تشهده الميادين السوسية خلال هذه الأيام نقاشا عموميا حول الأرض وما تزخر به من موارد طبيعية من مياه وأشجار ومعادن ومواد المقالع. توجت بمسيرة شعبية ضخمة احتضنتها مدينة الدارالبيضاء يوم الأحد 25 نوفمبر 2018 شاركت فيها فعاليات المجتمع المدني من مختلف مناطق المغرب وخاصة من أقاليم سوس إلى جانب العديد من الفعاليات الحقوقية لأجل المطالبة باحترام حقوق السكان المحليين في ملكية الأراضي والغابات والمعادن. وقد فتح النقاش حول الحق في ملكية الأراضي والغابات والمعادن بهذه المناطق منذ سنوات بشأن التحديد الإداري للأراضي المعتمد من طرف الدولة لأجل ضمها إلى رصيدها العقاري كأملاك خاصة للدولة أو ملك غابوي أو عقارات تكون فيها الوصاية للدولة كأراضي الجموع أو الأراضي السلالية ، وكل ذلك على حساب أملاك السكان المحليين. وعرف هذا النقاش حرارة زائدة لدرجة التوتر المفضي إلى صدامات قبلية بفعل استفحال الرعي الجائر من طرف قطعان الإبل والمعز والأغنام المملوكة لمستثمرين نافذين في هذا القطاع، واستمر نفس النقاش بمناسبة صدور زخم من القرارات حول فتح البحث العمومي في إطار دراسة التأثير على البيئة لأجل الترخيص بإحداث استغلاليات منجمية بمختلف أقاليم سوس .وللمساهمة في هذه النقاشات العمومية ارتأيت أن أقدم للعموم محتوى المداخلة التي شاركت بها في اليوم الدراسي المنظم من طرف الفيدرالية الوطنية للجمعيات الأمازيغية حول موضوع: «أكال» بين مافيا نزع الأرض وسياسة نهب الثروة.. أي مقاربات لحماية وتدبير المجال الترابي؟ وذلك يوم الأحد 7 فبراير 2016 بمدينة تيزنيت. حيث كانت مداخلتي تحت عنوان: «أية مقاربة للتشريع الدولي فيما يخص الحقوق الإقتصادية للشعوب الأصلية، والحق في ملكية الأراضي و الغابات والمعادن؟» تاتي هذه المساهمة كاستجابة لدعوة الفيدرالية الوطنية للجمعيات الأمازيغية ، استثمرتها فرصة للبحث والتقصي. دون أن أدعي تخصصا في هذا المجال المترامي الأطراف، حاولت أن أرصد و أقتبس بتصرف ما تضمنته مختلف النصوص وكذا مجموعة من المقالات التي اطلعت عليها من إشارات واضحة لتعزيز مطالب ساكنة سوس أفرادا وجماعات و مجتمع مدني وهي تدافع عن حقها في التمتع و الاستفادة من أراضي و ثروات مناطقهم ، التي سكنوها منذ عشرات القرون إلى أن قام المستعمر الفرنسي أو الإسباني بانتزاع الأراضي والموارد الطبيعية من الأسر والقبائل التي كانت تحميها وتستغلها بأوجه متعارف عليها ولأغراض اقتصادية واجتماعية وثقافية. وقد تعمدت تبسيط معالجتي لهذا الموضوع والتركيز على الجوانب العملية فيه دون الخوض في النقاشات المفاهيمية والنظرية والأكاديمية وحتى التاريخية ، على الرغم من أهميتها. ويرجع هذا الإختيار إلى طبيعة الفئة المستهدفة والمكونة أساسا من منخرطي المجتمع المدني بالمنطقة ، وكذا طبيعة انتظاراتهم و المتمثلة أساسا في بناء أدوات وابتكار أشكال ترافعية لتحقيق المطالب المطروحة والمتجلية في حماية الأرض و ما عليها وما بباطنها من موارد طبيعية. وتتجلى أهمية الاهتمام بالتشريع الدولي ، فيما يخص حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للشعوب وخاصة المرتبطة بالحق في الأرض والموارد الطبيعية ، في كونها تفتح آفاقا جديدة للسكان المحليين لاسترجاع حقوقهم المهضومة بفعل تشريعات وطنية ترجع في غالبيتها إلى بداية الاحتلال الأوربي للمغرب ، وإن كانت قد أدخلت على بعضها تعديلات أو غيرت تماما بعد حصول المغرب على الاستقلال . وتبقى تلك التشريعات من وجهة نظر القانون الدولي المرتبط بحقوق الشعوب الأصيلة في الأرض والموارد الطبيعية غير مقبولة ما دامت قد تشكلت في ظل الاحتلال وغياب عنصر الموافقة المسبقة الحرة والمستنيرة للشعوب التي تطبق عليها تلك التشريعات ، والتي فرضت في ظل مناخ عام تسوده المطاردات والتنكيل والنفي …. الحقوق المتعلقة بالأرض و الموارد الطبيعية من خلال القانون الدولي الحقوق المتعلقة بالأرض والموارد الطبيعية معترف بها في القانون الدولي (عبر نظام الأممالمتحدة ) ، بحيث أن احترام الحقوق المتعلقة بالأرض مرتبط بشكل مباشر باحترام العديد من حقوق الإنسان ، كالحق في الملكية ، الحق في الغذاء ، الحق في الثقافة ، والحق في التنمية . ولهذا نجد الحق في الأرض محمي من طرف عدة أدوات من القانون الدولي ، التي صادقت الدولة المغربية على العديد منها ، ونذكر منها : الإعلان العالمي لحقوق الإنسان العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية، الإجتماعية والثقافية الإتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري كما انه يمكن أن نضيف لهذه الصكوك الدولية صكين لم تصادق عليهما الدولة المغربية بشكل صريح إلى حدود اليوم ، لكنها شاركت في الجمعية العامة للأمم المتحدة أثناء إقرارها ، ويتعلق الأمر بإعلان الأممالمتحدة حول حقوق الشعوب الأصيلة سنة 2007 . وإن كان هذا الإعلان غير ملزم للدول لكن له قيمة أخلاقية وتوجيهية كبيرة نظرا لاعتماده من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وقد ترقى أحكامه إلى مراجع قانونية يحتج بها ، كما هو الحال بالنسبة لبنود و أحكام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .كما أن حضور المغرب في مؤثمر منظمة العمل الدولية سنة 1989 ، حيث تم إقرار الإتفاقية رقم 169 بشأن الشعوب الأصيلة والقبلية في البلدان المستقلة ، يجعله أخلاقيا وبشكل ضمني مطالب باحترام بنودها . فبالرغم أنه مجرد إعلان وليس ملزما ، لكن استطاع هذا الإعلان أن يفرض نفسه حتى أصبحت بنوده تكتسي طابع الإلزامية مكتسبة قوة قانونية من المنظور الدولي . و تتجلى الحقوق في الأرض والموارد الطبيعية في هذا الإعلان في المواد التالية : المواد 1 ، 2 و 6: الحق في المساواة وعدم التمييز . المادة 17: الحق الفردي والجماعي في الملكية والحق في الحماية من تجريد أحد من ملكه تعسفا . المادة 25: الحق في مستوى عيش كاف لضمان الصحة والرفاهية للفرد و لأسرته. العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المادة 1 لجميع الشعوب الحق في تقرير مركزها السياسي وهي حرة في السعي لتحقيق نمائها الإقتصادي والإجتماعي والثقافي. لجميع الشعوب، سعيا وراء أهدافها الخاصة ، التصرف الحٌّرَّ في ثرواثها و مواردها الطبيعية…. ولا يجوز في أية حال حرمان أي شعب من أسباب عيشه الخاصة. وقد أشارت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، المحدثة بموجب هذا العهد و المكلفة بدراسة التقارير المقدمة من الدول الأطراف، خلال ملاحظاتها أنه بمقتضى المادة 1 المذكورة فإن الدول الأطراف مطالبة باحترام وتفعيل حق الشعوب الأصيلة في الحكم الذاتي و تحقيق، بشكل حر، التنمية الإقتصادية والإجتماعية والثقافية و خاصة فيما يرتبط بأراضي أسلافهم . كما سجلت نفس اللجنة أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يحمي كذلك حقوق الشعوب الأصيلة والمتمثلة في: الحق في الأرض والموارد الطبيعية حق الولوج إلى مواقعهم الثقافية المقدسة والدينية الحق في إقامة أنشطة اجتماعية واقتصادية بشكل تقليدي أو متلائم مع الحياة والتكنولوجيات الحديثة الحق في الحماية ضد الإجلاء القسري من الأراضي الحق في الموافقة المسبقة الحرة والمستنيرة. وقد أكدت اللجنة المعنية، بخصوص الحق في الموافقة المسبقة الحرة والمستنيرة، أنه يتعين على الدول أن تحترم هذا الحق قبل أن تشرع في أنشطة من شأنها أن تؤثر على أراضي و موارد الأقليات ومن ضمها الشعوب الأصيلة. ففي إحدى الوقائع بالبيرو سنة 2009 أقرت اللجنة أن مشاركة أفراد من مجتمع أصلي في عملية تشاورية تستهدف أراضيهم لا يكفي ، بل لا بد من موافقة مسبقة صريحة حرة ومستنيرة . العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية، الإجتماعية والثقافية يحمي هذا العهد بدوره عدة حقوق لها ارتباط وطيد باحترام الحقوق في الأرض والموارد الطبيعية ويتجلى ذلك في : المادة 1 : الحق في الحكم الذاتي والسعي لتحقيق نمائها الإقتصادي والإجتماعي والثقافي المادة 11 : الحق في معيشة كافية للفرد ولأسرته ، الحق في تحسين متواصل لظروف المعيشة، الحق في تغذية كافية وسكن لائق. وتكمن أهمية هذه المواد بالنسبة للأفراد والجماعات التي ارتبطت معيشتها باستغلال الغابات المنتشرة على أراضي الأسلاف. بحيث أن منع هؤلاء الأشخاص من الولوج إلى هذه الأراضي يعتبر حرمانا لهم من مصدر العيش وبالتالي مخالفة مقتضيات المادة 11 من هذا العهد الدولي. وهكذا نجد أن اللجنة الأممية المعنية بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، عند دراستها لتقارير الدول في هذا المجال، تذكر في مناسبات عدة الدول باحترام حقوق الشعوب الأصيلة والمجموعات المحلية فيما يتعلق بأراضيهم وذلك بتطبيق الحق في الموافقة المسبقة الحرة والمستنيرة . لأن خرق الحق في الأرض والموارد الطبيعية يؤدي بشكل مباشر إلى خرق عدة حقوق اقتصادية واجتماعية وثقافية لمن انتزعت أرضهم ، كحق الحصول على مصادر عيش كريم ، وحق السكن ، والصحة والحقوق الثقافية المرتبطة بالأرض . الإتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري تعتبر هذه الإتفاقية أداة قانونية فتحت باب الإعتراف بحقوق الشعوب الأصيلة في أراضيها ومواردها الطبيعية . حيث أنه في سنة 1997 اعتمدت اللجنة المعنية بالقضاء على الميز العنصري توصية عامة تدعو من خلالها الدول بالإعتراف بحقوق الشعوب الأصيلة في أراضيها و مواردها الطبيعية ، وكذا بإرجاع الأراضي التي حرموا منها بدون موافقتهم ، وفي حالة تعذر ذلك تعويضهم تعويضا مناسبا منصفا و سريعا ، ويتعين أن يكون التعويض على شكل أراضي كلما كان ذلك ممكنا . كما دعت نفس اللجنة الدول إلى احترام حقوق الشعوب الأصيلة في تملك واستعمال و تثمين و مراقبة أراضيهم و مواردهم الطبيعية ، مذكرة في عدة مناسبات حق هذه الشعوب في الموافقة المسبقة الحرة المستنيرة فيما يخص المشاريع التي تقام على أراضيهم . إعلان الأممالمتحدة حول حقوق الشعوب الأصيلة تم إقرار هذا الإعلان العالمي في 2007 والذي صوت عليه المغرب في الجمعية العامة للأمم المتحدة . ويشكل هذا الإعلان صكا دوليا أساسيا بالنسبة لحقوق الشعوب الأصيلة ، ورغم أنه ليس ملزما فإنه يشكل مصدرا تشريعيا دوليا بالنسبة للشعوب الأصيلة، كما يحظى بالقوة المعنوية ، السياسية والأخلاقية نظرا لتصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة عليه. يحمي هذا الإعلان حقوق الشعوب الأصيلة في أراضيها وثرواتها الطبيعية ، وحقهم كذلك في الموافقة المسبقة الحرة والمستنيرة ، وكذا كافة حقوقهم التي تمس جميع مناحي الحياة. يخصص هذا الإعلان مكانة الصدارة لحقوق الشعوب الأصيلة في الأراضي والموارد الطبيعية ، حيث جاء في التصدير: أن الجمعية العامة: يساورها القلق لما عانته الشعوب الأصيلة من أشكال ظلم تاريخية ، نجمت عن أمور عدة منها : استعمارها وسلب حيازتها لأراضيها و أقاليمها و مواردها، وبالتالي منعها من ممارسة حقها في التنمية وفقا لاحتياجاتها و مصالحها الخاصة. وإذ تدرك الحاجة الملحة إلى احترام وتعزيز الحقوق الطبيعية للشعوب الأصيلة….. ولا سيما حقوقها في أراضيها و أقاليمها ومواردها. ومن خلال المواد المكونة لهذا الإعلان نجد أن: المواد 8، 10، 25 و 26: يتبين من خلال مراجعتها أن الإعلان يحمي القوانين العرفية للشعوب الأصيلة في علاقتها مع أراضيها وأقاليمها ومواردها الطبيعية . كما تحظر تهجير هذه الشعوب من أراضيها و تجريدهم منها . وذلك من خلال حماية حقهم في التملك واستغلال و تثمين و مراقبة تلك الأراضي و الأقاليم ومواردها الطبيعية . المادة 28: تنص على حق هذه الشعوب من التعويض بواسطة استرجاع الأراضي المنزوعة منهم ، أو الحصول على تعويض مادي عادل و منصف بالنسبة للأراضي التي انتزعت منهم أو احتلت أو استغلت أو تدهورت حالتها بدون موافقة مسبقة حرة ومستنيرة. الإتفاقية 169 بشأن الشعوب الأصيلة والقبلية في البلدان المستقلة اعتمدها المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية، التي يعتبر المغرب عضوا فيها، في 27 يونيو 1989، وتم الشروع في تنفيذها في سبتمبر 1991. جاءت لتعويض اتفاقية وتوصية حماية السكان الأصليين و القبليين ل 1957. خصصت هذه الإتفاقية الجزء الثاني منها لموضوع أراضي الشعوب الأصيلة والقبلية والذي يضم المواد من 13 إلى 19. ومن أهم ما جاء في هذا الجزء الثاني: احترام ما تتصف به علاقة الشعوب المعنية بالأراضي و الأقاليم التي تشغلها أو تنتفع منها ،وخاصة بالإعتبارات الجماعية لهذه العلاقة وما لها من أهمية خاصة بالنسبة إلى ثقافات هذه الشعوب و قيمتها الروحية (تامزيرتTAMAZIRT) يعترف بحقوق الشعوب المعنية في ملكية وحيازة الأراضي التي تشغلها تقليديا تتخذ الحكومات ما يلزم من تدابير لتعيين الأراضي التي تشغلها المعنية تقليديا، ولضمان حقوق هذه الشعوب في الملكية والحيازة توضع إجراءات ملائمة في إطار النظام القانوني الوطني للبت في المطالبات التي تقدمها الشعوب المعنية فيما يتعلق بالأرض تولى عناية خاصة لحقوق الشعوب المعنية في الموارد الطبيعية التي تخص أراضيها لا يجوز ترحيل الشعوب المعنية من الأراضي التي تشغلها وفي الحالات القصوى تمنح هذه الشعوب في جميع الحالات الممكنة أراضي تعادل جودتها ووضعها القانوني ، على الأقل ، الأراضي التي كانت تشغلها من قبل ، إلا إذا فضلت هذه الشعوب أن تتلقى تعويضا نقديا أو عينيا يقرر القانون عقوبات مناسبة على التعدي على أراضي الشعوب المعنية أو الإنتفاع منها بدون ترخيص، وتتخذ الحكومات تدابير لمنع هذه المخالفات. من خلال استقراء سريع للصكوك الدولية الستة يتبين أنها تعطي للسكان المحليين، الذين كانت تسميهم النصوص القانونية التي أصدرها المستعمر في بداية القرن الماضي بالمغرب بالأهالي les indigènes بغرض تمليك أراضيهم وما عليها وما تحتها من موارد طبيعية للمخزن le Maghzen، بدائل وأدوات قانونية للمطالبة بالتمتع بالحقوق المكفولة لهم دوليا بخصوص أراضيهم ومواردها الطبيعية وحمايتها. ولأجل تحقيق هذه الغاية لا بد من القيام بمجموعة من الخطوات التي يتعين على القوى الحية ، من فاعلين سياسيين و مجتمع مدني وأفراد وقبائل ، أن ينخرطوا فيها والتي حددناها في خمس مستويات ضمن المحور الثاني من هذا العرض . أية مقاربة لتفعيل ما جاء به التشريع الدولي فيما يخص حماية الحقوق المرتبطة بالأرض والموارد الطبيعية؟ إن الحسم في اختيار الترافع السلمي لاسترجاع الحقوق المهضومة وحمايتها يحتم على صاحبه التسلح بالأدوات والمناهج المناسبة لبلوغ غايته عبر مسالك أصبحت دروبها مستنيرة بما توفره الصكوك الدولية المتعلقة بحماية حقوق الأفراد والجماعات في شتى مناحي الحياة الفردية والجماعية من إضاءات . ولعل من بين هذه الدروب إدماج هذه الصكوك ومبادئها ضمن القواعد والضوابط المعمول بها على الصعيد الوطني سواء على مستوى دستور البلاد أو على مستوى ترسانته القانونية العادية . ولن يتأتى ذلك إلا من خلال تنفيذ كل الأشكال الترافعية الممكنة من أجل الدفع بالدولة المغربية للإنضمام إلى كل المعاهدات والمواثيق الدولية الضامنة لحقوق الإنسان من جهة، العمل على ملائمة النصوص القانونية الوطنية مع هذه الصكوك عبر المؤسسات الدستورية المعنية. كما يتعين استثمار السلطة القضائية إلى أقصى حد بجعلها تضطر إلى البت في القضايا المطروحة أمامها، وخاصة تلك المتعلقة بحق السكان المحليين في الأرض والمورد الطبيعية، من خلال ما جاءت به الصكوك الدولية وليس على أساس النصوص الصادرة في عهد الإستعمار و إن عدلت في عهد الإستقلال . ولتبسيط هذه الخطوات وتحديد ما تحقق منها وما يتعين العمل على تحقيقه ، نعالجها وفق خمس مستويات: المستوى الدستوري تعتبر الوثيقة الدستورية أسمى تشريعات البلاد ومصدرا لاستنباط القوانين والقواعد الضابطة والمنظمة لكل مناحي الحياة. وعلى هذا الأساس يعتبر تضمين هذه الوثيقة المبادئ العامة المنصوص عليها بالصكوك الدولية المتعلقة بحماية حقوق الأفراد والجماعات في شتى مناحي الحياة الفردية والجماعية مدخلا أساسيا لتمكين السكان المحليين من حقوقهم وحمايتها. وبالفعل، بفضل نضالات قوى الديموقراطية والحداثة طيلة عقود ، و تحت تأتيرات خارجية وأخرى داخلية ، قام المغرب بإدماج مبدأ احترام حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا بشكل محتشم في دستور 1992 و دستور 1996. لكن أحداث الربيع الديموقراطي في 2011 عجلت بتحقيق نقلة نوعية في هذا المجال. حيث تمت دسترة توصيات الإنصاف والمصالحة كاملة، وهو التوجه الذي كرّسه الباب الثاني من الدستور الذي جاء بعنوان «الحقوق والحريات»، ومتناغما مع المبادئ العالمية لحقوق الإنسان، وينص على حمايتها، وعلى طابعها الكوني. وهكذا نجد أن تصدير دستور 2011 يشير إلى احترام تلك المواثيق والعهود الدولية بشكل مفصل وذلك بالتنصيص صراحة: «فإن المملكة المغربية العضو العامل والنشيط في المنظمات الدولية، يتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها من مبادئ و حقوق وواجبات، وتؤكد تشبتها بحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا» (إلى حدود هنا تطابق مع دسوري 1992 و1996) ويضيف دستور 2011: «و تأسيسا على هذه القيم والمبادئ الثابتة، فإن المملكة المغربية الدولة الموحدة، ذات السيادة الكاملة، المنتمية إلى المغرب الكبير تؤكد وتلتزم بما يلي: حماية منظومتي حقوق الإنسان و القانون الدولي الإنساني والنهوص بهما، والإسهام في تطويرهما مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق، وعدم قابليتها للتجزيئ. حظر ومكافحة كل أشكال التمييز ، بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الإنتماء الإجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي مهما كان؛ جعل الإتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب ، وفي نطاق احكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات مع ما تتطلبه تلك المصادقة. يشكل هذا التصدير جزءا لا يتجزأ عن الدستور». كما يشير الفصل 35 من الدستور إلى ما يلي: «يضمن الدستور حق الملكية…. ويمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون، إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية الاقتصادية والإجتماعية للبلاد. ولا يمكن نزع الملكية إلا في الحالات ووفق الإجراءات التي ينص عليها القانون…… تضمن الدولة حرية المبادرة و المقاولة و التنافس الحر. كما تعمل على تحقيق تنمية بشرية مستدامة من شأنها تعزيز العدالة الإجتماعية والحفاظ على الثروات الطبيعية الوطنية وحقوق الأجيال القادمة». على الرغم من القيود المتضمنة في النص والتي قد تحد من نفاد بعض مقتضيات الصكوك الدولية إلى التطبيق على أرض الواقع بالمغرب، فإن المتتبعين والفاعلين في المجال الحقوقي يجمعون على أن دستور 2011 شكل نقلة نوعية تؤكد انخراط المغرب في احترام و حماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي في طابعها الكوني غير القابل للتجزيئ. وللاستفادة من هذه المقتضيات الجديدة بالدستور المغربي لا بد من ترجمتها على أرض الواقع من خلال واجهات عمل متعددة. واجهة الدفع بالدولة المغربية للمصادقة على مزيد من الصكوك الدولية المكرسة للحقوق السياسية والمدنية من جهة، والحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والبيئية من جهة أخرى . واجهة ملاءمة القوانين الوطنية مع الصكوك الدولية المصادق عليها . ثم واجهة تفعيل مبدأ اعتبار سمو الإتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب على التشريعات الوطنية، وذلك من خلال اتخاذها مرجعيات وحجج أثناء الترافع أمام القضاء عند المطالبة بالحقوق المرتبطة بالأرض والموارد الطبيعية التي تهمنا في هذا المقام. وأخيرا واجهة الترافع المدني محليا ، جهويا، وطنيا ودوليا عبر اعتماد مطلب تكريس الحقوق المنصوص عليها في الصكوك الدولية كهدف أسمى يتم التشبت به كما يتم اختيار الأشكال الترافعية المناسبة والملائمة لكل مستوى من مستويات الترافع. المستوى الأممي لأجل تعزيز وتطوير حضور المقتضيات التي جاءت بها الصكوك الدولية، وخاصة تلك التي تخدم الحقوق الفردية والجماعية للساكنة المحلية، داخل المراجع التشريعية للبلاد وعلى رأسها الدستور فلا بد من الدفع بالدولة المغربية إلى المصادقة على مزيد من هذه الصكوك. ولعل المغرب الذي تتوفر لذيه في الوقت الراهن إرادة سياسية للعب أدوار ريادية على الساحة الدولية ، وخاصة في مجالات حقوق الإنسان، التنمية البشرية، البيئية والتنمية المستدامة ، أصبح أكثر من ذي قبل يتوفر على قابلية للقبول بالإنخراط في العديد من العهود والإتفاقيات الدولية. ولبلوغ هذا الهدف يتعين تنظيم تحرك المجتمع المدني داخليا وكذا من خلال ممارسة دبلوماسية المنظمات غير الحكومية للضغط على الدولة وإحراجها عند إقدامها على الإستفادة من اتفاقيات التعاون الإقتصادي أو الاستفادة من برامج التعاون الدولي. فكثير من الإتفاقيات المرتبطة بحقوق الإنسان وحماية البيئة وكذا حماية حقوق الفئات الإجتماعية من أطفال ونساء و عمال و ذوي الإحتياجات الخاصة و الأقليات يتم التوقيع عليها كشرط للإستفادة من اتفاقيات التعاون مع المجموعات الدولية كالإتحاد الأوروبي أو الولاياتالمتحدة أو الإستفادة من دعم المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة كمنظمة الأغذية العالمية، أو منظمة الطفولة UNICEF أو PNUD أو غيره من اتفاقات التبادل الحر أو الاستفادة من التمويل الدولي من المؤسسات البنكية الدولية كالبنك الدولي أو صندوق النقد الدولي التي تضع بعض الشروط في هذا المجال…. كل هذه المساعي يجب أن تصب في اتجاه الدفع بالدولة المغربية لتصبح طرفا في العهود والمواثيق الدولية من خلال المصادقة عليها، أو الإنضمام إليها ثم التوقيع على كل الإتفاقيات والبروتوكولات المنفذة لها بما فيها البروتوكولات الإختيارية. المستوى التشريعي يعتبر التشريع المدخل الأساسي لتمكين مقتضيات الصكوك الدولية الضامنة لحقوق الساكنة المحلية في الأرض والموارد البشرية لتدمج في التشريعات الوطنية. وقد أولى دستور 2011 من خلال الفصل 70، وبشكل حصري، السلطة التشريعية للبرلمان . كما أن أهمية التشريع تتجلى في القوة التي يستمدها النص القانوني من الفصل 6 من الدستور: «القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة . والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له.» ويمارس البرلمان السلطة التشريعية من خلال التصويت على القوانين. ولرئيس الحكومة وأعضاء البرلمان على السواء حق التقدم بمقترحات القوانين. كما يحق للمواطنات والمواطنين حق تقديم ملتمسات في مجال التشريع وفق الشروط المحددة في القانون التنظيمي رقم 64.14 وذلك تطبيقا لما جاء في الفصل 14 من الدستور. ولكي تكون آلية التشريع في خدمة المطالب بالحق في الأرض والموارد الطبيعية فلا خيار سوى أن تعمل القواعد المطالبة بهذا الحق بإبرام تعاقدات انتخابية مع من سيمثلها بالبرلمان من أجل الإلتزام بسن تشريعات، سواء باقتراح من الحكومة أو من طرف أعضاء البرلمان، تيسر وتعجل بملاءمة القوانين المعنية مع مقتضيات الصكوك الدولية. ولن يتأتى ذلك إلا بالرجوع، وبكثافة، إلى ممارسة العمل السياسي الهادف، ووضع حد لحالة اللامبالاة التي مكنت تجار السياسة من احتلال مقاعد البرلمان للدفاع عن مصالح مستغلي أراضي السكان المحليين وثرواتها الطبيعية. وفي هذا السياق أقدم نموذجا من العمل الذي قمت به من خلال عضويتي بمجلس النواب (2011-2016) سواء داخل لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة أو داخل الجلسة العامة لمجلس النواب أثناء المناقشة والتصويت على مشاريع القوانين ، وقد اخترت هنا بعض النصوص القانونية التي ساهمت في مناقشتها لارتباطها بالأرض والموارد الطبيعية. مشروع قانون رقم 142.12 يتعلق بالأمن والسلامة في المجالين النووي والإشعاعي. تقدمت، في إطار الفريق الإشتراكي، ب 151 تعديل على هذا القانون. همت هذه التعديلات بالدرجة الأولى ما يدفع في اتجاه التنصيص على احترام المعايير الدولية، ضرورة استشارة وموافقة الجماعات المحلية المعنية في إحداث هذه المشاريع، وحماية البيئة والمواقع الثقافية والموروث المادي واللامادي المحلي. مشروع قانون رقم 81.12 يتعلق بالساحل. تقدمت، من خلال الفريق الإشتراكي، ب 43 تعديلا . تضمنت هذه التعديلات ما يشير إلى ضرورة احترام الإتفاقيات الدولية في المجال ، وكل ما له علاقة بحماية الأوساط الطبيعية والأملاك القبلية ومقدساتهم. مشروع قانون رقم 27.13 يتعلق باستغلال المقالع. تقدمت، من خلال الفريق الإشتراكي، ب 18 تعديلا .تتعلق بحماية ملكية الأراضي سواء فردية الجماعية (جموع أو سلالية)، اشتراط إحدات مركبات لتصنيع مواد المقالع بالقرب من موقع استخراجها، حماية البيئة والساكنة المحلية و تمكين الجماعات من تعويضات مناسبة. مشروع قانون رقم 33.13 يتعلق بالمناجم. تقدمت، من خلال الفريق الإشتراكي، ب 46 تعديلا. وتهم جل هذه التعديلات التنصيص على المعايير الدولية، احترام ملكية الأراضي، تمكين السكان المحليين من استغلال ثرواتهم الطبيعية، احترام الاستغلاليات المنجمية التقليدية، احترام المواقع الأثرية المادية واللامادية والمقدسات المحلية، فرض تثمين المواد المنجمية محليا ، توفير تنمية شمولية للمناطق المنجمية، حماية الموارد الطبيعية من الاستنزاف وضمان حقوق الأجيال القادمة، تقليص فترة الترخيص بالاستغلال من لا محدودة إلى محدودة، حماية البيئة والساكنة من الآثار السلبية للنشاط المنجمي سواء بداخل المنطقة المنجمية أو في محيطها القريب والبعيد. مشروع قانون رقم 58.15 يقضي بتغيير وتتميم القانون 13.09 المتعلق بالطاقات المتجددة. تقدمت، من خلال الفريق الإشتراكي، ب 11 تعديلا. تتمحور أساسا حول تمكين سكان مناطق إنتاج الطاقات المتجددة من امتيازات للإستفادة منها، دمقرطة الولوج إلى الشبكة الوطنية لنقل وتوزيع الكهربائي بفتح شبكة الجهد المنخفض أمام كافة سكان المناطق التي تتوفر على مؤهلات إنتاج الكهرباء انطلاقا من موارد متجددة (الشمس والرياح)، احترام ملكية أراضي المناطق المستغلة لإنتاج الكهرباء انطلاقا من موارد طبيعية متجددة. مشروع قانون رقم 30.15 يتعلق بسلامة السدود. تقدمت، من خلال الفريق الإشتراكي، ب 27 تعديلا. تعديلات تستهدف إدماج ما يفيد احترام ملكية الأراضي المغمورة بمياه السدود عن طريق برمجة التعويضات المناسبة ، حماية الأوساط الطبيعية والموروث الثقافي والمقدسات المحلية ، حماية التجمعات السكنية من أخطار المنشآت السدية ، تمكين المحليين من الإستفادة من الموارد المائية المعبأة بواسطة السدود . احترام المعايير الدولية المعمول بها في المجال . مشروع قانون رقم 36.15 يتعلق بالماء، والذي تزامن دراسته بالبرلمان مع تاريخ اليوم الدراسي. تقدمت، من خلال الفريق الإشتراكي، ب 162 تعديلا. وقد ركزت جل التعديلات فيما له علاقة بحماية حقوق القبائل المحلية في الماء لأجل مختلف الاستعمالات، حماية الحقوق التقليدية للشعوب في استغلال مختلف أشكال الماء، إقرار أجهزة حكامة لامركزية تقريرية لتدبير المياه، المحافظة على الموروث المائي المادي واللامادي بما في ذلك الأعراف والألواح التقليدية….. لقد كان تقديم المئات من التعديلات، بمناسبة مناقشة مشاريع القوانين التي لها علاقة بالموارد الطبيعية، فرصة لخلق مواقف صدامية بين منطقين، المنطق الذي جاءت به الحكومة من خلال مشاريعها والمتمثل في تكريس رغبات وإملاءات اللوبيات المصلحية المستغلة لثروات البلاد من مستغلي المقالع والمناجم مرورا بكبار الفلاحين وشركات استغلال الموارد الطبيعية لإنتاج وتسويق الكهرباء والمنطق الذي جاءت به التعديلات التي تقدمنا بها في إطار الفريق والتي ترمي إلى صون حقوق الساكنة المحلية في مواردها الطبيعية. وبالتالي كان مصير هذه التعديلات هو الرفض من طرف الحكومة وأغلبيتها النيابية التي كانت تدعمها . فكان من الطبيعي والمنطقي أن يكون موقفنا في الفريق الإشتراكي هو رفض تلك القوانين المتعلقة بالماء، المناجم ، المقالع ، الطاقات المتجددة….. كانت تلك المحاولات فرصة لإسماع وتدوين مطالب الساكنة المحلية بشأن أرضها ومواردها الطبيعية في محاضر وتقارير المؤسسة التشريعية، وتبقى المعركة التشريعية في حاجة إلى المزيد من المتابرة والإلحاح إلى حين تحقيق المبتغى بمختلف الآليات المتاحة قانونا. ولتحقيق ذلك لابد من الرجوع للإهتمام بالسياسة للتأثير على المؤسسات التشريعية قصد تمرير التعديلات المرغوبة على مشاريع القوانين أو اقتراح قوانين جديدة أو تمرير الملتمسات التشريعية . ولن يتأتى ذلك ما لم تتغير الممارسة السياسية السائدة والتي يقودها ويتحكم في دواليبها النافدون اقتصاديا والمستغلون لتلك الأراضي وتلك الثروات الطبيعية التي نرغب في استرجاعها. المستوى القضائي إن اللجوء إلى السلطة القضائية لاسترجاع الحقوق المهضومة من أي طرف كيفما كان ، ولو تعلق الأمر بالسلطات العمومية ، يعتبر أسمى مظاهر دولة الحق والقانون . وبما أن دستور 2011 ، حسب ما جاء في تصديره ، يعتبر الاتفاقيات والعهود الدولية التي صادق عليها المغرب ، تسمو على التشريعات الوطنية . كما أن نفس الوثيقة تؤكد التزام المغرب بحماية منظومتي حقوق الإنسان و القانون الدولي الإنساني و النهوض بهما مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق وعدم قابليتها للتجزيئ. من هذا المنطلق يمكن اعتبار التشريعات الدولية المصادق عليها جزء من الترسانة القانونية القابلة للتداول على مستوى المجتمع المغربي، بل إنها تسمو على التشريعات الوطنية. ونظرا إلى كون الدولة المغربية مطالبة في تقريرها الدوري الذي تقدمه على رأس كل خمس سنوات أمام اللجنة الأممية المعنية بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، وكذا اللجان الفرعية الأخرى، أن تبين عدد القضايا والقرارات القضائية والقرارات الإدارية التي اتخذت من طرف سلطات البلاد معتمدة على بنود وأحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية و الثقافية. ويمكن الإستئناس بما جاء في تقرير اللجنة بهذا الخصوص خلال تعليقها على التقرير الرابع للمغرب خلال الدورة 56 المنعقدة خلال اكتوبر 2015. المطلوب إذن من المطالبين بالحق في الأرض و الموارد الطبيعية أن يدفعوا برجال القانون ببلادنا ، وخاصة المحامون، لأن يبادروا إلى رفع دعاوى أمام مختلف محاكم المملكة لحماية الحقوق، ومن ضمنها الحق في الأرض والموارد الطبيعية، لمواجهة السلطات العمومية بغرض استرجاع الحقوق المهضومة أو حمايتها، معتمدين في مذكراتهم ومرافعاتهم على بنود وأحكام العهود والمواثيق الدولية التي صادقت عليها بلادنا. وتجدر الإشارة إلى أن إمكانية التقاضي هاته ستصبح متاحة أكثر مع دخول القانون التنظيمي رقم 86.15 يتعلق بتحديد شروط وإجراءات تطبيق الفصل 133 من الدستور، يحدد هذا القانون التنظيمي شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون ساري المفعول، يراد تطبيقه بشأن دعوى معروضة على المحكمة، يدفع أحد أطرافها أنه يمس بحق من الحقوق أو بحرية من الحريات التي يضمنها الدستور ، وخاصة الشق المتعلق ببنود وأحكام العهود والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب . مستوى الترافع المدني إن ترافع المجتمع المدني لأجل المطالبة بالحق في الأرض والموارد الطبيعية لفائدة الساكنة المحلية ، وحماية هذه الحقوق وفق ما تسمح به مقاربة اتخاذ القوانين الدولية كمرجعية لهذه المطالبة يقتضي أولا تقوية قدرات الفاعلين المدنيين لاكتساب ثقافة قانونية حقوقية من جهة، ومن جهة أخرى اكتساب المنهجيات والآليات الترافعية المناسبة والمعتمدة على مستوى المنتديات الدولية. ويعتبر رفع بلاغات من طرف الأفراد والجماعات أو من ينوب عنهم من نقابات أو منظمات غير حكومية إلى هيئات المنتظم الدولي المكلفة بتتبع تنفيذ مقتضيات واحكام مختلف العهود والإتفاقات المتعلقة بحماية حقوق الإنسان، ويمكن اللجوء إلى هذا الخيار في الحالات التالية: استنفاذ جميع مساعي الإنصاف المتاحة محليا بما فيها رفع التظلمات إلى الجهات المعنية برفع كل أشكال الحيف الممارس من طرف السلطات العمومية أو المحمي من قبلها لفائدة فئة معينة أو لوبيات اقتصادية وطنية أو أجنبية (المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مؤسسة الوسيط ، رئاسة الدولة، سلط المراقبة من برلمان و هيئات الحكامة كالمجلس الأعلى للحسابات….) استنفاذ مساطر التقاضي المتاحة عدم استرجاع الحقوق بفعل نهج أسلوب التسويف والتمطيط إلى حدود غير مقبولة من حيث المدة لجوء السلطات العمومية إلى أساليب القمع والقهر لأجل فرض الأمر الواقع من خلال تشريد المطالبين بالحقوق واضطهادهم بشتى الأساليب. تفعيل خيار الترافع أمام بالمنتديات الأممية يقتضي مصادقة الدولة المعنية على البرتوكولات الاختيارية الملحقة بالعهود والاتفاقيات الدولية ، كحال البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي بموجبه تعترف الدولة باختصاص اللجنة الأممية المعنية بتلقي البلاغات والنظر فيها. وقد وعد المغرب في تقريره الدوري الأخير بالعمل على الإنضمام إلى هذا البروتوكول مما جعل اللجنة الأممية تشجعه في تعليقها على هذا التقرير. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى مبادرة مجموعة من المنظمات غير الحكومية المغربية، أزطا أمازيغ 2014، منظمة تامينوت، كونفدرالية تامونت إفوس وجمعية أغراس لخير والفيدرالية الوطنية للجمعيات الأمازيغية بتقديم تقارير موازية للتقارير الدورية التي يقدمها المغرب خلال دورات اللجن الأممية المعنية بتتبع تنفيذ الصكوك العهود الدولية، وخاصة ما يتعلق بالحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية بالمغرب إصافة إلى إشكالية انتزاع الأراضي واستغلال الموارد الطبيعية بالمناطق الأمازيغية. وتعتبر هذه التقارير الموازية فرصة لطرح وجهات نظر منظمات المجتمع المدني بشأن مدى احترام السلطات العمومية لالتزاماتها الدولية المنصوص عليها على مستوى بنود وأحكام مختلف الصكوك التي صادقت عليها بلادنا. مما يمكن اللجان الأممية بمطالبة الدولة باتخاذ التدابير الضرورية من أجل تفعيل ما جاءت به مختلف العهود والمواثيق الدولية . على سبيل الختم نستخلص من هذا العرض المتواضع ، والذي استقيت عناصره مما مارسته خلال العمل الميداني سواء داخل المجتمع المدني أو من خلال العمل النيابي ، أن العديد من صكوك القانون الدولي التي صادق عليها المغرب أو شارك في الهيئات التي اعتمدتها تصون بما لايدع مجالا للشك حقوق الساكنة المحلية في كل ما يتعلق بالحق في الأرض والموارد الطبيعية . وهي صكوك متطورة مقارنة مع النصوص المعمول بها و التي ترجع إلى بداية دخول الإحتلال إلى المغرب. كما أن دستور 2011 يفتح آفاقا جديدة أما تفعيل بنود و أحكام القانون الدولي على مستوى الساحة المغربية بالرغم من أن بعض المجهود ما يزال مطلوبا من طرف القوى الحية بالبلاد من أجل فرض التأويل الإيجابي لفصول الدستور ومقتضياته. كما أن الساكنة المحلية المطالبة بحقوقها في الأرض والموارد الطبيعية مطالبة، وهي التي حملت السلاح لطرد المستعمر، بأن تنهج مقاربات جديدة في عهد الإستقلال لتحقيق مطالبها ترتكز على كل ما توفره دولة الحق والقانون من إمكانات. ويبقى الإنخراط الجاد والمكثف في العمل السياسي الهادف مسلكا وشرطا لا بديل عنه للتواجد داخل المؤسسات الدستورية حيث يتم خوض المعارك الحاسمة لتقويم ما يجب تقويمه، وخاصة على المستوى التشريعي. كما أن المجتمع المدني مطالب في الوقت الراهن، أكثر من غيره، بالتشبيك وخلق تحالفات قوية قادرة على نقل معركة المطالبة بالحقوق على المستوى الوطني والدولي من خلال رفع ملتمسات إلى مختلف الهيئات ومراكز القرار الوطنية، رفع قضايا أمام المحاكم المغربية بمستوياتها المختلفة وتقديم المؤازرة للمتقاضين الأفراد ، تقديم بلاغات أمام مختلف اللجان الأممية المعنية، تعبئة وحشد الدعم اللازم لتنفيذ أشكال نضالية سلمية محليا، وطنيا ودوليا. تيزنيت : فبراير 2016