لما أصبح "الريع" الاقتصادي جزءا لا يتجزأ من الممارسة الاجتماعية والثقافية ببلدنا، ترسخ في وعينا الجمعي عجز وكسل كبيرين ساهما في تشكيل بنية اقتصادية تئن تحت وطأة هذا النوع من التصرف المجانب للصواب. ولم يحصل أن وظف "آدم سميث" و"كارل ماركس" عملاقا الاقتصاد السياسي في العصر الحديث هذا المصطلح وفق ما ذهبت إليه النخبة السياسية ببلدنا عقب انتخابات 25 نونبر 2011، إذ اعتبرته وسيلة لامشروعة للتملك والتملص من المسؤوليات، وكانت محاربته جزءا لا يتجزأ من البرامج السياسية للأحزاب التي وصلت إلى مقاليد السلطة، وهو الأمر الذي لم يتحقق لحدود اللحظة. فما زال هنالك موظفون يقتاتون من جيوب دافعي الضرائب دون خدمات في المقابل، وما زالت سيارات الدولة حرة طليقة في شوارع ومدن المملكة تطوي الطرقات طيا دون حسيب أو رقيب وتلتهم معها اللتر تلو الآخر من الوقود الخاضع لنظام المقايسة، وما زالت غالبية المقالع على حالها، رغم اللوائح المذاعة للعلن من قبل وزارة التجهيز والنقل. وقتئذ دشن السيد "عبد العزيز رباح" قنطرة وادي ماسة وصرح بأن جهة سوس تحوي ثروات طبيعية يجب أن تتخذ وسيلة للنهوض بها، لكن ما زالت دار لقمان على حالها ولم تبن بعد آلية توظيف هذه الثروات في منطقة لها ما يؤهلها لتتصدر المشهد التنموي في البلد. والرشوة حاضرة في البنيات الإدارية المريضة رغم القوانين الزجرية التي تُعدل وتخرج للعلن بين الفينة والأخرى. أما المأذونيات كبيرها وحقيرها فمستمرة في عصر جيوب الفقراء عصرا في أبشع تجليات الريع الاقتصادي… وهذه مؤشرات توحي جميعها بتجذر ثقافة رديئة في مجتمعنا نحاول التخلص منها دون جدوى. صحيح أن هذا النوع من التصرفات الاقتصادية ما هي إلا نتيجة حتمية للتوجه الرأسمالي العالمي الذي أمسك بتلابيب الرساميل ووسائل الإنتاج، لكن ميولنا للدعة والكسل غذى فينا روح الاقتيات من عرق الآخرين، وجعلنا نقتنع وهماً بإمكانية البناء الحضاري على أنقاض اكتشافات بترولية يذاع خبرها بين الفينة والأخرى. وبمجرد ورود خبر مؤشرات وجود نفط بسواحل سيدي إفني من المكتب الوطني للهيدروكربورات والمعادن -حسب ما أفادت به بعض المصادر الإعلامية- حتى سارع سكان الفضاء الأزرق نحو رسم صورة جديدة عن مغامرات نفطية تخدم الأجندات الاجتماعية لبلدنا الحبيب. وهو أمر لا يسوغ بحال من الأحوال التنقيص من قيمته في الدلالة على لا وعي تمنى الحصول على ريع النفط عبر توفير الخدم لقضاء أغراضه الدنيوية، والاستعانة بآخر موديلات وسائل النقل في سباقات مجنونة بالفيافي، وقضاء "أوقات ممتعة" صيفا وشتاء على شواطئ البلدان الشقيقة وفنادقها المصنفة، والاحتكام إلى المزاج في التصرف مع الأجانب، واحتكار عالم الرياضة، وشراء فرق كروية أوروبية بما لها وما عليها. واختار البعض إدخال "روتوشات الفوطوشوب" على صوره الشخصية ليتشبه في هيأته بأهل الخليج وشواربهم الكثة وسحناتهم الميالة إلى السمرة، ويسوق عن نفسه صورة الإنسان القبلي الذي ينام على آبار نفطية قسمت وفق المقاس، واستكان للاعتماد على الغير في حله وترحاله، بدءا بسم الخياط وانتهاء بالوسائل التكنولوجية بمختلف أنواعها وأشكالها، وصار عالة على اللاشيء. فكان لزاما الانخراط في هذه الزوبعة الجدلية -ولو من باب المزحة- إلى درجة أني اقترحت لنفسي أسماء وصفات تتلاءم والظرفية المستقبلية المفترضة كما هو الحال بالنسبة ل" الشيخ حمد بن محمد آل صالح".