إن المتتبع للشأن المحلي بأقاليم الجنوب منذ إحداث وكالة تنمية أقاليم الجنوب يستنتج وبالملموس غياب البعد الاستراتيجي في مجمل المشاريع المتعلقة بالبنى التحتية التي تتكفل هذه الوكالة بإنجازها سواء بالجماعات القروية أو الحضرية، فيضطر المتتبع إلى التساؤل عن جدوى هذه المشاريع في وقت يعرف فيه المغرب أزمات مالية خانقة تفرض على الجميع التحلي بالوطنية الصادقة من أجل ترشيد نفقات المالية العمومية حفاظا على حقوق الأجيال القادمة التي قد تجد المغرب وتجد هذه الجهات مجالا يشجع على الاستقرار والاستثمار، ويستمر التساؤل قويا عند المتتبعين إذا عرفنا أن معظم الجماعات أعدت مخططات التنمية التي انطلق بناؤها من الحاجيات الحقيقية للسكان في ورشات استماع طويلة وشاقة شارك فيها المتعلم والأمي، وحتى تجد الوكالة منفذا إلى ميزانيات ضخمة أطلقت على بعض مشاريعها البرامج الاستعجالية وهي فعلا كذلك تستعجل إنجاز أي شيء لإغراق سفينة هذا الوطن في وحل الفوضى والارتجال وبمباركة من يحتمون بهم في دوائر القرار الضيقة والواسعة. وإذا أردنا أن نقدم أمثلة على ما سبق، فإن توجهك إلى إحدى الجماعات القروية بالجهة شرقا تجد نفسك تدخل مركز هذه الجماعة وأعمدة الإنارة العمومية من الجهتين تتعدى المائتين على رصيف مزين بألوان داكنة تعبيرا على خاصية المنطقة، على طريق معبدة بشكل ممتاز، ولو توقفت قليلا لاكتشفت الفاجعة، الشارع فارغ تماما من أي مظاهر الحياة ونخيل الواحة يتحدى العطش على جنبات هذا الشارع الذي تكفلت وكالة تنمية اقاليم الجنوب بتهيئته، ولو اشتغلت مصابيح الإنارة العمومية فسيتم إعلان تلك الجماعة مفلسة بالمرة، وعليه أفلم يكن لزاما على تلك الجماعة بتنسيق مع الوكالة تهيئة نقط لمياه السقي لنخيل الواحة، واقتناء مصابيح تشتغل بالطاقة الشمسية حفاظا على ميزانية تسيير تلك الجماعة القروية؟ فهذه رسائل سلبية قد تتكرر في العديد من الشوارع الرئيسية ببعض مراكز الجماعات القروية، وإذا ما تساءلت مع الساكنة عن هذه المشاريع لذكروا لك أن الشارع قد تمت إعادة تهيئته أكثر من مرة، وكأنه أولوية وحاجة من الحاجيات الحقيقة لسكان هذه الجماعة أو تلك، وواقع الحال يكشف المرض بتزيين الواجهات وإخفاء عيوب ما وراء ذلك، وقد لا تمر فترة وجيزة حتى يضطر معه الجماعة أو مقاول آخر لهدمه لتمرير قنوات الواد الحار أو أسلاك شبكة الهاتف أو الكهرباء، فيفقد البعد الاستراتيجي أعصابه وينتحر أمام عبقرية مسيري وكالة تنمية أقاليم الجنوب..