جاءت نتائج توقّعات انتخابات (07) أكتوبر سليمة بإقليم تيزنيت، بعدما أصابها غبش دخول ال"تراكتور" طرفا في الصّراع، حاملا معه آمال فئة قليلة تعتبر المنطقة مُجرّد ضيعة انتخابية تُباع وتُشترى فيها الرّؤوس كأيّ رحبة من هذه الرّحبات التي ينصبها بائعو الأغنام في سوق أسبوعي. وعلى هذا المعطى، بنى الكثيرون ما يشغل حدسهم، وتيقّنوا من ضمان هذا الكائن الانتخابي مقعدا برلمانيا، ببسط نفوذه على "أزغار"، بما يمتلكه من مٌقوّمات نجاح مُفترضة هنالك (وعود كبار الاعيان)، ويترك "أدرار" لأصحابه الذين اشتغلوا عليه بذكاء سياسي استراتيجي غير مسبوق، ويُقطع الطّريق على حزبي "العدالة والتنمية" و"الاتّحاد الاشتراكي"، وتتحقّق بذلك نبوءة مهندسين "كبار" للخرائط الانتخابية بالإقليم، وبعدها "مريضنا ما عندو باس" !. لكن، ما لم ينتبه له هؤلاء، هو أنّ ظهر الحمار قصير، و"اللّي يحسب بوحدو إشيط ليه الحساب"، والمياه تغيّرت، فسكّان "تيزنيت" يُطلّون على مساحات من الإعلام الجديد بين الفينة والأخرى، ويتابعون باهتمام تدبير الشأن العام، ويعرفون أحوال ال"تراكتور" الذي لم يتخلّص بعد من خطيئة النّشأة الأولى على الصّعيد الوطني، وأحوال قياداته أكثر من أيّ وقت مضى، ويحفظون فيديوهات قصيرة عن "إلياس العماري" و"عبد الإله بنكيران" في ذاكرة هواتفهم الذّكيّة أكثر من غيرهما. ويتذكّرون بمرارة رجالا من ورق مرّوا عليهم في محطّات انتخابية سابقة، وأطلقوا وعودا لم يحصدوا منها غير الرّيح، منهم من جاء من بعيد على ظهر الأعيان وسماسرة الأرقام، ومنهم من جاء على ظهر المال والأعمال، وجميعهم كانوا وما زالوا عبرة يُضرب بهم المثل في أيّ استحقاق. في فترة الحملة الانتخابية الماضية، بدا التّوتّر واضحا على زعيم "التجمّع الوطني للأحرار" بالإقليم "عبد الله غازي" ومعه في ذلك منتخبون جماعيّون يُساندونه ويقفون إلى جانبه على منصّات الدّعاية في الأسواق الأسبوعية، يعرفون تمام المعرفة معنى دخول طرف ثالث في الصّراع، ويعون بواقعيتهم المعهودة وممارستهم الميدانية قدرة "البام" على التهام حصصهم في أيّ رُكن من أركان الإقليم، بإمكانات قد لا يستطيعون توفيرها، ووسائل لن يجدوا طريقا إلى توظيفها. فلا نكاد نجد جماعة قروية إلاّ وفُتح فيها مقرّ لانطلاق الحملة الزّرقاء، بعتاد لوجستي وبشريّ كاف لقلب المعادلات في آخر لحظة –أو هكذا يبدو على الأقلّ-، ولا يخلو سوق أو تجمّع بشري من شعار "الأصالة والمُعاصرة"، وهو سبب كاف ليتنبّأ الجميع بقدوم "التراكتور" في موسم غير موسم الحرث…
ولا يخفى على أحد، قيمة "الأحرار" في "أدرار"، ومكانتهم الاعتبارية لدى جلّ السّاكنة، بعد أن تمكّنوا من إعادة تشكيل الوعي الجمعي السّياسي في الرّابع من سبتمبر، وإزاحة الأعيان في الطّريق، بكفاءات جمعوية ومدنية يُعترف لها بالكفاءة والنّزاهة، والتّمكّن في المجالس المنتخبة كبديل عن "الدّينصورات" التي عمّرت طويلا في التّسيير بطرق بدائية دون أن تُواكب المُتغيّرات حولها. وليست هذه بمثابة حقيقة ثابتة في حزب "عصمان" على الصّعيد الوطني، بقدر ما هي استراتيجية خاصّة نهجها ورثته على مستوى الإقليم، بصيغة الأحزاب الشّعبية التي تُوفّر لنفسها حاضنة شبابية ومدنية ونسائية، وقد نجحت في ذلك لحدود اليوم. أمّا حزب" العدالة والتّنمية" بلائحة "عبد اللّه بوغضن" فليس عليه أن يخاف على رصيده بالإقليم، ما دامت "تيزنيت" المركز تُوفّر خزّانا انتخابيا مُستقرّا ، ووجود هياكل تنظيمية قويّة لا تُوجد عند غيره من الأحزاب. كما أنّ سياسة الانفتاح التي نهجها هذا الحزب سنة 2015، جعلته يطرق أبواب العالم القروي بخفّة، ويُبادر إلى إنشاء هياكل محلّية قادرة على التّأطير السّياسي بإمكانات بسيطة، وتُحقّق وجودها المعنوي والاعتباري، وهو ما خلق مُفاجأة كبيرة لدى الكثيرين بعد فرز الأصوات، وجعلهم يتنبّؤون بإقليم يتربّع على عرشه مصباح "العدالة والتّنمية" على المدى المُتوسّط. إلى جانب هذا، ثمّة حملة دعائية مدفوعة المصاريف قام بها بعض أنصار "الأصالة والمُعاصرة" صراحة، بالتّشكيك في شعارات ال"تراكتور" وادّعائهم بأنّهم "غير مخلصين نهاراتهم". كما أنّ توظيف وسائل عتيقة في الحملة الدّعائية، والتّصرّف بسذاجة في انتقاء الشّخوص في الزّمان والمكان المناسبين، والاعتماد عليهم وعلى أفكارهم قادتهم إلى حائط مسدود. ليبقى أثر "عبد اللّه الفوا" في النّفوس أشدّ وقعا من كلمات "بنشمّاس" وهو يعتلي منصّة ساحة "المشور"، وهو ما قد يعني ضمنيا أُفول ال"تراكتور" ب"تيزنيت" الذي لا يستطيع العيش خارج نطاق التّسيير، وهي المُهمّة التي خُلق لها وظيفيّا نهاية العقد الماضي.. (يُتبع)