فوق صخرة منتصبة قبالة بحر قرية "إيموران" بمدينة أكادير، تقف فتيات بأعمار مختلفة، تتلقف كل واحدة منهن سبع موجات، اعتقادا منهن، بحسب الثقافة السائدة في المنطقة أن هذا سيجلب العريس الذي لم يطرق باب الأهل بعد، وكلهن أمل في أن يدخلن القفص الزوجي في القريب العاجل. وتتعدد الروايات التي تتحدث عن قرية إيموران، ما بين الارتباط بالحب والعشاق وبين تخليد بطولة الانتصار في حرب لم تكن تبدو متكافئة عند اندلاعها. ويرتبط اسم القرية، التي تعتبر قبلة للراغبات في الزواج على مدار العام، بصخرة تبدو على شكل شبه جزيرة، لها عمق بداخل البحر يبلغ طوله 50 مترا. رقية التفراوتي، واحدة من النساء اللاتي زرن صخرة إيموران بصحبة والدتها، رغبة في "بركة" تساعدها على الزواج. تقول التفراوتي (30 عاما) "ليس لي حظ في هذه الحياة، وسأجرب كما جربت فتيات أخريات، كي أنال بركة المقام والمكان، طلبا في زواج حلال، بنيّة خالصة إن شاء الله". ويشرح محمد بليليض أحد أبناء القرية وجهة نظره عن المكان قائلا "أسطورة الأهالي تحكي أن رجلا وامرأة يحبان بعضهما البعض، فكانت صخرة إيموران مكان التقائهما بصفة دائمة، وصارت شاهدة على حبهما وزواجهما، حتى حملت ذاك الاسم الأمازيغي الذي يعني الحبيبان أو الأحباء". وبحسب بليليض، يسود الاعتقاد بأن "هذه الصخرة هي مصدر حب وزواج، على شكل آلهة الحب في الحضارات القديمة، وعليها تأسس موسم سنوي يحمل اسم إيموران". ووفق المؤرخ أحمد صابر، العميد السابق لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة أغادير، فإن "للمكان شأنا كبيرا بعد أن سقط فيه جنود برتغاليون كانوا يملكون أسلحة نارية عكس أهل البلاد"، مضيفا أن الموقع "يحظى بتقدير خاص يحج إليه أهل المنطقة، للاحتفال بذكرى ذلك الانتصار على البرتغاليين الذي جاء إثر جهاد موفق". وأوضح المؤرخ أن "سر القُدسية التي تنسب إلى تلك النقطة يعود إلى ذلك الحدث التاريخي (الانتصار على البرتغاليين)، وزادتها القدسية ذاتها التي تفسر بإقبال الفتيات الراغبات في الزواج، وبالأحرى العوانس منهن للتبرك بالموجات السبع لموقع إيموران". وتابع "موقع إيموران ارتبط، بتقدير خاص في الموروث الشعبي، بما واكبه من غرائبية وأساطير ليس أقلها توافد الفتيات في سن الزواج، طيلة أيام السنة، على زيارة فجوة كبيرة بذات الصخرة من أجل التبرك". وصار اليوم، يقام في المكان، موسم سنوي، يوم الجمعة الأولى من شهر سبتمبر من كل عام، يفد إليه حجيج النسوة ممّن يتطلعن إلى الظفر بشريك حياتهن، علّهن يتخلصن من الحظ السيئ أو "النحس". وطقوس زيارة المقام والتبرك به لنيل الأماني، يقتضي من الفتاة أول الأمر، النيّة ثم الجلوس في أعلى التجويف الصخري أمام ثقب الصخرة الذي يُكنى لها بالأمازيغية "تامسوفت"، وبعدها انتظار ارتطام الموج بالتجويف من الأسفل، حتى يصعد ماء البحر بقوة نحو الأعلى، حيث تجلس الفتاة. ويستمر جسد الفتاة في تلقي رذاذ الموجات لمدة قد تصل إلى نصف ساعة أو أكثر، بحسب هيجان البحر أو هدوئه لسبع مرات، حتى تبتل ملابسها، "وتحقق شرط الاعتقاد والأسطورة السائد، من أجل نيل بركة المقام والمكان". وبمجرد انتهاء الفتاة من هذه الطقوس، تتعالى الزغاريد عقب خروج كل ثيب من ذات الفجوة وثيابها مبللة، طامحة في أن يكون حظها من العريس قريبا، لتودع حياة "العنوسة" إلى غير رجعة، ببركة إيموارن. ولا يسلُم ذلك المشهد من مزاح شبان يتفرجون عليه يوميا، حيث يرمقون الفتيات اللواتي يسود الاعتقاد لديهن بأن التعرض لموجات صخرة إيموارن الأسطورية، يجلب لهن العريس. ويقول بليليض "قبل 15 سنة، كانت فتيات في عمر ال16 يأتين إلى هذا المكان، حيث كان عيبا لدى الأهالي في القرى والأرياف ألا تتزوج الفتاة في هذه السن غير أن الوضع اليوم تغير، فنرى شابات تتجاوز أعمارهم ال26 عاما يقصدن المقام أملا في بركته ونيلا لحظ الزواج". ويلفت المؤرخ إلى أن "المستوى الثقافي للشابات المترددات على المكان يصل إلى المستوى الجامعي، وينحدرن من الحضر والبوادي والأرياف". وبحسب المؤرخ أحمد صابر، يقام موسم إيموران منذ مئات السنين، وفيه يحدث اللقاء بين الذكور والإناث، بهدف التعارف والزواج. ويبيّن صابر أن هناك تضاربا في الروايات بين من ينسبها إلى جمع كلمة إيموران الأمازيغية التي تحيل على البؤس والشدة أو إلى "موران" (البطل بالأمازيغية) التي تُذكر بإله الحب في المعتقدات الأمازيغية القديمة، أو إلى جمع كلمة "إيميري" التي تعني العاشق.