أوردت جريدة أخبار اليوم في عددها 822 ليومه الخميس، حوارا مع رجل الأعمال كريم التازي المعروف بإمبراطور الأثاث في المغرب، حول التصريحات الأخيرة لرئيس الحكومة عبد الإله بن كيران حول الفساد و التي ميزتها عبارة " عفا الله عما سلف" التي أثارت جدلا واسعا. وفيما يلي نعرض مقتطف من الحوار س: خلف تصريح رئيس الحكومة حول الفساد وخاصة قولته الشهيرة " عفا الله عما سلف " جدلا قويا بين مختلف شرائح المجتمع، ما تعلقك؟ التازي: أنا اعرف رئيس الحكومة جيدا، فهو يتكلم أحيانا بتلقائية و تصريحه ذاك لا يقصد من ورائه أنه تخلى عن مكافحة الفساد، و بالتالي استسلم، كلا. و لكن يمكن أن نستنتج منه أن بن كيران يمر بفترة إحباط بخصوص مكافحة لوبيات الفساد. كثير من المواطنين بالغوا في تحليل قولته " عفا الله عما سلف " وأنا لا أتفق مع ما قيل. علينا أن ندرك أن بن كيران رئيس حزب مؤسساتي وجماهيري، و يختلف عن بقية الأحزاب التي شاركت في الحكومة سابقا. ففي حزب العدالة و التنمية لا يمكن للامين العام أن يتخلى عن التزامات برنامجه الانتخابي بخصوص مكافحة الفساد، كما لا يمكنه أن يتخذ أي قرار في مثل هذه الخطورة، لان وراءه حزب وفريق برلماني وقاعدة يراقبونه. س: هل هذا يعني أن بن كيران يناور؟ التازي: بالفعل، لقد لاحظ الجميع كيف كان بن كيران يتصرف خلال السنتين الأخيرتين، لقد كان خطابه يتغير من حين إلى آخر، وخلال فترات قصيرة جدا، أقصد مواقفه من الياس العماري و فؤاد علي الهمة على سبيل المثال. فهو كان يقول ان الهمة خصم، ثم بعد فترة يطلق تصريحا اخر يقول عنه لطيف، وبعد اسابيع تراه يطلق تصريحا مخالفا يعتبر فيه الهمة رمز التحكم و التسلط. كلام بن كيران هذا مثل أمواج البحر فيه مد وجزر. س: لكنه منذ فترة وهو يقول إنه لن يطارد الساحرات؟ التازي: في المغرب يجب ان يميز المواطن بين الدولة و النظام المخزني، إذ ليس هناك تطابق بينهما دائما كما قد يعتقد البعض. في بلدنا رئيس الدولة هو رئيس النظام، لكن المحيطين به هم رموز نظام و ليس رموز دولة. و العلاقة بين الدولة و النظام ليست دائما علاقة تحالف بل تمر بفترات خلاف. هناك تأتي خطورة بعض لوبيات الفساد التي ترتبط بالنظام بتحالف ضمني، لحاجتهما معا الى بعضهما. تستغل اللوبيات علاقتها تلك بالنظام للإفساد و الاغتناء غير المشروع مقابل خدمات تقدمها للنظام عندما يكون بحاجة إليها لمواجهة خصومه. لكن هل هذا يعني أن الفساد يسيطر على الدولة بكاملها؟ أنا لا اعتقد بهذا. لأني لا أتصور أن جميع الموظفين في إدارة الدولة، وخاصة كبار الموظفين، مفسدون وينتمون إلى النظام المخزني. هناك موظفون سامون شرفاء، لكنهم لا يتحكمون بشكل كامل في الإدارة بسبب منافسة النظام المخزني لهم. وهو واقع تستغله لوبيات الفساد للانفراد بقطاعات بعينها، حتى يبدو وكأننا أمام شبه خوصصة للخدمات العمومية. ويعتبر قطاع العدالة نموذجا بارزا في هذا الصدد، إذ نجد سيطرة كاملة عليه من لدن بعض القضاة الذين تحالفوا مع النظام المخزني، يقدمون له الخدمات التي يحتاجها في مواجهة خصومه مقابل أن يغض الطرف عنهم للاغتناء و الإفساد كما يريدون. نفس الوضع نجده في قطاع التعليم و الجماعات المحلية و كذا في الأجهزة الأمنية. علينا أن ندرك أن رقم المعاملات اليومي، الذي يروج بسبب الرشوة يفوق عائدات قطاع استراتيجي كالفوسفاط، وهذا يعني أن هذه اللوبيات مستعدة للانتفاض ضد كل من يقف ضد مصالحها أيا كان. س: هل التحالفات بين لوبيات الفساد و النظام واعية ومقصودة؟ التازي: لا، هي تحالفات تشكلت عبر العقود الماضية. دائما، وفي مختلف الجهات و المناطق، نجد فئات تخرج احيانا للدفاع عن حقوق غير مشروعة، وفي الوقت ذاته ترفع صورا للملك. فهي تقول من وراء ذلك انها ما دامت تبايع الملك فيجب ان يتركها النظام المخزني تشتغل كما شاءت. س: إذن فانت تتفق مع رئيس الحكومة حينما يقول ان الريع اضحى اسلوبا في الحكم؟ التازي: ما معنى اقتصاد الريع؟، في نظري الريع الحقيقي الذي يعيق الاقتصاد الوطني يتكون من صنفين: ريع العقار عند الاغنياء، وريع الوظيفة عند الطبقة الوسطى التي تشتغل في القطاع العام. وخطورة هذين الصنفين اكبر بكثير من ريع المأذونيات او رخص الصيد في اعالي البحار او مقالع الرمال وغيرها. محاربة اقتصاد الريع أي لوبيات الفساد صعب للغاية، واعتقد انه ليس رئيس الحكومة وحده من ابان عن حيرته، بل لي اليقين ان الملك نفسه لديه رغبة كبيرة في تقليص قوة و نفوذ تلك اللوبيات، لكن الامر تغول الى الحد الذي اصبح فوق طاقة اية سلطة. لقد اضحى الفساد سرطانا اخترق كل الجسم الاقتصادي و الاجتماعي المغربي. وهذا يعني ان اخطر اعداء النظام هي لوبيات الفساد ان هي انقلبت عليه. علينا ان نتذكر قضية منير الرماش الذي اعتقل بتهمة الاتجار في المخدرات قبل سنوات، اذ اثناء التحقيق معه تم اعتقال ثلاثة قضاة ثبت تورطهم في الارتشاء ولهم صلة به. حينها كان الملك يتابع شخصيا الملف، ولما تم توقيف القضاة الثلاثة حصل ذلك بقرار من الملك، لكن ما ان حصل الاعتقال حتى انتفض الجسم القضائي كله تضامنا مع القضاة المعتقلين. كانت رسالة الجهاز القضائي الى الجميع انه لن يقبل المس به من اية جهة كانت. لهذا قلت انفا ان من اقوى لوبيات الفساد اليوم هي تلك التي توجد في جهاز العدالة، وهي لوبيات متحالفة ضمنيا مع النظام، ولكن في الوقت نفسه مستعدة للانتفاض ضده ان هو هدد مصالحها. لذلك اتصور ان بن كيران اليوم يوجد وسط بحر من الفساد، وربما هو الان في حالة احباط ، لكنه سيناور ولن يستسلم ما دام وراءه حزب قوي ويسنده. تتمة الحوار على جريدة اخبار اليوم