التدبير المفوض دخل حيز التطبيق بالمغرب ابتداء من سنة 1997 ، وقد اعترف المشرع المغربي صراحة بتقنية التدبير المفوض مع القانون رقم 05/54 المتعلق بالتدبير المفوض للمرافق العامة الصادر في 14 فبراير 2006 . وأخذ التدبير المفوض كأحد أشكال التدبير الخاص للمرافق العامة ،أبعادا مهمة مع الإنكباب على إصلاح القطاعات الأكثر إستراتيجية تجلت بالنص على قانون 05-54 الذي هدف من إقراره إقامة محيط تنافسي و فتح عدة قطاعات في وجه المبادرة الخاصة . لكن إذا كان عقد التدبير المفوض من شأنه أن يعفي الدولة من تحمل مسؤولية مرفق عام بتفويضه لأحد الخواص فإن هذا الإعفاء يضعنا أمام إشكالية كبيرة تتمحور حول مدى مسؤولية الدولة في الحفاظ على فكرة مفهوم المرفق العام الذي يشكل أساس و مبرر كل سلطة و كل امتياز تتمتع به . و تزداد حدة هذه الإشكالية إذا كان الشخص المفوض إليه بتسيير المرفق العام هو شخص همه الأول والأخير تحقيق الربح و لا شيء سواه .فهل استطاعت الدولة أن توفق بين واجبها في حماية المرفق العام و إشباع الحاجات العامة للمواطن وبين مسايرة الركب الاقتصادي العالمي عبر تفويت المرافق العمومية للقطاع الخاص لتحسين مردودية و جودة خدماتها مع ضمان حقوق العمال. كما هو متعارف عليه لاستجلاء الحقيقة يستوجب منا الانطلاق من تجارب واقعية وحقيقية كما هو الشأن في الحالة التي نستعرضها في المقال عن واقع التدبير المفوض بكليميم وهو متعلق المديرية الجهوية للتجهيز والنقل بكليميم المتعاقدة مع شركة SNJH الكائن مقرها " كلم 14 طريق القنيطرة ، سلا " المكلفة بأعمال النظافة والحراسة بهذه الإدارة وبموجب هذا العقد تستفيد الشركة من مبالغ ماليه مهمة لمدة زمنية محددة وكما هو معلوم لدى القاصي والداني بكليميم أن الفوز بهذه الصفقات المربحة "الكعكة" كما يصطلح عليها محلياً لا يكون سوى من نصيب الشركات المحظوظة وعلى ظهور العمال والعاملات وإستغلالهم بأبشع الطرق دونما أي حس قانوني أو حتى إنساني يضمن كرامة العامل وحقوقه. وبتفصيل أكثر نوجز لحالة من بين مئات الحالات المشابهة التي تنتهك فيها حقوق العاملات بالخصوص وبشكل مستمر أمام السلطات المعنية في غياب أي تدخل لحماية العمال أو متابعة حسن إلتزام الشركة المعنية ووفائها ببنود العقدة المبرمة في شقها المتعلق بظروف العمل . أجرة هزيلة وطرد تعسفي داخل المديرية الجهوية للتجهيز والنقل بكلميم تحكي العاملة المسماة (ف.أ) الحاملة للبطاقة الوطنية رقم 60118 JAبمرارة معاناتها والحيف الذي لحقها والوضع الاجتماعي البئيس الذي تعيشه وهي أرملة أم لطفلين،تعمل كمنظفة بمديرية التجهيز بكليميم لمدة تجاوزت 3 سنوات مع الشركة "SNJH " في غياب أي إطار قانوني أو وثائق لدى المعنية تثبت العلاقة التعاقدية مع الشركة والعمال اللهم بيانات وكشف حساب الأجرة التي تحول لحسابها البنكي الخاص والمحددة مؤخراً في مبلغ 964 درهم، في حين أن بداية اشتغالها كانت تحصل على الأجرة من خلال عامل أخر يسلمها مبلغ 800 درهم يداً بيد كل شهر، وتحكي بألم "كايعطيونا 800درهم ويفرضوا علينا نخلصوا 100 درهم كل شهر مصروف جافيل والصابون وسانيكروى..." هنا يظهر جلياً مدى الاستهتار والاستغلال الممارس تجاه هذه الشريحة . في المقام الأول وعلى رأس هاته الانتهاكات تأتي الأجرة الهزيلة التي لا تتجاوز 864 درهم حالياً في الشهر مقابل 4 ساعات من العمل يومياً وفي ظروف جد قاسية تشمل تنظيف كل مرافق الإدارة والقيام بأعمال البستنة وتنظيف حدائق الإدارة. هذه الحالة التي أخذناها كنموذج لواقع إختلالات التدبير المفوض عموماً و بكليميم خصوصا تعرضت لطرد تعسفي اليوم 8 ماي 2014 من قبل الشركة دون أي سابق إنذار والإجهاز على كافة حقوقها القانونية - المادية أمام أنظار مسئولي المديرية الجهوية للتجهيز والنقل بكليميم. لما لم تتدخل السلطات المعنية لفرض احترام القانون بهذا القطاع؟ أليس الحد الأدنى للأجر من الحق العام كما يقال؟ ألا يترتب عن عدم التصريح بالأجراء لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي جزاءات و عقوبات في حق المشغلين المخالفين؟ في الوقت الذي نجد الدولة تتحدث عن القطاع الخاص ودوره المهم في التشغيل والإلتزام بالحد الأدنى للأجور ومؤخراً يتم الحديث من قبل الحكومة المغربية عن رفعه في القطاع الخاص بنسبة 10% على مرحلتين وفي القطاع العام رفع الحد الأدنى للأجور ليصل ل 3000 درهم. هنا مفارقة عجيبة عندما تنتهك حقوق العمال والعاملات من طرف شركات تعاقدت معها الدولة وتفوضها تدبير المرافق العمومية وفق شروط وإلتزامات قانونية محددة ولم تستطع بالتالي ضمان أبسط حقوق العمال واحترامها من قبل الشركة المعنية،فكيف لها بضمان الإلتزام بهذه الحقوق والعقود من قبل شركات لا تربطها بالدولة أية علاقة تعاقدية؟ في الأخير يتضح أن التدبير المفوض يشكل نقطة سوداء في جبين الدولة المغربية من خلال تكريس وشرعنة مثل هاته الانتهاكات وقد ذهب البعض إلى حد الحديث عن تواطؤ الإدارات العمومية والشركات في هضم حقوق العمال و استغلالهم ببشاعة وتكريس مفهوم اللاحقوق واللاقانون عوض العمل على تحسين ظروف العمال الاجتماعية والاقتصادية والقانونية بشكل يضمن الكرامة والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان.