عرضت مؤخرا القناة "الأولى" شريطا تلفزيا بعنوان "دموعك... يا فريحة" من إنتاجها و من إخراج المخرجة فاطمة علي بوبكدي. ويتطرق الفيلم لقضية الصحراء المغربية. و من حسنات هذا الفيلم أنه سلط الضوء على بعض الجوانب المظلمة من القضية، و يتعلق الأمر خصوصا بمعانات محتجزي مخيمات تندوف و بهمجية ملشيات البوليساريو و بدور الجزائر في تمويل و تأطير النزاع و بمشكل إنشقاق بعض القبائل الصحراوية خلال البدايات الأولى للنزاع وانضمام بعضها إلى البوليساريو. كما تم التركيز في الفيلم على نماذج تمثيلية من هذه المعانات وهي: الإحتجاز، التعذيب، تشتيت الأسر، الحصار، التوزيع غير العادل للمساعدات الإنسانية و بيعها في الأسواق الإفريقية... وغيرها من أشكال هدر حقوق الإنسان. و لكن ثبت بما ليس فيه أدنى شك أن الفيلم المذكور قد شوه اللهجة الحسانية إن لم نقل أهانها. وقد نددت جمعيات ثقافية و حقوقية بما أسمته استهتار القناة الأولى بالموروث الثقافي للمواطن الصحراوي من خلال إنتاج و عرض الفيلم المذكور والذي تراه يساهم في طمس اللهجة الحسانية و تحريفها بشكل ينم عن إستهزاء واضح و مقصود بساكنة الأقاليم الجنوبية و يجعل لهجتهم أضحوكة لدى الرأي العام في تبخيس و تحقير واضح لهذا المكون الثقافي. عندما تبكي "فريحة": لنتصور طاقما فنيا -لا يحترم- نفسه أخرج لنا إلى الوجود عملا فنيا بلغة فرنسية ركيكة أو بلغة إنجليزية رديئة، من سيشاهده؟ ما قيمة هذا الفيلم إذا كان بنص أمازيغي رديء تكلم به ممثلون لا يتقنون النطق به، فكيف لهم أن يعبروا به عن أحاسيسهم و يعكسوا من خلاله مشاعرهم. ففي مثل هذه الأعمال قد أسندت الأمور إلى غير أهلها، خصوصا وأن بعض السينمائيون يدعون أنهم يتقنون كل شيء و قادرون على أداء جميع الأدوار تماما كالعشاب الذي يدعي زورا أنه بخلطة واحدة يداوي جميع الأدواء.أليس هذا هو حال أهل "فريحة"؟ بعض الممثلين الذين ظهروا في الفيلم المذكور كانوا، في أعين الكثير من مشاهدي الإعلام العمومي، نجوما مرموقين، و لكن في هذا العمل ظهروا و كأنهم مكبلين. طبعا لهم حرقة على الصحراء و على الوطن و لكن خانتهم اللهجة و خانهم اللسان. إن استعمال اللهجة الحسانية في هذا الفيلم من طرف ممثلين لا يتقنونها جعل انتباه هؤلاء يتركز على النص. و عندما نتأمل في الفيلم و سياقه نحس و كأنه تسكنه رغبة متسرعة في ضرب عصفورين بحجر واحد. إنها إذن لهفة جامحة ليحظى بقصب السبق في إدماج اللهجة الحسانية و معالجة قضية الصحراء في آن واحد. و النتيجة هي أنه لم يفلح في ذلك، فما هكذا تورد يا زيد الموارد. "فريحة" في جغرافية الصحراء هي طائر صغير و جميل و اجتماعي لكونه يأنس بوجود الإنسان في الحواضر و في المراعي. و "فريحة" في ثقافة الصحراء هي رمز التسامح و الخير و التباشير والمودة والسلام. أما "فريحة" الواردة في الفيلم المذكور فهي كمثل عروس جميلة إسمها "الصحراء المغربية"، فحبا فيها و غيرة عليها أراد أهلها قبل زفها أن "يكحلوا لها عيناها صدقوا عماوها"، و عيناها هنا هما "الحسانية". أهل فريحة غايتهم نبيلة و في هذا عبرة، لقد خانتهم العبارة التي كان بالأحرى أن تكون وسيلة سليمة للتواصل. المشكل هو أن يتحول الفرح إلى ترح وأن يؤدي مثل هذا العمل الفني مفعولا عكسيا خصوصا في أهل الصحراء. بكاء العروسة و دموع عينيها وجهان لكرب واحد: عندما نتأمل فيلم "دموعك يا فريحة" نفهم أن إنهمار دموع الحسانية مفاده شيء واحد هو بكاء الصحراء المغربية. و السبب هنا لعله خذلان الفيلم نفسه لقضيتها، فذرفت الدموع فيه قبل أن تذرفها عليه. نحن فهمنا لماذا البكاء فيه و لكن لماذا إذن البكاء عليه؟ الجواب؛ لأنه لا يخدم القضية –كما يجب- لا من بعيد و لا من قريب. فالفيلم يحتوي على مشاهد تمثيلية جد تبسيطية شبيهة بمقاطع مسرحية على ركح ضيق دون أن ننسى غياب التشويق و ضعف الحمولة السياسية و الإجتماعية لمحتوى بعض الحوارات و التي لا يتسع المجال لبيان مدلولاتها، كما يحتوي على بعض الإكليشيهات غير الواضحة. الفيلم ناقص شكلا و مضمونا، و يعاني ضعفا في الإخراج و السيناريو و التمثيل، و لكن الطامة الكبرى هي نص قوامه لغة متكلف فيها تعوزها الفصاحة و السلاسة والتلقائية و الحركات و القسمات و النفس، فلغته إذن لا علاقة لها باللسان الصحراوي. و حتى إذا ما فرضنا جدلا أن النص جيد فالممثلين لم تسعفهم ألسنتهم في ضبط مخارج حروفه أو نطق كلماته. و لكن سنحسب لهذا الفيلم جانبا مشرقا واحدا سيحفظ له، جانب يترجمه لسان الحال الذي يقول: " أيها المعنيون... لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير، لأنه من الخطأ يتعلم الإنسان". إذا كانت مثل هذه الأعمال تدعم من طرف وزارة الثقافة ففي دعمها هدر للمال العام لأنها لا تحترم القيم الحضارية الأساسية للمجتمع الصحراوي و لا تعكس الصورة الحقيقية للثقافة الحسانية. أي دور إيجابي إذن يمكن أن تلعبه الهيئة العليا للإتصال السمعي البصري في مراقبة مثل هاته الأعمال؟ لا يمكن بهذه السلبية أن نبقى مكتوفي الأيادي أمام الإنتاجات السمعية-البصرية التي ينتجها أعداد وحدتنا الترابية و التي تعتمد على تقنيات متوسطة و عالية في الجزائر و إسبانيا وغيرهما، فعندهم الفن كله في خدمة إيديولوجيا الإنفصال. يجب تطوير صناعة إعلامية بالأقاليم الجنوبية تتناول الصحراء كفضاء ثقافي و اجتماعي و سياسي خصوصا عن طريق إرساء الآليات و المؤسسات أو البرامج الضرورية لدعم هذه الصناعة، بمساعدة و مواكبة من الخبرة الوطنية، و ليتبوأ فيها مختلف الفاعلين المحلين في المجال السمعي-البصري مكانة هامة و محورية. الكل يجمع اليوم على ضعف تناول قضية الصحراء في الإبداعات السينمائية، و الكل أيضا متفق على ضعف الإبداع في الأفلام التي تناولتها شكلا(تقنيات الصوت و الصورة والتركيب و الديكور...) و مضمونا(القصة والسيناريو و الحبكة و النص...)... نعم عندنا –و الحمد لله- المخطط الأخضر و المخطط الأزرق و غيرهم من المخططات و المبادرات و العقود/البرامج، و لكن ليس لدينا سياسة سينمائية واضحة و مبنية. سياسة نقطف من ثمارها سينما تصون ذاكرة الوطن و الموروث النضالي لآبائنا و أجدادنا، ذاكرة لا تستطيع المتاحف و الكتب و حدها صيانتها و إن كان الكثير منها ذاكرة شفهية تتهاوى أنقاضها بفقد من تكنها صدورهم. سياسة تهدف إلى تنمية وعي العباد و تربيتهم على حب البلاد ... و تسهر على تنوير الرأي العام بما يحدق بالوطن من مخاطر. تساؤلات مشروعة: سنحاول هنا أن نكون محايدين؛ ولن ننظر إلى هذا الفيلم لا بعين الرضى و لا بعين السخط، خصوصا و أن "عين الرضى عن كل عيب كليلة... و عين السخط تبدي المساوئ". و بالطبع نحن لسنا نقادا سينمائيين متخصصين، و لكن من الضروري أن نعبر عن آراءنا في مضمون الفيلم المذكور. من حقنا أن نطرح تساؤلات مشروعة لنقول؛ ما العيب إذا أخرجنا فيلما يتحاور فيه الممثلون باللهجة الدارجة و لو كانوا يؤدون أدوار الصحراويين أو أدوار البوليساريو؟ ألم تخرج إلى الوجود أفلاما تعالج قضايا عظمى و مشاكل إنسانية و ظواهر اجتماعية بلغة غير لغة المجال الذي عرف تلك القضايا أو الظواهر؟ إن هذا الفيلم يعكس بما لا يدع مجالا للشك "أزمة ثقة فنية"، و كأن الإخوة الصحراويين أو الناطقين بالحسانية لا يحسنون التمثيل. ألم يتم بالأمس القريب تتويج الفيلم الحساني "أراي الظلمة" لمخرجه أحمد بادو بجائزة لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة لمهرجان الفيلم الوطني بطنجة في نسخته الخامسة عشر التي ترأسها الباحث الجامعي عبد الله ساعف؟ وهو الفيلم الذي كان من تمثيل طاقات صحراوية شابة و واعدة. ألم يكن فيلم "أربع حجرات" لمخرجه إبراهيم شكيري هو أيضا عملا ناجحا؟ دون أن ننسى التنويه بغيرها من الأعمال الفنية و الوثائقية و بأغلب السلسلات و السيتكومات التي دأبت قناة العيون الجهوية على تقديمها رغم النقائص التي تشوبها. و أزمة الثقة هاته إذا فرضنا أنها فنية فقط فهي طامة أما إذا كانت عامة فهي طامة أكبر. و من غرائب بعض الأعمال الفنية إنها تقل فيها جرعة فضيلة الإبداع و تكثر فيها رذيلة التكرار. و كأن المشاهد الكريم لا يستمتع بالإبداع و لا يستفيد إلا من التكرار. إن في ذلك استغباءا للسادة المشاهدين و ضحكا على ذكائهم و فيه استرزاقا من ممولي الإنتاج و ضحكا على ذقونهم. و فيه -قبل هذا و بعده- جفاءا للوطن الجريح و ضحكا على آلامه. من لهذا الوطن، من غير السينمائيين، من بيد حانية يمسح دموع مواطنيه و خاصة دمعة "فريحة" فيوقد لهم جذوة الأمل؟ من لهذا الوطن من دون الإعلاميين من يخفف الألم، و يتناول قضاياه بحنكة و إنسانية و خاصة قضية الصحراء المغربية؟ تنزيل الدستور: تعتبر الثقافة الحسانية مكونا أصيلا من مكونات الهوية الوطنية لذا فالاهتمام بها وتثمينها أصبح مطلبا ملحا للمهتمين ولفعاليات المجتمع المدني و المجتمع الأهلي ، الذين يأخذون على عاتقهم مسؤولية الحفاظ عليها من غياهب الضياع والاندثار، وذلك بالنظر إلى القيمة التاريخية والحضارية لهذه الثقافة داخل النسيج التراثي الوطني، و هذا ما سيتيحه التنزيل الحقيقي و الديمقراطي للدستور. لقد نص الخطاب الملكي ل 17 يونيو على:" النهوض بكافة التعبيرات اللغوية والثقافية المغربية، وفي مقدمتها الحسانية، كثقافة أصيلة لأقاليمنا الصحراوية العزيزة". و كما ورد أيضا في تصدير(ديباجة) دستور 2011 ما يلي: "المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية - الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية". و نص أيضا الفصل الخامس من الباب الأول منه على ما يلي: " تعمل الدولة على صيانة الحسانية، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الهوية الثقافية المغربية الموحدة، وعلى حماية اللهجات والتعبيرات الثقافية المستعملة في المغرب، وتسهر على انسجام السياسة اللغوية والثقافية الوطنية". فتنزيل الدستور يغطي جميع المجالات بما فيها المجال الإعلامي/السينمائي ولكن بث هذا الفيلم شكل مناسبة سانحة للنقاش العام حول مكانة الحسانية في الإعلام العمومي كمكون أصيل من مكونات النسيج الثقافي المغربي. كما يمثل أيضا مناسبة للنقد البناء لدور الأعمال الدرامية و الإنتاجات الوثائقية و المهرجانات السينمائية في الدفاع عن مغربية الصحراء و الهجوم الإعلامي على خصوم الوحدة الترابية للملكة. الحرب الفنية: وعلى ذكر المهرجانات السينمائية، وفي الوقت الذي فتحت فيه البوليساريو مؤخرا جبهات جديدة من الحرب الفنية و سخرت فنانين غربيين –أوفياء و مأجورين- للدفاع عن أطروحة الإنفصال، ألا يحق لنا أن نتساءل عن الأدوار التي كان يجب أن تلعبها هذه المهرجانات و خاصة المهرجان السينمائي الدولي لمراكش. إذن ما نصيب هذا المهرجان و غيره من الدبلوماسية السينمائية؟ لذلك و من الآن فصاعدا يجب أن تلعب كل المهرجانات دورا هجوميا في القضية. منذ بداية الأزمة في الصحراء أعلنت الحرب الإعلامية بين المغرب و البوليساريو و استمرت هذه الحرب إلى حد الآن. من منا لا يتذكر أولئك الفارين إلى المخيمات كيف غررت بهم البوليساريو عبر إذاعتها واستدرجتهم بمعسول العبارات و أعذب الأغنيات، فحسبوا المخيمات جنة للصحراويين حتى إذا جاؤوها لم يجدوها شيئا؛ كسراب المفازة للعطشان الواهم. كانت البوليساريو تستغل أولئك المغرر بهم لأهداف كثيرة، منها الدعاية ضد المغرب و كسب المزيد من المستدرجين و تكثيف سواد المخيمات و خلق رأي عام محلي مشحون بالأفكار المغلوطة و بعقيدة الكراهية للمغرب. كانت إذاعة البوليساريو تبث مداخلات متشابهة للمغرر بهم، حيث بالإضافة إلى معلوماتهم الشخصية بما فيها انتماءاتهم القبلية يقدمون المملكة المغربية في أسوء صورة ممكنة ويعبرون عن شكرهم لحسن الإستقبال و الضيافة في مخيمات تندوف و عن انبهارهم بالرقي الذي وصلت إليه الجمهورية المزعومة. من عجائب إذاعة البوليساريو أنها تنتج أمداحا تبثها يوم الجمعة يبدأ المادحون بمدح المصطفى (ص) و الصحابة المجاهدون رضوان الله عليهم لينتقلوا بتلقائية بارعة إلى مدح قيادة التنظيم ومجازر ملشياته. إضافة إلى هذا كان للشعر الحساني مكانة خاصة في الحرب الإعلامية ضد و حدتنا الترابية. في مقابل هذا، و من غرائب إعلامنا الوطني أن الرد بإنتاجات مكافئة أو بإبداعات وحدوية غالبا ما يأتي جد متأخرا عن طريق الإذاعة الوطنية أو الإذاعة الجهوية بالعيون. فإعلامنا العمومي لم يستعمل إلا القليل الأقل من الإمكانات المتاحة و الممكنة في الدفاع عن مغربية الصحراء و يبقى أمامه الكثير. أي دور للقطب الإعلامي العمومي؟ في القطب الإعلامي العمومي ليست اللهجة الحسانية وحدها من ذرفت الدموع. و بسبب النص يتحول هذا الفيلم، لدى المشاهد الصحراوي من عمل درامي يمحت من الواقع الموضوعي أحداثه إلى سيتكوم كوميدي إتخذ اللهجة الحسانية موضوعا للفكاهة عن طريق التقليد. إنه التقليد ذاته الذي يدفع المشاهد الصحراوي إلى الإحساس بنوع من التهكم و الإزدراء، خصوصا عندما يسمع خلال مشاهدته للفيلم مصطلحات لا معنى لها في الحسانية(عبارة وانضكهم على سبيل المثال). لذلك يرجى عدم إعادة بثه. و لكي لا يضيع المجهود المعتبر الذي بذل في سبيل إخراجه، يمكن دبلجته إلى الهجة الحسانية الحقيقية و إلى الدارجة وإلى العربية و إلى الأمازيغية، حتى لا تكون الدبلجة فقط في خدمة الأعمال المكسيكية و التركية. كما يمكن دبلجته إلى اللغات الأجنبية كالفرنسية و الإسبانية و الإنجليزية لكي نستهدف الدفاع عن مغربية الصحراء في المجتمعات الناطقة بها. طبعا كل شيء ممكن،و لكن أول المعنيين بالدفاع عن مغربية الصحراء و بالتوعية و التأطير هو مجتمعنا المغربي، و هو الدور الذي يلعبه القطب الإعلامي العمومي. ولكي يلعبه كما يجب عليه أن يضبط لغة البوليساريو، فمن عرف لغة قوم أمن مكرهم، و حينها سينازعهم في تأطير مجتمع المخيمات. إنه الدور نفسه الذي كان من المفروض أن تلعبه قناة العيون الجهوية في صفوف فئات المجتمع بالأقاليم الجنوبية و فئات المجتمع بمخيمات تندوف و بالأقطار المجاورة(موريتانيا و إسبانيا و المجتمع الجزائري) و في صفوف الجاليات... و كذا في العالم(الغربي و العربي) و لما لا؟ الكل يجمع على تراجع أداء هذه القناة و جودة برامجها، فهي تعاني نقصا حادا في تغطية الانشطة التي تعرفها الاقاليم الجنوبية و عدم القدرة على التماهي مع اهتمامات و تاريخ المجتمع الصحراوي. فقناة العيون الجهوية تشبه أسماك الأحواض المائية الزجاجية التي تولد صغيرة و تحيى مدللة و لا تكبر البتة. فبثها انحصر في ست ساعات على قمري عربسات و هوتبورد، كان بالأجدر بها أن تزداد مدة بثها سنة بعد أخرى حتى تتم البث على مدار اليوم، وتنتقل للبث على أقمار صناعية أخرى، و تخصص مدة للتواصل باللغة الإسبانية. من يتأمل جيدا حال قناة العيون يتأكد أنه ما كذب من عير إعلامنا العمومي بلقب "القطب الإعلامي العمومي المتجمد". و إذا كان هذا القطب العمومي قد تجمد رغم مجهوداته، فإن "المركز السينمائي المغربي" قد تبخر، و لما لا؟ أي دور للمركز السينمائي المغربي؟ بعض المخرجين -سامحمهم الله- يشبهون إلى حد كبير بعض السياسيين. فهناك مقولة للمفكر الأمريكي الساخر مارك توين (1835- 1910) يقول فيها: "إن السياسيين مثلهم مثل حفاظات الأطفال، يستبدلون في كل مرة و لنفس الأسباب". وهذا هو حال بعض المخرجين الذين يلزم استبدالهم لأن بطونهم وجيوبهم قد تلطخت بفتات الإسترزاق الفني من الإنتاج السينمائي. وعلى ذكر الإنتاج السينمائي، يحق لنا أن نتسائل عن دور المركز السينمائي المغربي بشكل عام كمؤسسة عمومية وعن دوره في الدفاع عن مغربية الصحراء. و يحق لنا أن نؤكد بأنه يدعم بعض الأعمال السينمائية كما يدعم صندوق المقاصة بعض المواد كالغاز و الخبز و السكر. ففي الوقت الذي لا أحد يمكنه أن يشكك في أهمية هذه المواد لعيش المواطنين، يتسائل أغلب الناس عن أهمية الأعمال السينمائية المذكورة في تأطير المواطن و في خدمة المجتمع و الدولة. بيت القصد هنا هو أن المركز المذكور يدعم أعمالا فنية لا تستحق الدعم بسبب ركاكتها؛ أعمالا تتلذ بنزع ما تبقى من أوراق التوت الأخيرات العالقة بعورة هذا المجتمع المسكين، أعمالا ينسحب بعض الممثلون و المخرجون و الناقدون أثناء عرضها و آخرون قبل بدايته. لماذا لا يدعم أعمالا سينمائية تؤرخ لبطولات المقاومة و جيش التحرير؟ لماذا لا يدعم أفلاما تحتفي بأمجاد الدولة المغربية مع الموحدين و المرينيين و العلويين؟ من لنا إذن بسينما تربينا على أمجاد محمد الزرقطوني أو موحى أوحمو الزياني أو أحمد الحنصالي أو عبد لكريم الخطابي أو علال الفاسي و غيرهم؟ و إذا ما ذكرنا الصحراء فمن لنا بأفلام تحتفي بمجد المجاهد الشيخ ماء العينين و المقاوم أحمد الهيبة و المناضل سيدي ابراهيم بصيري أو بانتفاضة الزملة التاريخية و معركة الدشيرة الخالدة أو بغير ذلك من الأحداث و الأعلام. أخيرا... و ليس آخرا: مشاكلنا نحن المغاربة عندما تتأملها جيدا تجدها في الحقيقة مشكلة واحدة يلخصها المثل الشهير؛ "مغنية الحي لا تطرب". لنوضح هذا بقدر من التبسيط و على سبيل الفكاهة. ففي مجال البيئة لأهل لبنان شجرة أرز واحدة و لحظوتها عندهم وضعوها في علمهم، بينما تركنا نحن أكبر غابة منه عندنا تضيع أمام أعيننا. و لأهل ليبيا مقاوم شهير واحد إسمه عمر المخطار ولمكانته عندهم خلدوا ذكر مجده في السينما العالمية بمساعدة المخرج العتيد مصطفى العقاد رحمه الله الذي كان ضحية عمل إرهابي جبان و الذي رغم كل ما أبلى من بذل في مقاومة تشويه سمعة العرب و المسلمين في هوليود لم يجد من يكرمه أو يترحم عليه. فنحن المغاربة نعاني من عقدة النقص وعقدة الأجنبي و جسامة الإهتزاز في النفسين الفردية و الجماعية و قلة الثقة في بعض فئات المجتمع و وفرة الإحتراز في التطلع إلى مستقبلنا و قلة الإعتزاز بحاضرنا و كثرة الإشمئزاز من ماضينا رغم أنه حافل بالأمجاد. و ماضينا هذا بحلوه و مره غني برجالاته أو لنقول غني بأجدادنا؛ فما أكثر منجزاتهم و لكننا للأسف لم نحتفي بهم و لم نحتفي بها، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، و نظرا لكثرة الدعم المقدم للفئات و للهيئات من المال العام، وجب ترشيد الدعم و جعله مشروطا قبليا و بعديا بتحقق شروطا واضحة و أهدافا مسطرة، و أن أي إنحراف عن الأهداف يجب أن يؤدي إلى وقف الدعم أو استرجاعه. و على سبيل الإستئناس يجب أن يكون دعم الأعمال السينمائية مشروطا بتحقيق الحفاظ على التراث و التوعية المجتمعية و الدفاع عن سمعة و سيادة المملكة و عن مغربية الصحراء. خلاصة القول: الثقافة الحسانية هي عبارة عن معادلة أساسية داخل منظومة قضية الصحراء، و تثمين هذه الثقافة هو بمثابة جزء من مصفوفة الحل، و كسب رهانها بإدماجها في إنتاجات فنية ناجحة و رائدة هي خطوة إلى الأمام في رفع الشكوك عن مغربية الصحراء. و حينئذ لن تتوقف "فريحة" عن البكاء و النحيب فقط بل ستضحك و تسيل على خدها قطرة أخرى كاللؤلؤ فرحا... هي تماما نقيض "الدمعة التي أفاضت الكأس".