ما بني علي باطل فهو باطل، هذا ما يمكن أن يقال في حق الأنظمة العربية الفاسدة المستولية علي السلطة بالقوة وبتزوير الإنتخابات، وبكل ما يعنيه هذا الإستيلاء علي ثروة شعوبها وهدرها و تهريبها الي الخارج، وعاثت هذه الأنظمة البوليسية في البلاد العربية فسادا وخرابا في جميع الميادين يصعب تجاوز مخلفاته علي المدى الطويل حيث المديونية تبلغ مستويات قياسية نتيجة للتدبير السيئ للميزانيات العامة والتي تلتهم قصور الدكتاتوريات نصفها والباقي يوزع علي رجال الأمن والموظفين الضامنين لاستمرارية الأنظمة القائمة وحاشيتها، فها هو الشعب التونسي والمصري الباسلين أخيرا ينتفضان ضد الدكتاتورية والبؤس الإجتماعي والإقتصادي والإداري والسياسي وضد لأحزاب السياسية والنقابات المتواطئة مع السلطة في كل شيء، في حقوق شعوبها الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والثقافية... وحققا ثورات تاريخية بطرد الطغاة من سدة الحكم وبزوغ عهد جديد في تاريخ العرب، عهد الكرامة والديمقراطية وحقوق الانسان والحريات العامة. إن الثابت المشترك لدى الساسة العرب هو الوصول الي السلطة بالقوة وبالتزوير، شأن الديكتاتور الهارب الي غير رجعة، وبعد ذلك تشكيل حكومة تنفيذية، تشريعية وقضائية يقودها دكتاتوري خالد في الحكم في ظل 'برلمان' ممنوع من الفعل التشريعي بل ومتضامن مع القيادة الدكتاتورية في كل شئ، وقضاء مسير وفاسد، ومعارضة شكلية منافقة، وبشكل أدق نحن الشعوب العربية محكوم علينا في ظل الأوضاع الحالية أن نثور ضد السياسية الفاسدة والدكتاتورية المتوحشة والمسيئة للتاريخ وللإنسانية جمعاء، بل وجر رموزها الي رحاب المحاكم الزجرية للقصاص والعقاب، إذ لا يعقل ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين القبول بأنظمة فاسدة تفعل ما تفعله بثروات شعوبها الجائعة وبحقوقها المادية والمعنوية. إن الشعوب العربية الأمازيغية في واقع الأمر مهانة بهذا السرطان المتأصل الذي استمد شرعيته في اعتماد المقاربة الأمنية كخيار لتكريس الأمر الواقع، واقع الإستيلاء علي الثروة الرئيسية للشعوب ودستور يمنح الديكتاتور موقعا استثنائيا فوق الدستور والقانون ككائن مقدس خالد في الحكم و انتقال الحكم الي ورثته بعد الرحيل، لتخلق بذلك ثالوث مؤلمةّ؛ الديكتاتورية الغاصبة للحقوق و المقاربة الأمنية ومجتمع الفقراء والبؤساء، فالدكتاتورية السرطانية لا تعترف بالحقوق ولا بالحريات العامة فهي تتصدي لكل من سولت له نفسه نقدها أو مضايقتها بضرورة تلبية مطالب اجتماعية مشروعة، مغيبة منطق التداول علي السلطة، ومتجاهلة كل القيم الكونية، فالشعوب العربية وبعد رحيل الإحتلال الأجنبي عنها، فوجئت باستعمار جديد اقسى من الإستعمار الأجنبي، وإلا فما ذا يعني أن يصنف الجزائر وغيرها من الدول العربية الأمازيغية ضمن أسوأ الدول تهريبا للأموال؟ أوليس هذا معطي دامغا علي فسادية الأنظمة العربية بل ومعطي كافيا لإسقاطها ومتابعة رموزها كمهربين للأموال الشعوب وثروتها أمام المحاكم الجنائية الوطنية والدولية؟ وما ذا تنتظره الشعوب المسماة 'العربية' من هؤلاء المهربين غير المزيد من الإهانة للكرامة الآدمية وانتهاكا لحقوق الإنسان. إن الشعب التونسي والمصري يستحقان وقفة احترام وتقدير بإسقاطهما أعتي نظامين بوليسيين في الأقطار العربية الأمازيغية حيث يمثلان نموذجين ماكرين في استئصال الخصوم السياسيين وقمع الحريات العامة ونهب الثروات المادية للشعوب وتعطيل للقواعد اللعبة الديمقراطية ناهيك عن الشطط في استعمال السلطة تبعا لمنطق قانون الغاب، والنظامان المطاح بهما ينطبقان علي باقي الأنظمة العربية حيث الإستبداد وتهريب أموال الشعوب إلي الخارج وتوريث الحكم واستئثار الحاشية بكعكة النظام الفاسد وتغيب الديمقراطية كلها من الأمور البديهية في الأنظمة غير الديمقراطية. إن الدرس التونسي والمصري مفيد لحكام العرب الذين بسببهم أجلت التنمية الاقتصادية والصناعية، بل والانتقال الديمقراطي والحياتي ككل، وأضحوا عبئا ثقيلا علي الأمة العربية الأمازيغية جراء سياسات الإختلاس والتفقير والتجويع والإستبداد المماس من طرفهم، وهي سياسات في الواقع مثبتة للشروط الموضعية للإنقلاب ضدهم آجلا أم عاجلا، فلنا عبرة في الغرب، فالتاريخ كان علي موعد مع الأمة الأوروبية، فسجل لها ثورات دامية ضد الإستبداد والحكم المطلق واستغلال الدين في السياسة في أبشع صوره وأسقطت الانظمة الديكتاتورية وحوكمت رموزها بالإعدام، وانطلقت مسيرة الامم نحو التقدم..بعد أن اقتنع الكل في النهاية علي أن الديمقراطية هي الحل بما تعنيه من انتخابات نزيهة وفصل بين السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية وفصل بين الدين والدولة في إطار من لضوابط التشريعية والدستورية. وغير خاف ما لديمقراطية من أهمية، فهي الضامن للإستقلال القضاء الذي يعتبر أهم مؤشر لتحقيق الأمن الإقتصادي والإجتماعي، ناهيك عن دور السلطة التشريعية في سن القوانين المسايرة لتوجهات الناخبين والمعاكسة لطموحاتهم التنموية تفعيلا لدورها التمثيلي في مناخ يقي من تطاول السلطة التنفيذية علي اختصاصات سلطة البرلمان. إن الأنظمة الديكتاتورية العربية جهنمية في طريقة اشتغالها، فهي تفسد كل شئ مقبل استمرارية استبدادها، ففي مجال التعليم علي سبيل المثال، تعمد إلي إقرار برامج تعليمية مسايرة لأطروحتها الديمومة مفادها كون الديكتاتور هو وصي الله في الأرض، حامي حمى البلاد والعباد وهو شخص مقدس لا تجوز مساءلته لا مدنيا ولا جنائيا بسب الجرائم التي يقترفها ضد الأمة سواء في حق مواطنيها أوفي حق ثرواتها الوطنية...والغاية هي أن تكون هذه البرامج مجهضة للتفكير العقلاني والمنطقي والفسلفي والسياسي والحقوقي والديمقراطي السليم لدى المواطن العربي الأمازيغي وبالقدر الذي يحقق افلاسا تعليميا منتجا لأجيال تفقه في كل شئ عدا السياسة، فلما ذا اذا كل هذه الجرائم في حق تلك الأمم وتاريخها ؟ فجوابا على ذلك، أحيلكم علي الديكتاتوريين أمثال بن علي وحسني مبارك (والقائمة طويلة)، ناهبي ومهربي ثروات الشعوب الي البنوك السويسرية. إن زمن الفتات 'والصدقات' علي الشعوب من طرف ديكتاتوريها قد ولي الي غير رجعة، فالشعوب تريد الشفافية الكاملة عن حقيقة تراثها الوطنية من زاوية طرق تصريفها ؟ وحصة رئيس الدولة منها ؟ وكيف تصرف في المجالات السياسية والاقتصادية والإجتماعية أو إن شأئنا السياسية العامة للدولة بصفة عامة؟ فالشعوب اضحت واعية بحقوقها واستوعبت حجم المؤامرة المقامة ضدها من طرف لوبيات الفساد و ناهبي المال العام المناهضة لمبادئ الشفافية والديمقراطية وحقوق الإنسان مع انها تسوق بين الفينة والأخرى شعارات التنمية والتغيير، لكن حقيقتهم -ولنا عبرة في الديكتاتورين المطاح بهما- هي عكس ذلك تماما، فاستغلال النفوذ واختلاس أموال الشعوب وتهريبها والمتاجرة في المخدرات وتبيض الأموال، وهي مبادئ تشتغل عليها الانظمة غير الديمقراطية. إن زمن الأنظمة الإستبدادية كهذه، قد إنتهي إلي غير رجعة، والتاريخ يؤكد لنا مرة أخري، أنه مهما طال أمد الديكتاتورية فلا بد لها من نهاية مخزية...فما المانع إذن من الإحتكام إلي المقاربة الديمقراطية شكلا ومضمونا مع اعتبار السلطة السياسية تكاليف وليس تشريفا، بل هي بالتأكيد مجال لخدمة المصلحة العامة وفق برامج تنموية واضحة، فحاكم قرطاجة المرتقب مطالب باحترام دور المؤسسات الدستورية وضمان إشتغالها طبق القوانين الدستورية والتشريعية وبدون أي تطاول أو تشويش حيث السلطة القضائية بالمرصاد، لكل من ثبت طورته في جرائم أو فساد إداري أو مالي مهما علا منصبه ولو كان رئيس الدولة نفسه، تكريسا لمبدأين أساسين لاغني عنهما في أي تجربة ديمقراطية الآ وهما مبدأي المساواة أمام القانون وعدم الإفلات من العقاب. إن حاكم تونس ومصر القادمين مطالبان بالإحتكام إلي القانون وترسيخ مبادئ الديمقراطية خاصة مبدأ التداول علي السلطة المغيب طويلا، وإلي ذلك الحين يحق لنا التساؤل الآتي، هل سيكتب التونسيون تاريخا جديدا بدماء شهداء ثورهم ونفس الشئ يقال في حق المصريين أم أن التاريخ سيعيد نفسه لا مالحة علي الاقل وإن بصورة مغايرة ؟ وهل ستجد الديمقراطية والعدالة الإجتماعية طريقها إلي العرب بعد عقود من الإستبداد ؟ نتريث وننتظر،ونتمنى علي الشعوب العربية الأمازيغية مزيدا من التحرر والحقوق وتثبيت دول المؤسسات والقطع النهائي مع شخصنة السلطة. * اللجنة المحلية لمعطلي بوادي ايت بعمران