بقلم : احمد الشناوي (*) إن ملف الصحراء يعرف مجموعة من الهفوات والإشكالات العميقة في التدبيرمن طرف المسؤولين سواء على النطاق المركزي او المحلي ، فالسلطات المركزية تعتمد مخططات فاشلة ودبلوماسية عقيمة وبعيدة كل البعد عن تطلعات الصحراويين المغاربة بالأقاليم الجنوبية للمملكة وتفتقد جل القرارات المتعلقة بقضية الصحراء الى الجدية وروح المسؤولية ولا تتوافق والسياسة الرشيدة لصاحب الجلالة والمهابة الملك محمد السادس نصره الله التي تمنح للصحراء والصحراويين عناية مولوية خاصة و ترفض مقولة المغرب النافع والمغرب غير النافع وتضع المواطن المغربي في جنوب المغرب وشماله في صلب التنمية .وهذا الاخفاق الذي اتحدث عنه في تدبير ملف الصحراء تتحمله بالدرجة الاولى وبشكل كبير الحكومة المغربية ومؤسساتها بما في ذلك البرلمان ،وتأتي بعد ذلك في المرتبة الثانية الأحزاب السياسية المغربية النائمة ، في ما يأتي الكوركاس في المرتبة الثالثة ثم المنتخبون و المجتمع المدني في المرتبة الرابعة ويتحملون هم أيضا مسؤوليتهم في ما آلت اليه الاوضاع بالصحراء. وتتوزع المسؤوليات من جهة لاخرى حسب الاولوية وذلك وفق ما يلي : على مستوى الحكومة المغربية ومؤسساتها : فالحكومة او بالاحرى حكومات التوالي طيلة السنوات الماضية الى جانب البرلمان ظلت سياستها قاصرة ومخططاتها ذات الصلة بملف الصحراء كانت ولا تزال تقتصر فقط على البيانات الاستنكارية وعمليات الشجب والخطابات الفضفاضة التي لا تسمن ولا تغني من جوع في ظل غياب تام لأي خطوات ملموسة وعملية ، بل وإن جل القرارات التي اتخذت كانت جد سلبية ولا تخدم القضية الوطنية الاولى وذلك لسببين : اولا ،لانها تكرس مبدأ المركزية فكل القرارات تتخذ على المستوى المركزي بعيدا كل البعد عن ما يجري في الكواليس بالصحراء وتستند مرجعيتها فقط من تقارير ترفع الى الرباط اقل ما يمكن ان نقول عنها انها لا تعكس حقيقة واقع الصحراء والصحراويين ، وهذا يحيلنا الى السبب الثاني والذي يتجلى في أن المسؤولين المحليين بالاقاليم الصحراوية المغربية والذين يتسلمون مقاليد تسيير الشأن المحلي للصحراء والصحراويين بصفة مباشرة وعن قرب، إنهم وللاسف فاسدون تحكمهم مصالحهم الخاصة ينهبون في ثروات الصحراء بدون حسيب ولا رقيب بل وبمباركة الدولة التي تلتزم الصمت تجاه ذلك ،فكيف ننتظر منهم رفع تقارير ذات مصداقية وتعكس الواقع ؟؟؟؟ صحيح أن قضية الصحراء اخذت مؤخرا منعطفا بقدر ما هو مهم من ناحية مقترح الحكم الذاتي والجهوية الموسعة كإطار وإجراء استباقي لتفعيل هذا المقترح وهذا بالطبع تحول جد ايجابي في هذه القضية لا يمكن ان ننكره بأي حال من الاحوال. فالامر من جهة اخرى في نفس الوقت خطير جدا ، فهناك تحديات واختبارات عديدة طرحت من خلال ملفات متنوعة كملف العائدين وقضية أمنتو حيدر وقضية مصطفى سلمى مؤخرا وفاجعة مخيم كديم إزيك إضافة الى السياسة الاسبانية المعادية. فكلها تحديات وقضايا أحرجت الدولة المغربية بشكل كبير بغض النظر عن من يتبناها و تعاملت معها هذه الاخيرة بطريقة غير مجدية و لا تليق بمكانة المغرب الشيئ الذي أكد ضعف الد بلوماسية المغربية وفشل سياسة ساستها على المستويين الداخلي والخارجي .فملف العائدين شهد خروقات وتجاوزات عديدة ، فبينما كانت الوفود تدخل المغرب بين عائدين ومحتالين منهم من يدخل عبر الحدود الموريتانية بدعم من مليشيات البوليساريو لتنفيذ خطط جهنمية تهدف الى زعزعة الامن والاستقرار بالاقاليم الصحراوية والنصب على المغرب من خلال تسلم بطائق الانعاش الوطني او مبالغ مالية ضخمة ومنازل يتم بيعها ثم العودة الى اراضي تندوف عبر موريتانيا ،كانت الدولة المغربية تصرف ملايين الدراهم على الانفصاليين وتمولهم دون ان تكترث للامر او تعريه اي اهتمام وتهتف بالعدد الهائل للعائدين الى المغرب مفتخرة بذلك أو حتى تتحقق من هوياتهم خاصة أن بعض أبناء الاقاليم الجنوبية المنحدرين من بعض القبائل الانفصالية المعروفة وبتخطيط منها و التي "تحكم الصحراء" حاليا دخلوا في خطة أخرى محبوكة حيث كانوا يذهبون الى مورتانيا ويعودون في الاسبوع الموالي كعائدين مطالبين هم كذلك بحقهم في السكن والانعاش ... وكلنا نتذكر قضية أمنتو حيدر التي وضعت الدولة المغربية بأكملها في مأزق وأخضعتها لضغوطات دولية في غنى عنها أطاحت بقرار الحكومة المغربية و توجت بقبول رجوع حيدر الى المغرب جاء ذلك بالموازاة مع الخطاب الملكي السامي أنذاك الذي كان واضحا وحاسما حيث أكد انه لا توجد منزلة وسطى بين الوطنية والخيانة وهذا يزكي عدم احترام الحكومة لمقتضيات الخطابات الملكية وسوء تطبيقها .والحكومات المغربية على التوالي هي من تصنع من الانفصاليين أبطالا وتكون لهم رؤوس الاموال لينقلبوا عليها في ما بعد،لأن المدعوة أمنتو حيدر سبق أن نالت تعويضات مالية بآلاف الدولارات من هيئة الإنصاف والمصالحة التي عهد إليها بطي صفحة الماضي وتعويض من يسمون في المغرب بضحايا “سنوات الرصاص”. مكنتها من تكوين نفسها وربط ونسج علاقات قوية خارجية مع منظمات حقوقية وهيئات دولية والتي بدورها قامت بمساعدتها وبتمويلها في جميع تحركاتها السرية ضد المغرب والترويج للطرح الانفصالي _ الجزائري ، لتكشف عن شخصيتها الحقيقية وبكل جرأة بمطار العيون أنذاك ضمن خطة محبوكة من طرف المخابرات الجزائرية جاءت كرد استعجالي على الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى 34 لعيد المسيرة الخضراء وكان هدفها اللانتقاص من سمعة الدولة المغربية وإحراجها أمام المنتظم الدولي . الحقيقة الازلية والتي لاغبار عليها والتي ينبغي على الدولة المغربية ان تعيها وتسلم بها ،هي أن الانفصالي يبقى دائما انفصالي مهما فعل،ومهما أغدقت عليه الدولة من أمول خزينتها وعلى الدولة أن تتعامل مع من يدعون بأنهم عائدون كيفما كانت مكانتهم داخل مخيمات تندوف بمزيد من الحيطة والحذر حتى لا تسقط ضحية مؤامرات اللاستخبارات الجزائرية الداهية خاصة وأن الجزائر دخلت مؤخرا في خطط متطورة تتمثل في إرسال عملاء سريين لها لتقوية نفوذها داخل الاقاليم الصحراوية بشكل خفي . والخطير في الامر هو أن الدولة المغربية تمنح بعض العائدين من المخيمات مناصب عليا تخول لهم أداء مهامهم على أكمل وجه كجواسيس سريين للمخابرات الجزائرية، وذلك على حساب نخب وكوادر محلية متميزة من أبناء الصحراء المتشبعين بروح الوطنية التي يتم إغفالها وتمهيشها في تسيير شؤون الصحراء والصحراويين . قضية المدعو مصطفى سلمى هي الاخرى من أهم التحديات التي انضافت الى ملف الصحراء ، صحيح أن ولد سيدي مولود بطل لكنه بطل لمؤامرة جزايرية راح ضحيتها المغرب وللاسف وتلقى عليها المعني بالامر أموالا باهضة من الجزائر لتنفيذ خطط جهنمية مسطرة يتلقاها من المخابرات الجزائرية باستمرار فقدومه الى المغرب وتصريحاته الزائفة حول ما اسماه " التضحية في سبيل المحتجزين الصحراويين في تندوف" ووعد بمناقشة الحكم الذاتي في تندوف حتى ولو كلفه ذلك حياته؟؟؟ لم تكن بشكل عشوائي وتطوعي بل إملاءات من جهات محسوبة للنصب على المغرب عبر ملايين الدراهم والامتيازات التي تلقاها هو وأسرته من الجانب المغربي كمكافئة أو بالاحرى إغراءات مقابل تبني طرح الحكم الذاتي ظنا من المغرب أنه ربح قضية أخرى للضغط على الجزائر والبوليساريو مراعاة في ذلك مكانة مصطفى سلمى داخل المخيمات .ليقرر بعدها العودة الى تندوف، لكن كل عاقل متعقل سيدرك من الاول انها مؤامرة ومزاعم زائفة خاصة وان المعني بالامر يعرف جيدا وضعية حقوق الانسان بتندوف ويعي جيدا بأن مصيره هو الذبح إذا عاد الى تندوف بعدما أعلنه عن تأييده للطرح المغربي ... لكن مصطفى كان واثقا جيدا بأن تصريحاته لن تكلفه حياته حينما صرح بذلك لانها كانت بمباركة المخابرات الجزائرية.ليضرب بذلك عصفورين بحجر واحد ونصب على الدولة المغربية التي صنعت منه بطلا واستفز المغرب بكل مؤسساته والمنظمات الحقوقية والاحزاب والشعب التي انساقت وللاسف وراء ادعاءاته دون أن تقرأ خلفياتها وسوء نواياه وسقطت هي الاخرى ضحية خطأ الحكومة المغربية ،دون أن يكون لها علم بما يدبر في كواليس المخابرات الجزائرية ودافعت عنه مطالبة بالافراج الفوري عنه. ليخرج علينا اليوم هذا البطل وفي هذه الظرفية بالضبط وينكر كل ما قام به الشعب المغربي بمختلف مكوناته بدعوى أنه كان في مكان معزول عن العالم في حين في الحقيقة فقد كان يحتسي كؤوس الشاي ويتفرج بكل سخرية على الحمى التي اصاب بها المغرب جراء فعلته ،وفي المقابل كانت المفاوضات تجري بين البوليساريو والمفوضية السامية للاجئين لتحديد البلد الذي سيعيش فيه رفقة عائلته . واليوم بعدما تسلمته المفوضية رفض الالتحاق بالمغرب وقرر العيش في بلد بعيد،او العودة الى المخيمات. فما السر وراء هذا القرار يا ترى ؟؟؟ وما يفند كل هذا بالطبع هو اتخاذه قرار العودة الى المغرب الامر الذي يبدو مستحيلا وبعيد المنال .لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما إذا كان المغرب سيبقى دائما ضحية للمناورات الجزائرية التي غالبا ما تنجح و تؤتي أكلها ، في الوقت الذي يعتقد فيه البعض عندنا ان مجرد رفع شعارات التنديد كفيلة باقناع المجتمع الدولي بعدالة قضيتنا الوطنية وبالدفاع عن مقدسات بلدنا ؟؟ قضية اكديم إزيك بدورها أكبر تحدي على الاطلاق واجهته الدولة المغربية بالصحراء فحسب الحكومة المغربية هم مواطنون لهم مطالب اجتماعية محضة ومن داخل المخيم كانت الاصوات تنادي بالانفصال حسب مجموعة من وسائل الاعلام وما سمعناه من مصادرنا المقربة من داخل المخيم . فالمطالب الاجتماعية كانت فقط ذريعة أولية وحيلة للحصول على الترخيص للمخيم من الوالي جلموس وكسب تأييد الرأي العام الوطني والدولي ... مخيم بمنطقة منسية " اكديم ازيك" التي كتب لها ان تدخل التاريخ من بابه الواسع ، تم بها نصب خيام أو شبه خيام أحيانا لا تكاد حتى تقي قاطنيها من الشمس والبرد تسيرها وتسيطر عليه بالكامل جماعة من الملثمين مجهولي الهوية ولاتترك مجالا لرجال الامن والسلطات واعوان السلطة لدخوله ، والقوات المساعدة والدرك الملكي اكتفت بحراسة عن بعد لما يجري خارج المخيم وهنا أسطر بخط عريض على هذه العبارة ، وتتفرج على الاعداد الهائلة من المواطنين الذين يتدفقون على المخيم وتعد عتادها وقوتها للهجمة الكاسحة بدل ان تضع حدا للمشكل منذ نشأته وبالتالي تحفظ الدولة ماء وجهها وتنقذ نفسها من مؤامرات الاعداء والانفصاليين وتنقذ نفسها من تطورات لا تحمد عقباها ،لكن بقدر ما كان الاحتقان الاجتماعي وسط المواطنين قد وصل ذروته ،كان الصراع والمشاكل بين المسؤولين بالعيون قد تفاقمت وفشت سياسة شد الحبل بين والي الجهة وآل رشيد والكل كان يحاول استغلال القضية لتوريط الآخر وتحميله المسوؤلية رغم ان المسؤولية مشتركة بين الطرفين والطرفان متورطان بشكل كبير جدا في ما آلت اليه الاوضاع بالصحراء والعيون على الخصوص . الحكومة بالطبع ظلت تتفرج عن بعد وتنطق تارة تنفي وتارة تؤكد ،تارة تشجب وتارة اخرى تنوه. ليطير بعد ذلك السيد وزير الداخلية الى العيون لكن فات الاوان انذاك وتفاوض بشكل مباشرمع مجموعة ممن كانوا يمثلون ساكنة المخيم، التي تحصى بعشرات الآلاف، واسمتهم بعد ذلك بذوي السوابق مع انني شخصيا لا أدري كيف لوزارة الداخلية ان تتفاوض مع ذوي السوابق؟؟؟ وتطالبهم بالتوقيع باسم الشعب الصحراوي على وثيقة تأييدهم للحكم الذاتي؟؟؟ بدل من أن تلجأ بشكل مباشر الى الشعب الصحراوي المغربي وتطالبه بذلك ،هذا الاخير الذي لن يتررد في تأييده اللامشروط لهذا المقترح البناء والانسب لحل هذا النزاع رغم انني أؤكد على نسبة 90 بالمئة من ابناء الصحراء من كل الفئات العمرية بقدرما يؤيدون هذا الطرح بفعل وطنيتهم فهم يجهلون تماما مقتضيات الحكم الذاتي ويقتصرون على نظرة شمولية ضعيفة جدا وأحيانا خاطئة ومغلوطة وللاسف. ونعود الى قضية مخيم اكديم ازيك التي كشفت عن عورة الحكومة المغربية ومسؤوليها بهذه الاقاليم الصحراوية ووضعتها في صلب الاتهام والضغوطات الخارجية التي هي في غنى عنها وكشفت ضعف الدبلوماسية المغربية كما أؤكد اليوم على ان الغالبية العظمى من ابناء الصحراء الاصليين يشيرون باصابع الاتهام الى الحكومة في تعاطيها مع هذا الملف بل وتلاشت ثقتهم فيها بعد ما وقع من تخريب وحرق للمتلكاتهم وعجزها عن حمايتهم بل وتورطت في اختطاف واحتجاز وتعذيب المئات من الصحراويين الوطنيين الابرياء من الاطفال والنساء والرجال، ولم تتردد في استعمال القوة المفرطة واطلاق الغاز المسيل للدموع والمياه الحارقة والرصاص المطاطي على النساء والعجائز والشيوخ ولم تراعي في ذلك حالتهم الصحية ولا جنسهم منهم من ذهب الى حافة الموت والمستشفيات موصودة في وجهه بل منهم من قضى ليالي سوداء في الصحاري الجرداء تائها بدون أكل ولا شرب ... فلو تحلت حكومتنا بقليل من الرزانة والحزم والحكمة السياسية لتفاعلت مع مطالب السكان وحلت المشاكل بشكل ودي وسريع منذ الاسبوع الاول لاقامة المخيم بدون ادنى مشكل، خاصة وان معظم سكان المخيم سبق لهم ان استفادوا في اطار مخيم الوحدة وجلهم لهم سكن وبطائق انعاش وتستعين بالمنتخبين واعوان السلطة وفعاليات المجتمع المدني لتحديد ذلك. فالحكومة مطالبة اليوم بعدما فككت المخيم ان تدرس مطالب المحتجين بكل مصداقية وحسن نية دون تمييز والاستجابة لها على وجه السرعة حتى لا تتكرر هذه القضية وتشمل حتى باقي الاقاليم الصحراوية الجنوبية خاصة وأن الحكومة لم تستجب لمطالب حتى 10 بالمئة من السكان وما شاهدناه من استجابة لمطالب الارامل والمطلقات ليست سوى دعاية اعلامية محضة هدفها تضليل الرأي العام الوطني والدولي؟ فهل يا ترى سيحمل تقرير لجنة تقصي الحقائق حقائق تحملنا على تغيير منهجية تدبيرنا لملف الصحراء؟ ام انه سيسقط في الوصف والعمومية وإبراء الذمة؟؟ وعلاقة بتداعيات مخيم اكديم ازيك وعلى اثر السياسة الاسبانية المعادية للمغرب ووحدته الترابية فقد انتقل المغرب من موقف القوة بمبادرات بناءة وجدية كمبادرة الحكم الذاتي والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية والجهوية الموسعة ، مبادرات مقبولة ومؤيدة من طرف المجتمع الدولي ، الى موقف صد الهجمات السياسية و الاعلامية الاسبانية التي تساوم المغرب في وحدته الترابية لتحقيق مصالح اسبانية خاصة على حساب القضية الوطنية بتواطؤ جزائري واضح ومكشوف ولفت الانظارعن قضية المدعو مصطفى سلمى وحشد المزيد من الضغوطات الدولية على المغرب في مجال حقوق الانسان.... بفعل ديبلوماسيته الضعيفة وسياسته الخارجية الهشة اصيب المغرب فعلا بحمى شديدة جراء ذلك وسار يعد ويتوعد وينكر ويتنكر ويهرول الى الدول الاوروبية لاقناعها ،بعد فوات الاوان، لتبرئة ساحته من التهم الموجهة اليه ،ويحني رأسه أمام اسبانيا وكأنها عفريت الصحراء بدل من أن يطالبها بالانسحاب من سبتة ومليلية و الجزر ويحاكمها على ما فعلته بالجنود المغاربة والمواطنين إبان ما يسمونه هم " بالحماية الاسبانية " . وبالعودة الى الاحزاب المغربية النائمة ودورها ومسؤوليتها في القضايا والتطورات التي ذكرتها سابقا وقضية الوحدة الترابية في اجندتها، نجد وبشكل مقتضب بأن المشهد العام الحزبي بالمغرب ضعيف جدا وذلك راجع بالاساس لكون المجال السياسي عقيم وغير قادر على فرز احزاب سياسية مسؤولة وعملية في قراراتها واستراتيجياتها. فبالرغم من أن الاحزاب السياسية جميعها تدعي بأن قضية الوحدة الترابية تعتبر من أولوياتها فان الحقيقة تقول عكس ذلك فهذه القضية مغيبة تماما باجندة هذه الاحزاب وتكتفي كلها بتصريحات اعلامية لحظية و دعائية مئة بالمئة عندما تكون هناك تطورات معينة مرتبطة بقضية الصحراء.في حين هناك غياب تام لقرارات واجراءات ملموسة وعملية من طرف الاحزاب السياسية المغربية بخصوص الوحدة الترابية بل وغياب حضور فعلي لهذه الاحزاب بالاقاليم الجنوبية، إلا اثناء فترة الانتخابات بالطبع ؟ أما دور المنتخبين بالاقاليم الصحراوية من كلميم الى لكويرة فلا يزال قاصرا جدا وتحكمهم مصالحهم الخاصة ولا تهمهم تنمية تلك الاقاليم وساكنتها فينهبون ويسلبون ويتلاعبون في ثروات الصحراء والصحراويين بدون حسيب ولا رقيب بل وبمباركة الدولة من خلال هيمنة نخب باتت معروفة بالفساد اخلاقي وادراي رهيب في المنطقة ودأبت على شراء مقاليد الحكم بالصحراء بشتى الطرق الغير المشروعة بالطبع... وما يؤكد ذلك الضعف المهول لنتائج المباردة الوطنية للتنمية البشرية حيث ان هذه المبادرة الملكية انحرفت عن مسارها السامي وانضافت الى مصادر التمويل الذاتي للنخب المحلية الفاسدة وللاسف. والمواطنون ،وبدون مبالغة ، يعانون الويلات والفقر المدقع وتشهد المنطقة حاليا احتقانا اجتماعيا خطيرا ينذر بتطورات مستقبلية لا تحمد عقباها اذا لم يراجع المنتخبون سياستهم وتعيد الدولة النظر في أهلية من اوكلت اليهم تسيير وتدبير شؤون الصحراء والصحراويين وتشدد الرقابة عليهم وتحاسب المسؤولين على تردي الاوضاع بالمنطقة وتقدمهم للعدالة مهما كلف الامر. أما في ما يخص دور منظمات المجتمع المدني المحلية الحقوقي منها والتنموي والتي تناسلت مؤخرا وتكاثرت بشكل مدهش فدورها يبقى قاصرا في ظل غياب الدعم الدولة لها وافتقارها الى وسائل عمل خاصة، اضافة الى غياب النزاهة والشفافية وكون معظمها يبقى مجرد حبر على ورق وانعدام نخب محلية وفعاليات ذات كفاءة وأهلية للدفاع عن القضية الوطنية وتحقيق التنمية المستدامة للمنطقة وسكانها ،وهنا اريد أن اؤكد ان نسبة 85 بالمئة من الجمعيات التي تاسست مؤخرا ،وبشكل ملفت، للدفاع عن مقترح الحكم الذاتي هدفها مادي وربحي محض من خلال الاعانات والامتيازات التي تقدمها الدولة للجمعيات خاصة تلك المحسوبة عليها والموالية لبعض المسؤولين والمنتخبين على حساب أخرى من قبيل منح مادية ضخمة وتذاكر سفر الى الخارج بدعوى الترويج للحكم الذاتي والدفاع عنه، هذه المنظمات التي تقتصر انشطتها فقط على القيام ببعض الوقفات الاحتجاجية أو التضامنية ... أما دورالكوركاس برئاسة ولد الرشيد ،أكبر مفسد بالمنطقة، فمنذ تأسيسه فقد ظل هذا المجلس بعيد كليا عن الشؤون الصحراوية وتدبيرها وتحول الى وسيلة بيد رئيسه ومن على شاكلته لتحقيق مصالحهم الخاصة وتمويل مخططاتهم ومشاريعهم لتنحرف بذلك هذه المؤسسة هي الاخرى عن المبدأ الاساس الذي اسست من اجله وباتت قاصرة عن تحقيق الاهداف المرجوة منها كؤسسة ملكية . مما يستوجب تغيير التشكيلة الحالية للمجلس ومحاسبة المسؤولين الحاليين بالمجلس وتقييم عمل هذا الاخير وتوسيع صلاحياته بشكل أكبر والاعتماد على نخب وأطر محلية من ابناء الصحراء الاصليين فقط ،من مختلف الاقاليم الجنوبية من كلميم الى الكويرة ،في إعادة هيكلته والاخذ بعين الاعتبار تمثيلية الشباب وجمعيات المجتمع المدني . كان هذا بشكل عام تقرير عن ملف الصحراء الذي يعاني من إشكالات عميقة في التدبير وانعدام الرؤية الواضحة وعدم تحمل المسؤوليات وتقاسمها بين مختلف الفاعلين .ولابد إذن من حلول عملية واستعجالية ضرورية للخروج من الازمة التي يشهدها ملف الوحدة الترابية للمملكة والتي يمكن ان نجملها في ما يلي : - ضرورة اعتبار الاقاليم الجنوبية الصحراوية كلها من كلميم الى الكويرة مدينة مغربية واحدة والتسليم بذلك و عدم التمييز بينها او نفي الطابع الصحراوي عنها وضرورة اعتماد كلمة " الصحراء " فقط لهذه الاقاليم بدل الصحراء المغربية والصحراء الغربية كإسم لأي مدينة مغربية، نضع نصب أعيينا تنميتها .لان في الواقع إضافة لفظ المغربية الى الصحراء ليس هو ما سيثبت مغربية الصحراء ،ولا إضافة لفظ الغربية هو ما سينفي مغربية الصحراء. بل ومجرد اضافة لفظ مغربية الى الصحراء فهو تشكيك ضمني في أصل الصحراء ومغربيتها. فالصحراء مغربية وغربية في أن واحد ولا داعي للانشغال بمثل هذه النقاشات الفضفاضة ونقل الصراع من المادي الى اللامادي. - حتمية اعداد مخطط استعجالي خاص بتنمية هذه الاقاليم الجنوبية الصحراوية في شتى المجالات الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتربوي وتوفير الشغل والسكن اللائق عبر مشاريع تنموية وبرامج تنطلق من حاجيات الشعب الصحراوي الاصلي. - ضرورة تسليم مقاليد تسيير الشأن المحلي للصحراء والصحراويين لابناء الصحراء الاصليين الوطنيين وليس لأناس دخلاء على الصحراء ومستدرجين من تندوف يكنون في انفسهم العداء للمغرب... - أن تعيد الدولة النظر في ما يسمى بالاعيان في القبائل الصحراوية وتهيكل التنظيمات القبلية بالصحراء التي تكرس الطبقية وتقصي الشباب ،وتعمل على تحقيق المصالحة بين ابناء قبائل الصحراء في ظل الصراعات التي بدأت ترى النور مؤخرا بين عدد من القبائل وتأسيس مجموعة من الحركات الاعتبارية القبلية. وهنا أؤكد على أن القبائل ستدخل في حرب طاحنة وصراعات قبلية داخلية خطيرة مستقبلا خاصة إذا تم تنفيظ الحكم الذاتي فكل قبيلة ستريد أن تسلم مقاليد الحكم في الصحراء. - على الدولة أن تعمل بشكل استعجالي على الازاحة النهائية لآل رشيد ومن على شاكلتهم ومحاسبتهم بدون اي اعتبار يذكر . - ضرورة ان يتكتل ابناء الصحراء لتأسيس حزب سياسي صحراوي من طرف أبناء الصحراء الاصليين ذو طابع وطني مفتوح في وجه جميع المغاربة و يهتم بالاساس بالشأن الصحراوي ويتخذ له من احد الاقاليم الجنوبية مكتبا مركزيا ، وليس الرباط ، حتى يكون في قلب الصحراء وقريب من الصحراويين . وعلى الدولة أن لا تردد في الترخيص للحزب بل ودعمه بكل الامكانيات. ولعل هذه الفكرة بدأت ترى النور من خلال تكتل عدد كبير من ابناء الاقاليم الجنوبية من شتى القبائل والفعاليات تحت لواء حركة تصحيحية مغربية اطلق عليها اسم " الجبهة الصحراوية الشبابية من أجل الديمقراطية" والتي سيتم تحويلها على المدى القريب الى حزب سياسي صحراوي . - ضرورة اعادة هيكلة الكوركاس ووكالة تنمية الاقاليم الجنوبية وتوسيع صلاحيتيهما بما يتيح الفرصة للتعريف أكثر لدى المواطن الصحراوي بمختلف الاجناس والفئات بالحكم الذاتي ومقتضياته وتفاصيله الكبيرة والصغيرة والانخراط في مسلسل الجهوية الموسعة وورش المباردة الوطنية للتنمية البشرية بهذه الاقاليم . إضافة الى تأطير وتأهيل وإدماج أبناء الصحراء وترسيخ حقوق الانسان والتعدد الثقافي . - بات من اللازم اليوم ان يتم إعادة الوزارة الخاصة بالشؤون الصحراوية مكلفة بتدبير ملف الصحراء في جميع المجالات وتتحمل مسؤوليتها كاملة في ذلك يعهد تسييرها الى الأطر والنخب الشبابية الصحراوية الاصلية .
لعل مراجعة الدولة المغربية بمختلف مؤسساتها سياستها في تدبير ملف الصحراء بات ضرورة حتمية تستوجب وضع أسس واستراتيجية عمل واضحة تنبني على قرارات عملية ومواقف حاسمة وجرئية وديبلوماسية قوية وذلك بالعمل بهذه الاقتراحات العملية التي كانت نتيجة تشخيص عن قرب للواقع المعاش ولما يجري في الكواليس بالصحراء وبناء على حاجيات المواطن الصحراوي . أتمنى ان تؤخذ بعين الاعتبار وبتم تفعيلها بصدق و أن تجد إرادة قوية وفعلية لدى المسؤولين للخروج من الازمة التي يعرفها ملف الصحراء، والتي أيضا ستكون مكسبا جديدا للدولة المغربية وورقة رابحة في هذا الملف ستقوي الموقف المغربي وتزيد من مصداقيته لدى الرأي العام المحلي و الوطني والدولي.