يشكل التراب الوطني مجال الحياة بالنسبة للأمة المغربية والمرتكز الطبيعي لتجدرها التاريخي والموطن الذي فوقه تمارس مختلف نشاطاتها. فمن هذا التراب تحصل الساكنة على الثروات الطبيعية وتقوم باستثمارها، معتمدة في ذلك على مهاراتها ونبوغها، من أجل الاستجابة لحاجياتها الآنية وتأمين الرخاء والازدهار لذريتها من أجل بلوغ مرامي سياسة إعداد التراب بالمغرب (المجال المغربي: واقع الحال ص 12). وتشكل في هذا الإطار الخطابات الملكية والهيئات المركزية، أبرز الفاعلين في إعداد التراب على المستوى المركزي، حيث يمكن اعتبار الخطاب الملكي السامي للحسن الثاني ومحمد السادس المرجعية الأساسية التي انبنت عليها فكرة الحوار الوطني من أجل صياغة ميثاق خاص بإعداد التراب، وهو الحوار الذي انطلق بجميع جهات المملكة في 21 فبراير2000. بعد أن أخذ توجهاته الأساسية من الرسالة الملكية لمحمد السادس في 25 يناير 2001 بمناسبة اللقاء الوطني حول إعداد التراب هاته السياسة بالرغم من الإكراهات التي عرفتها على مرً 15 سنة الأخيرة، إلا أن نتائجها كانت إيجابية بشكل من الأشكال، ذلك أن كل جهة بالمملكة تتوفر على الأقل مفتشية جهوية معنية بإعداد التراب و"اليقظة المجالية". بالطبيعة الحال استراتيجيات هاته المفتشيات تختلف توجهاته حسب كل جهة، تبعا لإمكانياتها وأطرها وكذا لخصوصية المجالات سواء ذات البعد الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي. ويختلف هذا الواقع بالنسبة للمفتشيات الجهوية لإعداد التراب بالأقاليم الجنوبية، نظرا للخصوصية السياسية لهاته المنطقة، ونظرا لأنها مجالا هشا سريع التأثر في سياسات التنمية الجهوية. لكن الإشكال لا يقف عند البعد السياسي أو البعد الطبيعي فقط، بقدر ما يقف عن مدى ملائمة استراتيجية التنمية المتبعة للتعبئة الترابية و سن مقاربة تشاركية مع مختلف الفاعلين المعنيين لوضع خارطة إعداد التراب بالمجال الصحراوي المغربي. ويمكن أن نسوق في هذا الأطار مثال من خلال جهة كلميم وادنون. هذه الأخيرة التي تحتل مكانة استراتيجية بين شمال المملكة وجنوبها، وقد قطع إعداد التراب فيها أشواطها مهما ما بين 2001 و2007، من خلال تعدد الدراسات المنجزة سواء على مستوى الاجتماعي أو الاقتصادي والبيئي. إلا أن الواقع الحالي لا يجسد هذه المرحلة. إذ يمكن أن نقول أنه باستثناء الملاحظات التي تبديها المفتشية على مستوى المخطط الجهوي لإعداد التراب(63 مشروع) والمشاريع الترابية المدعمة من طرف صندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية- (17 مليون درهم) (بالرغم أنه لا توجد أي دراسة تقييمة لتأثير هاته المشاريع على ساكنة إقليمكلميم) -. لا توجد أي دراسات تعنى بإعداد التراب والتوجهات الاستراتيجية للتنمية الحضرية والقروية. على مستوى آخر، فمقاربة هاته المفتشية لإعداد التراب عموديا وأفقيا، تتخللها عدة عوائق ولعل أهمها المقاربة التشاركية مع فعاليات المجتمع المدني، إفمنذ سنة 2008 لم يتم عقد أي لقاء مع الفاعل المدني على الأقل لتقديم الخطوط العريضة للمخطط الجهوي لإعداد التراب بجهة كلميم وادنون منذ أول مراحلة سنة 2005. ناهيك عن أن الفعاليات المدنية تعاني بدورها إكراهات مرتبطة بالحصول على المعلومات التي تساعد على التعريف بالمؤهلات الترابية التي تتوفر عليها جهة وادنون، مجهودات الدولة في هذا الإطار، لكن غالبا ما يتفاجئ المتتبع لهذا الشان بغياب شبه تام للمعطيات العامة، بدعوى عدم توصل المصالح المركزية بتقارير في هذا الشأن من طرف سلطة الوصاية على التعمير والإسكان وإعداد التراب بالجهة من جهة. ومن جهة ثانية أن المسئول الجهوي على الوزارة بهذه الجهة لا يتوفر على أرشيف منذ سنة 2009-2010 . لذا فإن الواقع العملي يستدعي إعادة النظر في العنوان الذي اقترحناه لهذا المقال " إعداد التراب بجهة كلميم وادنون سياسية تدبيرية تسمح بتحديد الأولويات أم سياسة تشاركية مبتورة؟" . فاليوم، الإرادة السياسية جادة، والجهوية المتقدمة بدأت مسارها. لذا لابد من نهج خطة وبشكل استباقي لرد الاعتبار لهاته المؤسسة الإستراتيجية التي تعنى بشؤون إعداد التراب من خلال المقترحات التالية: تحديد تخطيط محكم يأخذ بعين الاعتبار النهوض بالجهة من خلال تحديد احتياجاتها الآنية والمستقبلية لكسب رهانات وتحديات التنمية الجهوية؛ الانخراط الفعال للمجتمع المدني في قضايا إعداد التراب، من أجل مواكبة الجهوية المتقدمة من جهة، ومن جهة ثانية الوقوف عن الاختلالات الواضحة والخفية وراء تعطل عجلة التهيئة المجالية. البحث عن أوجه الاختلاف والتناقض عن المرحلتين التي عرفهما إعداد التراب بجهة كلمبم 2002-2007 و 2008-2015؛ وقدرة المسئول الجهوي الحالي وباقي الأطر في مواكبة الجهوية المتقدمة؛ القيام بيوم دراسي يناقش فيه الباحثين والمجتمع المدني وباقي الفاعلين السياسيين والمؤسساتيين "إعداد التراب بجهة كلميم وادنون: لأي فاعل"