(الصحراويين ما يبغو ايخدمو)، شاعت كثيرا هذه المقولة في مدننا الصحراوية بل وأصبحت شماعة يعلق عليها المسؤولين فشلهم في تشغيل الكفاءات الصحراوية، وأصبح يستغلها بشكل سلبي كثيرون ممن يتولون أمور الصحراويين من منتخبين وأصحاب رؤوس أموال ضخمة بالمنطقة، ولكن هل حقا مقولة (الصحراويين ما يبغو ايخدمو) هي حقيقة أم مجرد بعبع اخترعه من لا يريد للصحراويين أن يشتغلوا ويتكونوا ليساهموا في تطوير مدنهم وجعلها تلحق بركب المدن التي نفضت عنها غبار الجهل والتخلف والتأخر عن الحضارة؟ لنكن واقعيين ولنناقش هذه المقولة من كافة جوانبها خصوصا بعد دفعات ليست بالبسيطة من الصحراويين الذين تم توظيفهم بطريقة مباشرة بالقطاع العام، واستبشرنا خيرا من وراء هذه العملية خصوصا هنا بمدينة السمارة التي ظلت لسنوات تستورد الكفاءات رغم امتلاكها للمئات منهم من أبنائها القادرين على النهوض بها وبث الحياة فيها من جديد، وبالفعل هناك عدد من هؤلاء التحقوا بأماكن عملهم وأظهروا رغبة ملحة في التعلم والتكوين رغم أن كثيرا منهم لاقى صعوبات عديدة من مرؤوسيهم المباشرين والغير مباشرين الذين لم يألفوا العمل مع كفاءات حقيقية قد تهدد مناصبهم وكراسيهم والتي من أجلها هم مستعدين للتحالف مع الشيطان ليبقوا فيها ماداموا على قيد الحياة وهو ما وقع فعلا على سبيل المثال لا الحصر حين تم إلحاق 12 موظفا شابا جديدا بمصلحة غاية في الأهمية في المدينة والمكلفة بالتنمية البشرية والمعروفة بمواردها المالية الضخمة والتي جاوزت خلال الخمس السنوات الأولى لانطلاق هذه المبادرة 65.000.000,00 درهم، نعم خمسة وستون مليون درهم أي ما يعادل بلغة بسيطة يفهمها المواطن البسيط ستة مليارات ونصف المليار وهو رقم يعتبر في مدينة السمارة المنهارة من الخيال العلمي فبالله عليكم أين ذهبت هذه الخمسة وستون مليون درهم، نريد إثبات بسيط صغير على أن هذه الستة مليارات ونصف مليار صرفت على مدينة السمارة، المدينة الشبح، المدينة المتهالكة في كل شيء، طبعا لن يستطيعوا إثبات ذلك لأن الشمس لا تغطى بغربال، وبالعودة إلى موضوعنا، فهؤلاء الموظفون الإثني عشر بمجرد التحاقهم بعملهم واجههم المسؤولين عن هذه المصلحة التي تعد شريانا من شرايين الحياة بالمدينة بابتسامتهم المعهودة ابتسامة تذكرني بقوم مشهورين في منطقة بموريتانيا الشقيقة، يقال أنهم إن رأوا أحدا ما لا يتمنون قدومه وهو في طريقه إليهم يبتسمون له من بعيد ويرددوا سرا كلمة (ماهو) (ماهو) (ماهو) وحين يصل إليهم يواجهونه بابتسامة أعرض وهم يرددون (مرحبا) (مرحبا) (مرحبا)، وإن جمعت العبارتين ستجدهم يقصدون بها لا مرحبا ولا سهلا بمجيئك، وبنفس الطريقة استقبل مسؤول التنمية البشرية هذه الكفاءات التي يهمنا أن تقود هذه المرحلة في مدينتنا الحبيبة، ثم ما أن يستفرد بهم فردا فردا إلا وواجههم بقوله أن المصلحة لم تجهز بعد، ولا نملك مكاتب لكم، ولا حتى الأماكن التي ستشتغلون فيها، ونحن في انتظار أن يكتمل بناء ملحقة العمالة التي بدأت فيها الأشغال منذ القرن الماضي ولم تنتهي بعد ولن تنتهي أصلا، و..و...، ولكن أطمئنكم أنه لن يمسكم سوء وسوف نغطي على غيابكم والخلاصة أحسن لكم أن (ادبرو على روسكم وشوفوا مستقبلكم والمانضة راهي دايزة لكم)، فهل حقا (الصحراويين ما يبغو ايخدمو)؟ أم أن هناك أشخاصا لا يريدون للصحراويين أن يشتغلوا ويثبتوا أنفسهم ويقفوا في وجه أمثال هؤلاء؟ مع أنني أؤاخذ على هؤلاء الشباب انصياعهم اللامبرر لهؤلاء السماسرة واستسلامهم لهم بطريقة تثير الحيرة مصحوبة بغضب والشفقة في نفس الوقت، أما القسم الاقتصادي في مدينة السمارة فهو الحصن الحصين والقلعة المتينة لمسؤولين لن يستطيع أن يزحزحهم من مناصبهم إلا الموت ولا تهمهم السمارة لا من قريب ولا من بعيد بل همهم الوحيد هو جمع الثروة وتكديسها بعيدا عن المدينة، فحتى ما يتم سرقته لا يستثمر بالمدينة بل يستثمر خارجها، وكلما تم إلحاق موظفين شباب من أبناء الإقليم بهذه المصلحة والتي آخذت حكمها الذاتي بنفسها بعيدا عن كل رقيب أو حسيب إلا وتم إبعادهم عنها بطرق فاضحة تظهر وكأن هذه المصلحة ملكية محفظة للمسؤولين عنها والمتنفعين منها. وفي الأخير هذا مجرد غيض من فيض، وما خفي كان أعظم، والصحراويون عامة وأبناء السمارة خاصة فيهم الكفاءات القادرة على تحمل المسؤولية وتسيير مدنهم بكل حرفية ونزاهة، ولكن مادام هناك مدراء مصالح غاية في الأهمية ومسؤولون يتحكمون في مصير مدينة السمارة عمروا سنوات وعاصروا عشرات العمال والولاة لازالوا في مناصبهم إلى اليوم فاعلم أن هناك أيادي خفية لا تريد للسمارة وأبنائها أن يفندوا مقولة (الصحراويين ما يبغو ايخدمو).