إن حلم الطبقات الشعبية في التغيير والانعتاق من القيود المخزنية والقطع مع كل مظاهر اليأس والإحباط ومحاربة الفساد والاستبداد من أجل الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية،قد تم إجهاضه وسرقته من طرف قوى إسلامية ليبرالية مشوهة مسخرة بقيادة حزب العدالة والتنمية لتنفيذ المخطط المخزني الجديد القديم، بدعم أمريكي وتمويل من قوى الرجعية والظلامية وتجار النفط والبتر ودولار. فكانت الطبخة الحكومية مخزنية بكل المعايير كمثيلاتها السابقة،مخيبة لآمال الشعب المغربي وتطلعاته الديمقراطية والتنموية في ظل استمرار الحكم الاستبدادي وسلطة الفساد ونهب المال العام واحتكار السلطة والثروة وحرمان الطبقات الشعبية من حقها في التعليم والصحة والشغل والتعبير والكرامة والحرية ....... فكيف جاءت حكومة العدالة والتنمية للحكم وما هي المخططات المخزنية التي مررتها على حساب الجماهير الشعبية،وهل قدمت للشعب المغربي حلولا لمشاكله ضد التهميش والفقر والبطالة ..... ؟ 1- كيف جاءت حكومة العدالة والتنمية للحكم ؟ من المؤكد أن السلطة في المغرب كانت دائما تسعى لتجديد نفسها عبر إدماج نخب سياسية جديدة.فإذا كان إدماج حكومة التناوب التوافقي بقيادة عبد الرحمن اليوسفي والنخبة السياسية التي تمثلها بهدف تأمين انتقال الحكم والسلطة إلى الملك محمد السادس،وتجاوز مرحلة السكتة القلبية بتبني مشاريع تتناقض كليا مع هويتها الإيديولوجية ، تكبد اليسار عامة نتائجها، فإن إدماج حزب العدالة والتنمية وفق قواعد اللعبة السياسية في السلطة كان الورقة السياسية الرابحة بالنسبة للنظام للتعامل مع وضع جماهيري ثوري قائم في سياق ما يسمى بالربيع العربي وفي ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية مزرية.ليبدو أن النظام في سياق إعادة إنتاج نخب سياسية جديدة وبنفس السيناريو السابق. فجاء خطاب 9 مارس كمناورة سياسية لكبح دينامية حركة 20 فبراير وخلق اصطفاف طبقي من حول السلطة، لتعبيد الطريق أمام حزب العدالة والتنمية الوافد الجديد على " دار المخزن " عبر الدعم الإعلامي والمؤسسي والمالي وعبر الآلية الديمقراطية المتحكم فيها من طرف وزارة الداخلية ذات الباع الطويل في صناعة الخرائط السياسية بالمغرب،بالإضافة للتاريخ الدموي الأسود لتوظيف هدا التيار من طرف وزارة الداخلية لتصفية حساباتها مع اليسار المغربي واغتيال رموزه. كما تبين بالمكشوف أن الولاياتالمتحدةالأمريكية ترحب بالوافد الجديد الذي لا يتناقض مع مصالحها الإستراتيجية في المنطقة والذي يروج للإسلام السياسي المعتدل وللنموذج التركي في المنطقة. هدا بالإضافة إلى استغلاله للفضاء الروحي للشعب المغربي، والوفرة المالية التي تراكمت لديه عبر الدعم الخارجي. لقد نجح النظام بعد خطاب 9 مارس في احتواء الوضع، من خلال سيناريوهاته المتعددة والمتنوعة في خلق اصطفاف طبقي من حوله وتوسيع قاعدته السياسية بإدماج حزب العدالة والتنمية في السلطة.ومهدت الوثيقة الدستورية المنزلة الطريق لانتخابات سابقة لأوانها فجاءت انتخابات 25 نونبر 2011 التي أوصلت حزب العدالة والتنمية إلى دار المخزن،ضمن تكتيك محكم للالتفاف على مطالب الحركة وتفكيكها عبر آلية " ديمقراطية " مزعومة،فاقدة للشرعية الشعبية والديمقراطية،يؤطرها هاجس التحكم والحرص الدائم على صنع الخرائط السياسية عبر اختيارات ومخططات محددة سلفا من طرف خبراء النظام وفي دهاليز وزارة الداخلية ومكاتب الدراسات الأجنبية.وشكل انسحاب جماعة العدل والإحسان من الحراك الشعبي وما يطرحه دلك من تساؤلات سيجيب عنها التاريخ، دعما سياسيا مكشوفا لحزب العدالة والتنمية وكبحا لدينامية الحركة التي كانت في أوجها، وبدت الجماهير الشعبية منشقة حول نفسها بين متشبث بمطالب ومشروعية حركة 20 فبراير وبين مراهن على حكومة ليبرالية متأسلمة. فماذا قدمت حكومة العدالة والتنمية للشعب المغربي؟ لقد نجحت حكومة بنكيران في تحويل الربيع المغربي إلى خريف و تعميق الاختيارات اللاشعبية واللاديمقراطية للدولة المخزنية وتحميل الشعب المغربي فاتورتها،ورهن الاقتصاد المغربي وإغراقه في المديونية الخارجية التي ارتفعت إلى معدل مليار دولار كل سنة، واستباحت لنفسها مصادرة حق الشعب المغربي في الشغل والصحة والسكن والعدالة الاجتماعية،و ضرب قوت الملايين من المواطنين عبر إعدام صندوق المقاصة وإطلاق مسلسل ارتفاع لهيب أسعار المحروقات والمواد الاستهلاكية والخدمات الأساسية والزيادة في الماء والكهرباء الذي اكتوت بها الطبقات الشعبية،وكل دلك تحت إشراف ووصاية صندوق النقد الدولي والمؤسسات والدوائر الغربية،وتحت ذريعة الحفاظ على التوازنات الماكرواقتصادية.كما دشنت حكومة العدالة والتنمية تراجعات خطيرة على مستوى الحريات وحقوق الإنسان عبر ارتفاع وتيرة القمع الممنهج في عدد من المناطق المغربية وضرب حرية الصحافة والتظاهر السلمي وحرمان عدد من الجمعيات والأحزاب من التراخيص القانونية ومنع الجمعيات الغير موالية للنظام و لحزب العدالة والتنمية من القيام بأنشطتها، واعتقال المناضلين النقابيين والفنانين والصحفيين، والعودة لظاهرة الاختطافات في صفوف ناشطات و نشطاء حركة 20 فبراير ومناضلي ومناضلات اليسار المغربي . ودائما وفي إطار هجومها على مطالب ومكتسبات الشعب المغربي واستهداف قطاع الوظيفة العمومية عمدت حكومة بنكيران إلى تجميد الأجور والتوظيف والحوار الاجتماعي والتنصل من الالتزامات السابقة المتعلقة بالتوظيف في أسلاك الوظيفة العمومية و ضرب أنظمة التقاعد.كما سجل المغرب عدة تراجعات على مستوى التنمية البشرية والاستثمار والحرية الاقتصادية ونجاعة القضاء المغربي ومحاربة الفساد والرشوة من خلال المؤشرات الصادرة عن منظمات عالمية تعنى بتصنيف الدول. وبالموازاة مع مسلسل التراجعات وتفقير الشعب المغربي دشنت حكومة بنكيران في إطار مشروعها الأصولي المخزني تربة خصبة لتقديم خطاب سياسي رديء و ساقط شجع على انتشار الفكر التكفيري عبر انتشار دعوات التكفير في حق المناضلين الديمقراطيين والسياسيين وعلى رأسهم المناضل الحقوقي والقائد السياسي عبد الرحمن بن عمرو، وتوظيف الدين الإسلامي والثقافة الشعبية العفوية لزرع الحقد والفتنة ومحاربة قيم الحداثة والانفتاح . و بالرجوع إلى الأسباب الحقيقية لخروج حركة 20 فبراير إلى الشارع كانفجار طبيعي لتناقضات داخلية بين الطبقات الشعبية والنظام المخزني القائم على الفساد والاستبداد الذي تعددت مظاهره وأشكاله بين القهر والقمع بكل أشكاله واحتكار السلطة والثروة.لقد حركت حركة 20 فبراير المخزون النضالي للشعب المغربي، ورفعت مطالبه المشروعة التي لم تعد قابلة للتأجيل ولا للتسويف،و المتمثلة في إسقاط الفساد الاستبداد وحل أجهزة المخزن وتفكيكها،وبناء مؤسسات تجسد الإرادة الشعبية، ومطلب الحرية والديمقراطية والمساواة، والقطع مع الطابع الاستبدادي للنظام المخزني،الذي ظل يعيق إقامة الديمقراطية في المغرب،والمطالبة بتغيير شامل يؤسس لمرحلة جديدة تصبح فيها الديمقراطية بمختلف جوانبها هي السائدة في تدبير شؤون الدولة والمجتمع،من خلال انتخابات شفافة ونزيهة في إطار دستور ديمقراطي يحترم سيادة الشعب المغربي،وفصل حقيقي للسلط واستقلال القضاء واحترام حقوق الإنسان. إن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لخروج الحركة مازالت قائمة ، بل اتسعت دائرة الفقر والإقصاء والتهميش وأن ما خرجت الجماهير الشعبية من أجله لم يتحقق كما تحول حزب العدالة والتنمية إلى أداة طيعة من أدوات النظام وخديما وفيا لدار المخزن وتحولت كل شعاراته إلى نقيضها، فمن محاربة الفساد واقتصاد الريع إلى شعار العفاريت والتماسيح وعفا الله عما سلف وغيرها من الشعارات التي تعكس بالملموس الفشل الدريع لحكومة بنكيران،مما يؤشر أنها كورقة سياسية في يد النظام سوف تستنفد مهامها في القريب العاجل لتدخل في مرحلة العد العكسي .لقد كشفت التجربة الحكومية الأخيرة وبما لا يدع مجالا للشك على أن الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية والنظام المخزني عملتين لوجه واحد ، عملة البترودولار والولاء المطلق للمؤسسات الغربية،مشروعين انصهرا في مشروع واحد وهما المشروع المخزني والمشروع الأصولي لخدمة المشروع الامبريالي في المنطقة والأجندة الأمريكية لتفتيت العالم العربي. إن قوى التغيير الديمقراطي وأحزاب اليسار المغربي و انطلاقا من مسؤولياتها التاريخية مطالبة اليوم و أكثر من أي وقت مضى بإعادة قراءتها للمرحلة وصياغة الرؤية والبرنامج ووضع الإستراتيجية لتنظيم الجماهير الشعبية التواقة للتغيير، وتوعيتها لتمكينها من ممارسة سيادتها وخلق جبهات محلية واسعة لتعزيز النضال المشترك الذي كرسته حركة 20 فبراير وتفجير الطاقات النضالية لكل القوى الشبابية والعمالية والنسائية والمهنية والبيئية والاجتماعية في أفق توحيد النضال الوطني بتأسيس الجبهة الوطنية الديمقراطية على طريق بناء الدولة الوطنية الديمقراطية.