين من ينافق، هو يريد حتما هذا الأخير لأن من يقول الحقيقة ستطاله لعنة الانفصال كما حدث تماما مع السيدة كجمولة التي كانت أشجع من رجالات الصحراء أنفسهم وقالت إبان أزمة معروفة هناك أخطاء ولعب بالنار فهل يكون جزاءها الإقصاء وهي جديرة بتمثيلنا. الدولة المغربية تتعامل معنا بازدواجية غير مفهومة تكافؤ من يصنع الأخطاء ويشعل مجال الصحراء بالنعرات وفي نفس الوقت تعتبرنا جزءا لا يتجزأ منها وقضيتها الأولى ومستقبلها وحاضرها،أغدقت علينا ميزانيات لم نرى منها إلا أرقاما في التلفزيون، أرسلت شبابا كانت تحاوره للسجن بصورة غير مفهومة وتطلق على من يقول الحقائق بلا نفاق صورة الخائن والمنفصل حتى أصبحنا نخشى اللغة وخصوصا حرف الميم ونقدمه حتى على الألف أحيانا اتقاءا لتهمة جاهزة... الآن في 2012 حكومة مغربية في زمن ربيع عربي وحراك مغربي بدأ مع كديم يزيك تغيب الطاقات الصحراوية عن التمثيل وكأن الصحراء لا يوجد فيها سوى السمك والفوسفاط والثروات المعدنية أما البشر لا وجدود له أو لا فائدة منه وحدها الأرض تبدو ذات أهمية في سياسة الدولة المغربية. نحن أيضا نستحق هذا التعاطي لأننا ساهمنا في تكريس هذه الصورة النمطية بتشبتنا بخيار القبلية الضيق وتغييبنا للكفاءات مقابل الولاءات ولو طلبت الدولة المغربية سيرا ذاتية لنا لتقدمنا جميعا ونصبنا أنفسنا وزارء. المجال الصحراوي غير ديمقراطي أفسدته الأموال والقبلية والدولة تعي ذلك جيدا وتلعب عليه وتزكيه... ومثقفي الصحراء وأطرها غائبون غير مبالين بما يقع مع أن الزمن الذي نعيشه لا يقبل أوساط الأمور فإما أن نختار ونناضل من أجل انتزاع الحقوق وتحقيق المساواة وإما أن نختار أيضا وجهة أخرى ونعلنها صراحة فلا توجد منطقة وسطى في السياسة. .. الدولة وحكومة بنكيران أقصتنا من التمثيل الحكومي في خرق سافر للدستور الذي ينص على مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص ربما لأنها ترى أننا لسنا أهلا للحكومة أو ربما مازال الشك قائما في انتماءنا لهذا الوطن، كيفما كان التبرير نتمنى لهم التوفيق ونقول لهم بكل أدب الصحراء غنية بأبناءها و ليس برمالها و ثرواتها فقط.