أقدمت وزارة المالية، للمرة الثانية على التوالي، على خصم اقتطاعات جزافية من أجور نساء ورجال التعليم بجهة سوس ماسة درعة، الاقتطاعات الأولى تزامنت وعيد الأضحى المبارك، حيث تزيد الحاجة بصورة حادة، إلى مصادر تمويل تمكّن من تغطية المصاريف الإضافية للعيد، إلا أن الوزارة فضلت عدم الاكتراث لحرمة هذه المناسبة الدينية ودلالتها الروحية والاجتماعية لدى المواطنين عامة ورجال التعليم خاصة، فقامت عبر هذه الخطوة الغير محسوبة إداريا، بتضمين هذه الاقتطاعات رسالة سلبية مفادها أن الحكومة لا تتقاسم وإياكم نفس الهواجس والهموم. وقد تمكن رجال التعليم بالجهة من استيعاب هذه الرسالة ببيانات نقابية توعدت فيه الوزارة الوصية بتسطير محطات نضالية نوعية في حالة ما إذا لم يتم إعادة المبالغ المقتطعة لذويها في أجل أقصاه متم نونبر المنصرم، وهكذا استسلم موظفوا التعليم لقدرهم، ومر العيد السعيد بما له وما عليه من حوادث اجتماعية عديدة. وها نحن في شهر دجنبر، نفاجأ مجددا باقتطاعات مماثلة عمّتَ أجور من يرفعون لواء العلم والمعرفة بالمغرب غير النافع، وتراوحت قيمته بين 200 و 2000 درهم حسب درجة ورتبة الموظف، في وقت تشهد فيه البلاد حمى زيادات غير معهودة في أسعار المواد الغذائية، وفي فترة تعرف تنامي موجة برد قارص في القرى والمدن، تستدعي القيام بالعلاجات الضرورية للوقاية من شتى أنواع الأنفلوانزا والأمراض الفتاكة. العديد من رجال ونساء التعليم يتساءلون عن الأسباب الكامنة وراء إجهاز الوزارة على هذه الجهة دون غيرها. هل لأن جهة سوس ماسة درعة هي الوحيدة التي تُضِرب في المغرب؟ ألا يعتبر هذا الاقتطاع انتقاما من رجال التعليم بالجهة وردا على احتجاجاتهم بالمجالس الإدارية على المسؤولين بالأكاديمية والوزارة والنيابات؟ لماذا سهلت الوزارة "الإفلات من العقاب" بالنسبة للمسؤولين الذين تم إعفاؤهم بعد ثبوت تورطهم في قضايا فساد؟ هؤلاء المسؤولين الذين تستعد الوزارة لتنصيبهم في مسؤوليات أرقى من التي أعفوا منها!!! لقد تفضل وزير المالية مشكورا، باستثناء وزارة التربية والتعليم من تخفيض 10 % من ميزانية تسييرها من بين كل الوزارات، لا لشيء سوى لأنه يعلم علم اليقين أن هذه النسبة سيستردها عبر الاقتطاعات المتتالية من أجور موظفي الوزارة بالجهة، والبالغ عددهم أزيد من 33 ألف موظف. في يوليوز الماضي، تحدث صاحب الجلالة في خطاب العرش عن العراقيل الديماغوجية كتشخيص دقيق لما يعتري منظومتنا التعليمية من عيوب، قائلا:" إن النظام التعليمي، الذي طالما واجه عراقيل ديماغوجية، حالت دون تفعيل الإصلاحات البناءة، سيظل يستنزف طاقات الدولة، ومواهب الفئات الشعبية، في أنماط عقيمة من التعليم، تنذر بجعل رصيدنا البشري عائقا للتنمية، بدل أن يكون قاطرة لها". إن من يعمل اليوم على وضع عراقيل ديماغوجية أمام مسيرة البلاد التعليمية لهي هذه الحكومة التي رتبت قطاع التعليم العمومي في الدرك الأسفل من أولوياتها رغم الشعارات الجوفاء التي تعلنها. إن العراقيل الديماغوجية التي وردت في خطاب جلالته، نراها اليوم تتحقق على أرض الواقع، من خلال الإقدام على استباحة حرمة أجور الكادحين من رجال ونساء التعليم بدون وجه حق وفي خرق سافر للمساطر الإدارية الجاري بها العمل. حيث أن الإدارة ملزمة، وقبل مباشرتها لأي اقتطاع محتمل من راتب الموظف، أن توجّه استفسارا للمعني حول أسباب الغياب، ثم تُمهله حتى يدلي برده كتابةً، وبناء عليه يمكن للإدارة أن تتخذ الإجراء الملائم في حق هذا الموظف مع تعليله. وحينئذ، يتوجب على الموظف المتغيب أن يعبئ وثيقة تثبت استئنافه لعمله إذا تبين أن الاقتطاع مرده إلى غياب، وليس إلى إضراب. إنها الديماغوجية تتجلى اليوم في أبهى صورها من خلال خرق المساطر الإدارية المعمول بها في المجال، فهذا الإجراء الوزاري غير المسبوق، له خلفية سياسية تستهدف ضرب عصفورين بحجر، أولا رغبة الأطراف التي تقف وراءه في تلغيم الأجواء وتأزيمها ضد الحكومة الحالية في أفق الاستحقاقات المقبلة، وثانيا تهييئ أرضية ملائمة لبروز وافد نقابي جديد على المدى القريب، هذا الوافد الذي سيتصدى لحل مشاكلنا العالقة بالجهة!!! وقد ساهمت الخلفية السياسية للاقتطاعات في وجود ضحايا غير معنيين بهذا الإجراء التعسفي، إذ هناك من لم ينخرط في أي من الإضرابات الجهوية السابقة، ومع ذلك لم يُفلت من العقاب الجماعي، وهناك من لم يتساوى مبلغ الاقتطاع الذي طال راتبه مع زملاء يتساوى معهم في الدرجة والرتبة، بل هناك من سَلِم راتبه من اقتطاع أكتوبر، لكنه أدى ما بذمته للسيد الوزير مضاعفا في شهر نونبر، مما يفضح حجم العشوائية والتخبط المتحكمين في قرارات لم تتأسس بناء على معطيات إدارية مضبوطة. إن المعارك النقابية القادمة مدعوة لتجاوز المطالبة باسترداد المبالغ المقتطعة نحو مطالب أرقى وأبعد تستهدف إسقاط رؤوس الفساد الإداري والمالي في هذا البلد وملاحقتهم قضائيا، فالذين تجرؤوا على النيل من نضال حاملي أنبل رسالة في الكون، ومدوا أيديهم لجيوبهم المثقلة بالديون والأعباء المعيشية، ليسوا أهلا لتسيير شؤون هذه البلاد سواء كانوا داخل الحكومة أم خارجها في قاعة الانتظار. فصمود وتضحيات رجال ونساء التعليم التي تُوِّجت بإسقاط رؤوس الفساد بالجهة قادر على بلوغ أهداف أكبر وطنيا. ويبدو أن جهة سوس ماسة درعة هي الجهة الأكثر تضررا من سياسات الحكومة الحالية، بسبب التهميش والاحتقار الذي طالها، وحصيلة الحكومة في هذه الجهة كارثية بكل المقاييس وفي مختلف القطاعات، فإذا كان وزير التجهيز والنقل قد ألغى مشروع الخط السككي مراكشالعيون الذي تم الإعلان عنه في خطاب ملكي، فإن وزير الإسكان فوّت بدوره مشاريع السكن الاجتماعي بالجهة لغير مستحقيها، أما وزيرا المالية والتعليم فيُمعنان في ضرب القدرة الشرائية لموظفي التربية والتعليم الذين يعدّون قاطرة تحريك عجلة الرواج التجاري بالجهة، ولا ندري ما تضمره الأيام المتبقية من ولاية هذه الحكومة من مفاجئات. محمد وافي – أستاذ.