عندما تسمع عن ما يشاع من أخبار عن الخيرات التي تتواجد بالصحراء عموما و بالداخلة خصوصا ينتابك منذ الوهلة الأولى شعور بأن هذه المدينة في ما يخص البنية التحتية ستضاهي نيويورك في البنايات الشاهقة و تشبه الدوحة في بنيانها الرائع أو تتجاوزهم إلى حال أفضل، نظرا لما تتوفر عليه من خيرات وفيرة من أجود أنواع السمك في العالم و التي يتم إستنزافها بشكل يومي يفوق الخيال، و هنا لا أبالغ إن قلت بأن عمليات الاستنزاف مستمرة على قدم و ساق ليلا نهارا بدون انقطاع سواء من طرف مراكب الصيد البسيطة التقليدية أو تلك السفن العملاقة التي تشابه إلى حد كبير سفينة التايتنك ، إن لم تكن تتجاوزها في الحمولة عشرات الأضعاف. بالإضافة الى ذلك فإنها تتوفر أيضا على ضيعات فلاحية كبرى تكاد ترى فيها يد عاملة من المنطقة فكل شيء يتم استيراده من مدن الشمال من الإبرة التي تخاط بها جنبات المزرعة إلى الآلات الكبرى، من دون أن ننسى من أن اليد العاملة كلها يتم استيرادها من مدن الشمال من العامل البسيط إلى أكبر رتبة في الادراة، و هذا كله لا تستفيد منه ساكنة الداخلة إلا من مخلفات الازبال و المواد الكيماوية المتراكمة عبر السنين التي تلوث المنطقة بأسرها ثم الاستنزاف المفرط للفرشة المائية و التي لم يبقى منها إلا القليل . لكن عندما تدخل هذه المدينة ينتابك شعور بأنه فقط ضرب من الخيال و أنه لا مجال للمقارنة عندما يكون الفارق كبيرا جدا . و عندما تصاب بأبسط وعكة صحية و تذهب إلى شبه المستشفى الإقليمي الحسن الثاني لأن الداخلة ليس فيها مستشفى جامعي و للأسف تتخيل أنك داخل مستوصف من العصر الطباشيري أو أقدم من ذلك بحيث أن أغلب التخصصات غير موجودة إذ لم نقل كلها ، بالإضافة إلى ندرة في الأطباء و كأنك تبحث عن الألماس أو الزمرد في المريخ، و في حالة وجودهم و هي حالة شبه مستحيلة فإنه في أغلب الأحيان يتم إخبارك بأن الجهاز معطل مع العلم أن جهة الداخلة وادي الذهب بإمكانها أن تشتري عشرات السكانير من الذهب ولكن أين هو التسيير ، و هنا لا يعاب عليهم شيء فإذا عرف السبب بطل العجب، لأن أصلا أصحاب القرار و الكلمة الأخيرة ليسوا من أبناء المنطقة و بالتالي لا يهم من مرض أو مات أو اختفى إلى الأبد، فهذا الوضع يحيلنا للمقولة المشهورة للشاعر عمرو بن معد يكرب بن ربيعة الزبيدي: لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي ولو نار نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في رماد و عندما نريد الحديث عن التحصيل العلمي و التعليم العالي في الصحراء فهذا الموضوع قد سال عليه الكثير من المداد و لازال ، فالإشكال الذي يطرح هو: هل قدر شباب الإقليم من عجزة قدرته المالية عن متابعة دراسته العليا في مدن الشمال مع العلم أنه متفوق أن يبقى حبيس جدران بيته؟ وما أكثرهم و هنا لا يتسع الوقت لذكرهم ، فلماذا لا تبادر الدولة في الإسراع لإنجاز جامعة في مدينة العيون تقرب المسافة على الأقل و بعد ذلك يتم إنشاء ملحق بمدينة الداخلة أو غيرها. أم أن عجلة التنمية تدور فقط في مدن الشمال من خيرات الصحراء الكثيرة الوفيرة و التي لا تعد و لا تحصى و عندما نطالب بأن تدور في الصحراء و بفضل خيراتها لا خيرات غيرها فإنها تتعطل.