العزوف السياسي، و إن كانت أعراضه تتمثل في مقاطعة الانتخابات و عدم الاكتراث بالتسجيل باللوائح الانتخابية، و إن كانت أسبابه ناتجة سواء عن الإحباط الشديد أو عدم الاكتراث واللامبالاة أو عدم الوعي بأهمية المشاركة في تدبير الحياة العامة إلا أن نتائجه تتجلى في استفحال الفساد و إسناد أمور العامة إلى من لا يستحقونها و كلها أمور مع الوقت قد تنخر و تضعف جسد المجتمع و الدولة على حد سواء. و من الواضح أن المستفيد الأول من عزوف العامة عن ممارسة السياسة و المشاركة فيها هي الأحزاب السياسية المتواجدة في الساحة و التي بحكم أقدميتها و احتكاكها المباشر بالشأن المحلي و الوطني اكتسبت تجربة و حنكة ميدانية. فمن الطبيعي أن تدافع الاحزاب على مكتسباتها التي حققتها و تقطع الطريق على كل من يرغب في مزاحمتها. فالأحزاب تتبنى ظاهريا خطاب المشاركة في الانتخابات و الانخراط في الأحزاب، و لكنها عمليا تقصد من هذا الخطاب أن يصوت المواطنون بكثافة على المرشحين التي تقوم بتزكيتهم. و لكي تثبت للحزب أنك مناضل جيد و مخلص لروح الحزب عليك أن تقبل ترشيحا نضاليا في ذيل اللائحة و أن تقوم بحملة انتخابية لرئيس لائحة تعرف مسبقا أن لا تاريخ نضالي له سوى نضاله المستميت لجمع المال. فالسياسة الحزبية بالمغرب تشبه لعبة مصارعة الثيران و الانخراط في الاحزاب السياسية يشبه المشاركة في هذه اللعبة، فإما ستكون متفرجا و إما ستكون ثورا. إما ستصفق و إما سيتم إنهاكك ببراعة و رشاقة عبر تهييج أعصابك باختلاق معارك جانبية. فمن يدعي أن خطاب 9 مارس لم يكن ثوريا؟ و لكن و رغم ذلك، و عندما أسندت صياغة و تنقيح الدستور للأحزاب فإنه خرج مسوفا و معطلا كخطاباتهم السياسية بكثير من الشعارات المبهمة و الكلمات الرنانة و بكثير من النصوص التنظيمية المستقبلية التي ما زلنا ننتظرها و التي بسببها الانتخابات ما زالت مؤجلة إلى حين. فهل أحزابنا السياسية أصبحت معاقة فكريا؟ و هل ما عاشته سابقا في سنوات الجمر و الرصاص من تجارب قاسية و ضغوطات عنيفة جعلها تعيش في رعب و حذر دائمين عاجزة عن نسيان ألم الماضي و التفكير في الحاضر و المستقبل؟ فبينما ملك البلاد نصره الله، يجوب المغرب شبرا شبرا، و يصلي في المساجد مع عامة الناس و يتمشى في الشوارع و يقف في إشارات المرور و يتساءل ككل مواطن غيور على ثروة بلده، بالمقابل أحزابنا في كل مرة تنتظر الإشارات و الرسائل و التعليمات. بل الأدهى، في كل مرة يتسنى لها اختبار مواقفها تخطئ الاختيار، لأنها تختار أن تحابي الفساد الإداري و السياسي. و كأنها بهذا لا شعوريا لا تثق أن المملكة المغربية صادقة عازمة على الإصلاح و بأن مرحلة من تاريخ المغرب قد ولت و بأن عهدا جديد بقيادة ملكنا محمد السادس قد بدأ. فالممتبع للشأن العام الوطني، يدرك أن الأحزاب بتركيبتها الحالية عاجزة عن بناء مغرب حداثي و ديمقراطي، و في أحيان كثيرة هي من تقوم بعرقلة الإصلاح. و لهذا السبب، و لإنجاح مسلسل الإصلاح فإنه بات من الضروري أن يعبر كل مواطن مغربي على صوته بكل أمانة حتى لا تستغل الأحزاب الفراغ و لامبالاة المواطنين لتتزايد باسم الوطنية و النضال. على المواطن المغربي، أن يثق في وطنه و في مستقبل بلاده و أن يؤدي واجبه عبر التسجيل في اللوائح الانتخابية، و أن يظهر بالملموس أن صوته قوة و ذلك عبر التصويت بالورقة البيضاء إذا استمرت الأحزاب في تزكية المفسدين. فلأن السياسة في النهاية هي لعبة أرقام، فلو اكتسحت الورقة البيضاء صناديق الاقتراع، فإن الأحزاب ستكون مضطرة بالمواثيق و التقارير الدولية لإعادة مراجعة أوراقها و سياساتها اتجاه مناضليها و اتجاه الشعب المغربي. و سيثبت المواطن المغربي بأنه مواطن لا يحبط و لا يستسلم و قادر على قيادة الثورات البيضاء بدون قطرة دم. و كما قال المغفور له الحسن الثاني رحمه الله "معارك الحياة لا يربحها لا الأكثر قوة ولا الأكثر سرعة، ولكن يربحها أولئك الذين لا يستسلمون أبدا".