أن تصير طبيبا في المغرب ، معناه أن تصبح مستفيدا من الأوجاع و الآلام . وحدك من دون المغاربة ستشكر الله كثيرا على نعمة الأمراض ، و فوق ذلك ستسأله أن يزيدك من فضله . يشعر الطبيب عادة أنه أذكى من الجميع ، و على المرضى أن يدفعوا الثمن ، ليساعدوه على الارتقاء سريعا في السلم الاجتماعي ، فليس معقولا أن يعيش الطبيب العبقري دون سيارة فاخرة و لا فيلا فخمة . عندما يدخل الزبون البائس إلى العيادة ، يستقبله الطبيب بالرداء الأبيض الذي يشبه رداء الجزار ، و ترتسم على وجهه ابتسامة رومانسية ، كأنه يستقبل هيفاء وهبي شخصيا . يبادره بالسؤال التقليدي : بماذا تحس ؟ يبدأ المريض في الشكوى من ألم في المعدة أو صداع في الرأس ، ينصت الطبيب بكل خشوع ، ثم يقوم بفحص روتيني سريع ، و قد يسأله عن الوجبات التي ابتلعها بالأمس ، هذا السؤال في ظاهره بريء ، لكنه مجرد حيلة لتحديد المستوى المعيشي للمريض ، و حسب ذلك يقرر الطبيب كمية الأدوية و عدد التحليلات و فترة الاستنزاف . و هكذا يبدأ المسلسل المكسيكي الطويل : « البقرة الحلوب » . كثير من الأطباء يدوسون على قسم أبقراط ، و يضعون أيدهم في أيدي المختبرات و شركات الأدوية و حتى الصيدليات ، لذلك يصفون لمرضاهم أدوية لشركة بعينها ، و ربما ينصحون المرضى بشرائها من صيدلية معينة ، تكون في الغالب قريبة من العيادة ، وذلك بغرض التخلص من الأدوية الكاسدة . زيادة على ما سبق ، يصر الطبيب على إرسال مرضاه دائما لإجراء التحاليل عند المختبر نفسه ، فيظن المريض أنه سيتلقى معاملة خاصة بما أنه جاء بتوصية من الطبيب ، وهذا صحيح ، فثمن التحليلة سيرتفع لضمان نصيب الطبيب المسكين من الكعكة . من جهة أخرى ، يظهر أن الأطباء يعرفون دائما كل شيء ، و لن تجد طبيبا يعطي حماره و يعترف بفشله في تشخيص مرضك ، سيخبرك بمكمن الداء حتى لو اضطر إلى اكتشاف مرض جديد من أجلك . أحيانا قد يكون المرض بسيطا فيما يبدو ، غير أن الطبيب النزيه لا ينخدع أبدا بالمظاهر ، بل يصر على التنقيب بكل حماس و إخلاص ، حتى يجد مرضا ما ، أو شبهة وجود داء يستدعي إرسال المريض إلى أحد المختبرات لإجراء الفحوصات و التحاليل المكلفة . و سيبدأ في وصف أدوية لا تفيد في شيء سوى تسكين الألم ليس إلا ، فما يهم الطبيب فعلا هو إبقاء المريض زبونا وفيا لتغطية مصاريف الرحلة المرتقبة إلى إسبانيا أو المالديف . بعد كل ذلك ، قد يتعب المريض من متابعة العلاج ، فيذهب إلى طبيب آخر له سمعة جيدة حسب شهادة الجيران و أقوال جدتي حلومة . بعد الفحص ، يكتشف الطبيب الجديد أن المرض في الكبد و ليس في المعدة ، و يشرع في توبيخ المريض ، ثم يأمره بالتخلص من جميع الأدوية ، قبل أن يعلن بغضب شديد أنه سيسعى لفصل الطبيب السابق من النقابة ، لأنه جاهل و يستغل المرضى . على أي حال، يبدأ المسلسل الطويل من جديد و لكن باللغة التركية هذه المرة ، أدوية لشركة معينة ، و تحليلات عند مختبر معين . في البداية يشعر المريض بالراحة ، وبعد عام كامل يكتشف ألا جديد تحت الشمس .. يذهب إلى طبيب ثالث ، فيخبره أن المرض ليس في الكبد و لا في المعدة ، و إنما في الحبال الصوتية ! وهكذا تستمر قصة الاستنزاف حتى يأتي عزرائيل و يريح المرضى من وجوه الأطباء . في الحقيقة ، لا يوجد اختلاف كبير بين طبيب عام و طبيب أسنان ، فحين يذهب المريض لخلع ضرس مثلا ، سيحاول الطبيب أن يقنعه بضرورة خلع ضرس آخر ، أو ترميم بضعة أضراس مقابل سعر تفضيلي ، فالطبيب يعشق العلاقات الطويلة ، و ضميره لا يسمح له إطلاقا بالتفريط في زبون جاء إليه بقدميه . و الأخطر من كل ما سبق ، أن هناك صنفا يمتهن الجزارة بدل الطب ، فكثير من أطباء التشريح ، لاسيما الذين يعملون في المستشفيات ، لا يجدون حرجا في اختلاس الأعضاء دون استئذان أقارب الموتى ، و يحصل هذا في الغالب مع جثت المنتحرين و ضحايا حوادث السير . و يبقى هذا الموضوع غارقا تحت التعتيم ، رغم أن هناك سوقا سوداء للمتاجرة بالأعضاء البشرية ، و لنا أن نتخيل سمسارا يعرض على طبيب جشع مبلغ مليون درهم مقابل كِلية ، هل سيرفض ؟ في الأخير ، لا داعي للتعميم ، هناك أقلية من الأطباء تمارس المهنة بشرف .. لكن في النهاية ، الأطباء لديهم نقابة قوية تدافع عن مصالحهم بكل شراسة ، أما المرضى البؤساء فلا يملكون إلا الدعاء على مصاصي الجيوب و أولاد الحرام .