مع كل الاحترام الواجب للملك، بدل أن يقطع مع أسلوب الحكومة في تدبير الشأن العام، أيد هذا الأسلوب في بعض جوانبه. يقول الملك في آخر خطاب للعرش "القيام بالمسؤولية يتطلب من الجميع الالتزام بالمفهوم الجديد للسلطة..ومفهومنا للسلطة هو مذهب في الحكم، لا يقتصر، كما يعتقد البعض، على الولاة والعمال والإدارة الترابية، وإنما يهم كل من له سلطة، سواء كان منتخبا، أو يمارس مسؤولية عمومية، كيفما كان نوعها". وحين يقول الملك بهذا الكلام، أقرب واقعتين إلى الأذهان، ينطبق عليهما هذا القول، هو حين اتهم قيادي من " البام" يدعى العربي المحيرشي بعض رجال الدرك الملكي والسلطات المحلية بتلقي رشاوى من تجار المخدرات، وبدل أن تفتح النيابة العامة بحثا في هذه الاتهامات الخطيرة، بحكم الاختصاص، نشرت الصحافة أن وزارة الداخلية فتحت تحقيقا، دون أن يعرف الرأي العام نتائج هذا التحقيق إلى غاية اليوم، رغم مرور شهور على إعلان الجريمة! الواقعة الثانية تتعلق باتهام مواطنين لمالك المجموعة العقارية " الضحى" بالنصب عليهم في أراضيهم، باسم الملك، وكما هو حال الواقعة الأولى، فبدل أن تفتح النيابة العامة بحثا قضائيا في هذا الاتهام الأخطر من الأول، استدعى وزير الداخلية مالك " الضحى" أنس الصفريوي إلى مكتبه، وطلب منه عدم استعمال اسم الملك في معاملاته التجارية، ياسلام! هنا مسؤولية الملك لا تتوقف عند القول والتنبيه والتوجيه بعد أن أنكر الرميد العدالة، فقد كان على الملك، أن يفعل صلاحياته المتضمنة في الفصل 41 من الدستور، بصفته الساهر على حسن سير المؤسسات والضرب بيد من حديد على الصفريوي إن تبثت الاتهامات ضده بحكم قضائي وإقالة الرميد بعد خيانته للقسم في الوفاء للوطن وللعدالة. ثم يقول الملك "إن مفهومنا للسلطة يقوم على محاربة الفساد بكل أشكاله : في الانتخابات والإدارة والقضاء، وغيرها. وعدم القيام بالواجب، هو نوع من أنواع الفساد". وهنا نتساءل: لماذا لم يفعل الملك صلاحياته الدستورية في معاقبة من لا يقومون بالواجب، فحديثه هنا ينم على أنه على علم بمسؤولين قصروا في أداء واجبهم في محاربة الفساد؟ من جهة أخرى قال الملك :" البعض يقوم بممارسات تتنافى مع مبادئ وأخلاقية العمل السياسي، ويطلق تصريحات ومفاهيم تسيئ لسمعة الوطن وتمس بحرمة ومصداقية المؤسسات في محاولة لكسب أصوات وتعاطف الناخبين". وحين يتحدث الملك هنا عن إساءة لسمعة الوطن ولمصداقية المؤسسات فنحن هنا أمام أفعال تضر بمصلحة البلاد، فكيف يعلم الملك بأشخاص يسيؤون لتابث من توابث الدولة وهو الوطن ولا يرتب جزاءات ولا يقيل أحدا ولا يحل حكومة؟ ثم كيف يجوز للملك أن يتحدث عن أفعال تضر بمصلحة الوطن دون الإشارة بصريح العبارة لمرتكبيها؟ من هم هؤلاء الأشخاص الذين يسيئون بتصريحاتم للوطن ولمصداقية المؤسسات؟ أليس هو نفس الأسلوب الذي اعتمده بيان الداخلية حين تحدث عن حزب سياسي وراء فضيحة " تجزئة خدام الدولة" دون أن يشير بالإسم لهذا الحزب؟ ألا يذكر هذا الاسلوب باسلوب رئيس الحكومة حول حديثه عن " التماسيح" و"العفاربت " و"التحكم"؟ و هل يليق بمقام الملك أن ينظر إليه على أنه عاجز عن تسمية الأشياء بمسمياتها؟ ألن يسمح هذا بتزكية كلام بنكيران عن التحكم ووجود دولتين؟ مادام الملك الذي بيده كل السلطات عاجز عن تسمية الأشخاص الذين يسيئون بتصريحاتهم للوطن ولمصداقية المؤسسات؟ ألن تؤثر هذه الطريقة في الخطاب على الاستثمار بعد أن يظهر رئيس الدولة عاجز عن تسمية أشخاص يسيئون لوطنه ولمؤسسات دولته؟ ألم يخلق الملك بقوله ذاك لبسا لدى الرأي العام، بعد أن قال أفتاتي إن المقصود هو حزب " البام" فيما ذهب آخرون إلى أن المقصود هو بنكيران وحزبه؟ ثم كيف يقول الملك :إن الانتخابات المقبلة محطة فاصلة لإرجاع الامور الى نصابها، والمشرفون على هذه الانتخابات، أحدهما يدعى محمد حصاد، مشتبه به بالتورط في "سرقة مقنعة" لاملاك الدولة وفقا لمرسوم عنصري في إطار مابات يعرف ب"تجزئة خدام الدولة"، فيما الثاني وهو وزير العدل معروف بكذبه، وبانكاره للعدالة في اكثر من واقعة، والأخطر أن هذين المشبوهين سيشرفان على الانتخابات تحت سلطة رئيس حكومة يصفه معظم النشطاء ب"الكذاب" بعد أن شاع عنه قول الشيء ونقيضه في نفس الوقت، ولعل نقرة صغيرة على اليوتوب تشفي الغليل. نزاهة الانتخابات ليست فقط هي غياب التزوير وغياب توزيع الرشاوى يوم عمليات الاقتراع، نزاهة الانتخابات تبدأ اولا بنزاهة الشخص المشرف على هذه الانتخابات ونزاهة الشخص الذي يخضع لسلطته المشرف على تنظيم هذه الاستحقاقات. لا يمكن لمن أساء للوطن ولمصداقية المؤسسات، ولمن نهب أملاك الدولة أن يكون أمينا في الإشراف على تنظيم دوري رمضاني لكرة القدم فبالأحرى الاشراف على إجراء انتخابات برلمانية يراقبها العالم، وينتظر منها المغاربة الشيء الكثير للخروج من " المستنقع" الذي أسقطتنا فيه هذه الحكومة، التي باتت عدوة للبشر والشجر والحجر . الملك كان موفقا بشكل كبير في إبعاد شبهة رعايته لحزب " البام" كما كان موفقا في تأكيده على استحالة محاربة الفساد فقط من طرف جهة واحدة حتى ولو كان الملك نفسه في غياب حقوقيين شرفاء وصحافيين نزهاء وبرلمانيين أصيليين ومبادرين ومستقلين وحكومة قوية بصلاحياتها وبانسجام تركيبتها، وفي غياب مواطن متشبع بثقافة حقوق الإنسان وبحب الوطن واحترام مؤسساته، لكن مع كامل الأسف لم يكن موفقا في التصريحات أعلاه، خاصة أن ما يحتاجه المغاربة اليوم للمشاركة المكثفة في الانتخابات هو إعادة الثقة في نفوسهم في مؤسسات الدولة والمسؤولين، وهذا لن يحدث فقط بتوجيهات شفوية للملك وتنبيهات للسياسيين والمسؤولين بل بإبعاد المشتبه بهم عن موقع المسؤولية ومعاقبة المسيئين للوطن ولمصداقية المؤسسات وبإعلان تشكيل لجنة وطنية تشرف على الانتخابات تتكون من نقباء ومفكرين وحقوقيين مستقلين مشهود لهم بالمصداقية لدى الرأي العام المغربي.