سيدي إفني تشتعل مرة أخرى... ومرة تلو الأخرى نكتب لنذكّر، لله وللتاريخ أنكم أخطأتم حساباتكم مرة أخرى. بغض النظر عن سبب اندلاع مواجهات بين شباب يائس غاضب والقوات العمومية، وبصرف النظر عن حقيقة وقوف جهات خلف هذه الأحداث كما يخبرنا بذلك بيان عمالة إقليمسيدي إفني، دعونا نتفق على حقيقة مرّة شديدة المرارة، تؤكد أننا إزاء دولة وأحزاب سياسية ونخب لا تستفيد من أخطائها أبدا. لم أستطع مقاومة رغبة شديدة في الضحك عند قراءتي لبيان العمالة سالف الذكر، وبدا لي أن اليد الآثمة التي كتبت "البيان المعلوم" سنة 2005، بعيد انتفاضة 22 ماي، هي نفسها من يقف اليوم خلف بيان العمالة. مرة أخرى، "أشخاص فشلوا في تدبير الشأن المحلي" يحاولون زعزعة أمن واستقرار المنطقة لحساباتهم الانتخابوية والسياسوية وربما خدمة مرة أخرى لأجندات خارجية. مرة أخرى يعلمنا بيان العمالة أن المنتخبين و الأحزاب السياسية، كل الأحزاب السياسية ونقاباتها وجمعياتها تدين "الأفعال التخريبية" التي تعرفها المدينة ومن يقف وراءها ولم أعلم لغاية كتابة هذه الأسطر بحزب واحد أو تيار سياسي واحد من ذات اليمين أو ذات اليسار يقول "كلاما مفيدا" أو رؤية للأحداث بعين مغايرة لأعين السلطات. عندما أصدرت الداخلية قرارها بعزل الأخ محمد الوحداني كرئيس لبلدية سيدي إفني وقبله الأخ محمد عصام كنائب برلماني عن المنطقة، كتبت "شهادة للتاريخ" ضمنته قناعتي أن أشخاصا داخل أجهزة الدولة يعبثون بمصير البلاد وختمتها بقناعة أخرى أن من يزرع الرياح يحصد العواصف على الأرجح. إن أخطر شيء قد يصيب دولة ما ونخبها هو العجز عن رؤية المخاطر القادمة ثم عدم القدرة على الخروج عن الأنماط السلوكية المألوفة التي جربت منذ عقود وأثبتت فشلها. في سيدي إفني وبعد أحداث السبت الأسود وما تلاها من تداعيات دخلنا عن قناعة راسخة في منطق جديد قائم على الشراكة مع الدولة من أجل الخروج بمنطقة سيدي إفني وآيت باعمران من واقع الرداءة التي ترزح تحته منذ عقود. وكنا ندرك تماما أن هذا الدخول له ثمن باهض سندفعه من رصيدنا النضالي، إذ سيتم اتهامنا بمهادنة السلطة خوفا أو طمعا وهي أمور لم يثبتها التاريخ علينا في أي وقت من الأوقات. دخولنا للمؤسسات جاء عن قناعة بجدوى الشراكة والتعاقد من أجل التنمية ومن أجل الإصلاح ومن أجل إعادة الاعتبار للمؤسسات المنتخبة التي عبثت بها أياد المفسدين ورهنتها لحساباتها ولحسابات بعض رجال السلطة الفاسدين. وهو لم يكن في أي من الأوقات دخول صوري كما تريده بعض الأجهزة يقضي في النهاية بالخضوع لحسابات تدبير وضع أمني غير مستقر يرغم الدولة على توزيع الامتيازات على مقاولين ذوي عقليات مافيوزية يرون في كل أزمة فرصة سانحة لمزيد من الاغتناء. دخولنا للمؤسسات لم يكن ضمن حسابات التفاوض والحوار الذي دخلناه مع جهات داخل الدولة وإنما جاء على إثر اختيار أغلبية مطلقة للشعب في واحدة من أجود الجولات الانتخابية التي عرفتها المنطقة والمغرب على الإطلاق كما تدل على ذلك نسبة المشاركة في انتخابات 2009 (أكثر من 80 بالمائة) وكذا نسبة المقاعد المحصل عليها (80 بالمائدة من المقاعد). "الفشل الذريع" الذي يتحدث عنه بيان العمالة هو فشل دولة في الاستفادة من تجربة رائدة كان بإمكانها أن تفتح طريقا ثالثا للمغرب يخرج بها من الوضع القاتم القائم منذ عقود والوضع المحتمل المتجسد فيما نراه من أوضاع غير مستقرة في الجوار. الفشل الذريع هو فشل أحزاب سياسية صورية عاجزة عن خلق نخب حقيقية تؤمن بالفعل الحقيقي الميداني المحلي بدل التراشقات السياسوية والانتظارية القاتلة تمهيدا لانتخابات تضمن لها نصيبها من الكعكة السياسية. بعد إخراج رموز السكرتارية من الصورة وخاصة المزعج "محمد الوحداني" والذي إن اتفقنا أو اختلفنا معه، لن نستطيع التشكيك في نضاليته وفي ذمته، كما لا نستطيع أن ننكر أنه قدم نموذجا لرئيس بلدية لا يمكن إلا أن نحترمه، لم نسمع أحد يكترث للأمر، خاصة أن الطريقة التي تم بها الأمر بدت مهينة للغاية وفيها تطاول كبير للدولة العميقة على الأحزاب السياسية والمنتخبين والنخب والإرادة الشعبية. أربع لجان للتحقيق تحل على المدينة، تحقق في الصغيرة والكبيرة وتدقق في الحسابات وتخرج بملاحظات غير كافية لعزل " رئيس مزعج" بسبب سوء التدبير في ظل واقع يعرفه الجميع هو الفساد العام الذي ينخر البلديات والمؤسسات العمومية للدولة. ثم في النهاية نفضل اللجوء لأقصر الطرق أي عزله على إثر إدانته على خلفية أحداث السبت الأسود والتي تفيد بأنه ورفاقها "زعماء عصابة إجرامية". الأحزاب السياسية المعنية الأولى بالطريقة التي تم بها تدبير هذا الملف، بدت راضية بهذا القرار بما أنه يلتقي مع حساباتها السياسوية. حزب العدالة والتنمية مثلا الذي يفترض أنه متضرر من القرار لأنه فقد مقعدا برلمانيا وموقع قدم بالمدينة، تعامل معه بطريقة تجعلني اليوم أعتقد أن تمة صفقة أبرمت بين الحزب وجهات داخل أجهزة السلطة من أجل طي هذا الملف بالطريقة الرتيبة التي تم بها. ما يؤكد هذا الأمر هو أننا لم نسمع ولو تعليقا رسميا واحدا لمؤسسات الحزب على قرار عزل النائب البرلماني السابق للحزب الأخ محمد عصام باستثناء تأسف بعض أعضاء الحزب على ما أسموه "فقدان البرلمان لرجل من طينة عصام". السؤول الحقيقي هو كيف يسمح بفقدان البرلمان لرجل من طينة عصام الذي هو الآخر قد نختلف أو نتفق معه، غير أننا لا نستطيع الطعن في مصداقيته النضالية أو في ذمته؟ كيف لا نرفض قرارا جائرا بني على إدانة الرجلين بتزعم عصابة إجرامية، من باب أنّ ما بني على باطل فهو باطل لولا حسابا السياسة المقيتة؟ ألم يكن بالإمكان انتظار الانتخابات الجماعية المقبلة مثلا والمراهنة على "المعارضات" التي أصبحت للرجل حتى من بين أغلبيته؟ ألم يكن هذا السيناريو أفضل وأقل تكلفة مما نحن إزاءه اليوم؟ ماهي الرسالة التي قدمتها الدولة في نهاية المطاف، أو الجهات التي كانت وراء هذا القرار وما هو رد الفعل الذي كانوا ينتظرونه؟ الرسالة واضحة وهي أن الدولة عاجزة عن التفكير خارج الأنماط السلوكية المعهودة وأنها لا تبحث بالأحرى عن شركاء يتحملون مسؤولية تنمية مدنهم وقراهم دون وصاية، بقدر ما تبحث عن احتواء النخب وشراء ذممها أو الزج بها في متاهات الصراعات الحزبية المقيتة التي تزيد المشهد السياسي رداءة وعفنا وتزيد أوضاع البلاد تأزما. إزاء هذه الرسالة النكوصية ليس هناك سوى رد فعل واحد متوقّع وهو تراجع الجهة الأخرى عن التزاماتها بالتهدئة وعودتها للشارع، علما بأن حسابات الشارع والمراهنة عليها حسابات خاسرة بالنسبة لجميع الأطراف لأنها تؤكد حقيقة واحدة وهي أن الدولة والأحزاب السياسية والنخب عاجزة كلية عن التطور وعن الخروج من أوهامها المعتمة.