سألني أحد الزملاء في العمل- أثناء فترة الاستراحة- إذا ما كنت سأشارك في إضراب 23 شتنبر الذي تعتزم بعض المركزيات النقابية خوضه احتجاجا على السياسات اللاشعبية للحكومة، وقبل أن يشرع زميلي في تلاوة الملف المطلبي للنقابات،قاطعته بالنفي لكن مع هذا التوضيح: إن النقابات التي تحمل اليوم مشعل الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة، مرددة خطاب التراجع عن المكتسبات لمغازلة الموظفين و العمال على بعد أشهر فقط من انتخابات اللجان الثنائية، هي نفسها النقابات، التي وفرت الغطاء السياسي للحكومات المتعاقبة على تدبير الشأن العام و صمت أذنيها عن سياساتها اللاشعبية، التي أوصلت البلد لسكتة قلبية، أصبح معها التدخل الجراحي ضروريا لإنعاش الاقتصاد الوطني، حيث وصل حجم الدين الخارجي 63 في المائة من الناتج الداخلي، وأصبح القرار الاقتصادي و بالتالي السيادي للمملكة في مهب الريح. إن هذه النقابات هي نفسها التي تمتلك الأغلبية داخل مجلس المستشارين، الذي أصبح عبئا- بكل ما تحمله الكلمة من معنى- على ميزانية الدولة، خصوصا و أن حضور جل السادة المستشارين المحترمين يقتصر على الدورتين الخريفية و الربيعية للاستمتاع بما لذ وطاب من "كعك ملكي". فجل هؤلاء يتخلف عن حضور لجان المجلس "الموقر" أثناء مناقشة قوانين مصيرية تهم الطبقة العاملة، بل و تحول بعضهم لإقطاعيين جدد يعاملون العمال و المأجورين وفق مبدأ "السيد و القن". إن أول مبدأ للدعوة إلى الإصلاح و الدفاع عن مطالب المظلومين و الضعفاء هو أن تؤمن بها الهيئات المنادية بها داخل أجهزتها و هياكلها التنظيمية، وأن يكون سجل "منضاليها" خاليا مما يمكن التشويش عليها، وهذا شيء يؤكد المأزق التنظيمي الذي تتخبط فيه هذه النقابات عكسه تماما، هذا دون الحديث عن فضائح زعمائها التاريخيين، الذين أصبحوا يسابقون ال "الباطرونا" على صالونات التدليك للاسترخاء من عبء "النضال". لن أشارك في إضراب سياسي صيغ ملفه المطلبي ب"عرق الشغيلة" و اختارت النقابات الداعية إليه لعب دور "كومبارس" لأحزاب "تآكلت" بفعل التعرية، و اختارت معارضة حكومة انتخبها الشعب، متنكرة لأطروحاتها و مقولاتها، وعلى رأسها مقولة "الكتلة التاريخية"، التي تفرض وضع الاختلافات الإيديولوجية و الأجندات السياسية جانبا، لاسيما في أوقات الأزمات، و الانخراط في العملية السياسة، سواء من موقع الأغلبية أو المعارضة بمنطق المصلحة العامة للوطن. نعم، لن أشارك في إضراب ستكون كلفته المادية وخيمة على الاقتصاد الوطني، الذي بدأ يستيقظ شيئا فشيئا من غيبوبته، ليس لأنني من الداعمين لكل السياسات الحكومية، و ليس لأنني منضبط لمنهج نقابة تعتبر الإضراب " أبغض الحلال" ، ولازالت حتى الساعة تناقش "إصلاحات" بنكيران، ومنها إصلاح صندوق التقاعد "بالتي هي أحسن"، ولكن لكون الخارجين يوم 23 شتنبر هم أصلا من تسبب في خروج المغاربة يوم 20 فبراير2011 للمطالبة بالحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية. إن أعداء الأمس-أصدقاء اليوم هم من أوصل المغرب للسكتة القلبية، ولولا الألطاف الإلهية لتحول المغرب في امتحان 20 فبراير إلى سوريا أو اليمن أو تونس أو ليبيا.. و لكنا اليوم نبحث عمن يُسَلحنا للقضاء على بعضنا البعض أو ننتظر قرارات دولية.. و معونات غذائية.. لا تأتي أبدا. إن الخارج يوم 23 شتنبر رفقة هذه النقابات كمن يسير في جنازة جنبا إلى جنب مع القاتل. غير أن هذا الوضع النقابي لا يعطي الحق أبدا للحكومة لكي تمتص ما تبقى من دماء الشغيلة و المستضعفين، و سيكون مصابا بالعمى من لم يرى بعد أيادي الأزمة-بكل أنواعها- تطرق أبواب المغرب، وتهدد النموذج الثالث، الذي ظل بنكيران منذ تنصيبه رئيسا للحكومة يطبل به.