قد يحالفك الحظ وسط باريس أو في أية مدينة أوربية غربية أن تجد مسجدا معلما تأوي إليه حينما يحل وقت الصلاة دون وجود أية صعوبة في ذلك، وهو الأمر الغير المتاح في العديد من المواقع والأحياء بمدينة مسلمة بالمغرب اسمها طنجة، بوابة أفريقيا ومدينة العبور بامتياز ، فلا زالت العديد من الأحياء والتجزئات السكنية تفتقر إلى أماكن مخصصة للصلاة في صورة مساجد حقيقية لها مواصفات تليق ببيوت الله تعالى. ومن المناطق الأكثر تضررا، القطاع الشمالي الشرقي للمدينة، الممتد على مسافة عريضة، تبتدئ من مسجد محمد الخامس بساحة الكويت غربا، إلى طنجة البالية وحدود جماعة البحراويين شرقا بعد إغلاق مسجد السانية، وإلى المسجد الأعظم بالمدينة العتيقة شمالا، ومسجد السوريين جنوبا ، فلا زال هذا الشطر الهام من المدينة يفتقر ولو لمسجد واحد يأوي إليه المصلون لأداء فريضة الصلاة ،علما أنه يشكل ربع مساحة طنجة، كما يستقطب أزيد أزيد من 50/ من ساكنتها أثناء تحركهم، بالإضافة إلى كل زائري طنجة خلال مواسم العبور، بحكم تمركز عدد من المرافق ذات الاستقطاب القوي هناك، كالميناء، والشاطئ البلدي، ومحطة القطار، والمحطة الطرقية، والوحدات الفندقية .. فمنذ أزيد من 50 سنة مرت من تاريخ الاستقلال، لا يعثر المصلون على مكان يؤدون فيه فريضة الصلاة الجماعية ، وصلاة الجمعة، بل لا يسمعون الآذان إلا من بعيد، ولا يؤدون الصلاة إلا داخل المقاهي، والأقبية وبعض المرائب الضيقة التي يتبرع بها المحسنون، والتي في معظمها تنطوي على أخطار صحية وأمنية، كما أنها غير صالحة للاستعمال، ولا تليق بحرمة المسجد وكرامة الإنسان . ويبرز المشكل بحدة على صعيد العديد من المناطق، خلال أداء صلاة الجمعة، حيث يضطرمعظم المصلين لأداء الصلاة على قارعة الطرقات، ووسط الممرات والمعابر ومداخل العمارات، بسبب ضعف الطاقة الاستيعابية للمساجد المتوفرة. فكم من المصلين يحرمون من أداء صلواتهم خلال الفترات الممطرة، وعند امتلاء ردهات المساجد . وقد كون هذ المشكل حافزا لسكان هذه المناطق المحرومة، من أجل أن يتقدموا بعرائض المطالبة بإنشاء، ولو مسجد واحد في منطقة ساحة الأمم منذ سنة 1994 ، أي لما كان مستوى التوسع العمراني لا زال منحصرا في حدود ساحة الروداني، وعبروا آنذاك عن كامل الاستعداد لتوفيرعدد المتطوعين المحسنين الذي سيتحملون مصاريف بناء مسجد يليق بمدينة طنجة، وقد تم بعث هذا الطلب في حينه إلى كل من عامل الإقليم، ورئيس المجموعة الحضرية لطنجة ، وبرلمانيي المدينة ، إلا أن هذا المطلب ظل نسيا منسيا، دون أن يحرك أحد ساكنا. ومرت السنوات، وتوسع العمران بالمنطقة، وكثر البناء العمودي المتمثل في العمارات العشوائية الضخمة الممتدة في كل الاتجاهات، دون أن يكون للمسؤولين تصور عن هذا الخصاص، وما سيطرحه من مشاكل في المستقبل، بل كان لمهندس العمالة الشهير خلال إعداد تصاميم التهيئة رأي آخر، لما كانت تعرض عليه الفكرة، وهو أن المنطقة مخصصة للحانات والكبريهات والفنادق السياحية، ولا تحتاج إلى أماكنة مخصصة للعبادة والتقوى. وقد ارتأت وجهة نظرالمبادرين من السكان آنذاك، أن يكون قسم من ساحة الأمم، هو المكان المقترح لإقامة المسجد، لأنه لم يكن لديهم تصورعن إقامة منطقة خضراء، كما أنه لم يكن يخطر ببالهم أن وزارة الأوقاف تتوفرعلى أرضية مناسبة بجوار ساحة الأمم، كانت في الأصل هبة لإقامة مسجد، وأنه تم التحايل من أجل تفويتها عن طريق البيع لفائدة الخواص، بهدف توظيفها في احتضان مشروع تجاري ضخم. ومع ذلك لم يكل عزمهم، بل واصلوا التنقيب عن تفاصيل هذا الملف، ليتم اكتشاف العجب العجاب، الذي يدعو إلى فتح تحقيق نزيه حول هذا الفضيحة المنفجرة، فبتاريخ 17 يونيو 2007، سيتقدم السكان بطلب بناء مسجد إلى وزير الأوقاف ،أطلقوا عليه اسم محمد السادس، تيمنا باسم ملك البلاد، بناء على ما تكون لديهم من قناعة بفرضية وجوب المسجد بالمنطقة، واعتمادا على امتلاك الوزارة للعقار المشار إليه، المعروف بملك (دار الأنوار) موضوع الرسم العقاري 11.089 / G المؤسس سنة 1969 ، والمسجل في إسم شركة دار الأنوار ش.م. وهو يشتمل على قطعة أرضية عارية تبلغ مساحتها 3807 م/2 تقع في أسفل رياض ساحة الأمم، ويحد بشوارع يوسف بن تاشفين، ومدريد، وثلاث شوارع أخرى من باقي الجهات. هذه الشركة سيتم فسخها بتاريخ 16 نونبر 1988، لتختص وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بهذا الملك باعتبارها أحد المساهمين في إسم السيد وزير الأوقاف آنذاك المرحوم الداي ولد سيدي بابا (الذي يبدو أنه كان هو المتبرع بالهبة ) ، بعد توزيع ممتلكات الشركة على باقي المساهمين.. وفي تاريخ 28 مارس 2004 قام ناظر عموم الأوقاف بطنجة (م.ب)ببيعها نيابة عن السيد وزير الأوقاف لفائدة الشركة العقارية (شريفة) في شخص ممثلها القانوني السيدة (ف.أ) حرم السيد (د.د)عمدة طنجة بملغ قدره 22.248.108 درهم، وبتاريخ 28 ماي من نفس السنة ، باعت السيدة (ف.أ) هذا الملك بثمن قدره 34.263.000 درهم لشركة ميكا سانطر (MEGA CENTER)، في شخص ممثلها القانوني (م. أ). وقد تمت محاولة إجراء اتصال مع هذا الشخص أكثر من مرة بواسطة وفد ممثل للسكان من بينهم رئيس المجلس العلمي السابق رحمه الله السيد (الوزاني)من أجل عرض اقتناء هذه البقعة وإرجاعها عن طريق التراضي إلى ألأوقاف، لكن المعني بالأمر امتنع عن اللقاء بالسكان والإصغاء إليهم في هذا الشأن، بعدما علم بالغاية من الزيارة . وبتاريخ 4 دجنبر 2008 توصل السيد (م.إ) نيابة عن السكان برسالة جوابية من ناظر الأحباس (م.ب) تحت عدد 1607 في موضوع بناء المسجد فوق البقعة الأرضية المذكورة ، كجواب على الرسالة الموجهة من طرفه سابقا إلى وزير الأوقاف، يخبر فيها بأنه لم يبق للأوقاف بالمكان المذكور أعلاه أية قطعة أرضية حبسية يمكن أن ينجز فوقها المسجد المطلوب، إذ أن البقعة المذكورة تمت معاوضتها للغير سنة 1991 ولم تبق حاليا في ملكية الأوقاف، ونص الجواب أيضا على استعداد الوزارة لتقديم جميع التسهيلات الإدارية والمساعدات المالية الممكنة لإنجاز مسجد في المستوى المطلوب في المنطقة المشار إليها، إن وجدت أرض مخصصة لهذه الغاية من طرف الجهة المالكة لها. . واستنادا إلى المعطيات السالفة الذكر، يتضح بما لا يدع مجالا للشك، أن هذه الصفقة تشكل فضيحة من العيار الثقيل ، بحكم وجود عدد من الشبهات المحيطة بعملية التفويت، ووجود تناقضات في البيانات والتواريخ والوقائع المصرح بها ، ففي الوقت الذي يصرح ناظر الأحباس في رسالته، أن الأرض تمت معاوضتها سنة 1991، دون وجود أثر لهذه المعاوضة ونوعيتها. نجد أن عقد التفويت الموقع من طرفه بتاريخ 28 مارس 2004 أي بعد مرور 13 سنة ، ينطق بشيء آخر هو البيع بثمن نقدي لفائدة جهة خاصة، لم تتوان عن القيام بإعادة البيع في زمن قياسي، مع تحقيق ربح خيالي. ومما يؤكد عدم تحقق المعاوضة المشار إليها، وجود شهادة الملك المسلمة من طرف المحافظ على الأملاك العقارية والرهون بطنجة بتاريخ 11دجنبر 2002 يشهد من خلالها، أن الملك المدعو (الأنوار )، ذو الرسم العقاري 11.089 / G يشتمل على أرض عارية تبلغ مساحتها 3807 م/2 ، هو في اسم وزارة الأوقاف، وأنه لم يترتب عليه لحد تاريخه أي حق عيني ، أو تحمل عقاري ما عدا ارتفاق الأقواس ببقعة عرضها خمسة أمتار تمتد على طول الحد ب22 ب32 . والسؤال العريض المطروح في أكثر من صيغة، هو كيف تجرأ فاعلو الخير على اغتصاب هذا الملك الوقفي وهم يعلمون أنه ملك متبرع به من أجل إقامة بيت للعبادة؟ وهل هناك ما يبرر عملية البيع حقيقة في الأرشيف المالي للوزارة؟ ثم كيف منح الوضع الاعتباري لهذا العقار خلال وضع تصميم التهيئة سنة 2002 ، وذلك بمنحه حق الزيادة في الارتفاع بشكل استثنائي داخل المحيط كما يتبين من الرسم المقتطع من تصميم التنطيق الذي يهم المنطقة ؟. كل هذه الحقائق تكشف عن وجود أسرار تحيط بهذا الملف، تفرض فتح تحقيق في الجوانب الخفية فيه، والتأكد من مدى صدقية الإجراءات المرافقة لعملية البيع، ثم العمل على تصحيح هذا الخطأ وإعادة الحق إلى نصابه، من خلال إعادة العقار إلى مالكه الأصلي، وتوظيفه في المجال المحدد له شرعا وقانونا، احتراما لنية الواهبين ولقدسية العمل الوقفي ونبل رسالته، والأحكام الشرعية المنظمة له، والتي لا تسمح بتاتا ببيع أملاك الأوقاف إلا لضرورة شرعية قصوى لا غبار عليها . وتجدر الإشارة إلى أن رابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين، قد سبق لها إثارة الموضوع، عبر وسائل الإعلام بتاريخ 10 يونيو 2007، من أجل حث المسؤولين على مراجعة موقفهم، والاستجابة لمطلب السكان في الحصول على مسجد يستجيب لحاجيات كل المسلمين . إلا أن ذلك الالتماس لم يحرك ضمائر المسؤولين محليا ووطنيا ، ولم يعيروه أي اهتمام، إلا ما كان من تفضل الوزارة بتخصيص مشروع بناء مسجد ضخم في مدخل مدينة العرفان بطريق المطار، وتقديم عرض للجهات المسؤولة من أجل توفير عقار مناسب لبناء مسجد وسط المدينة، تتولى وزارة الأوقاف مهمة إنشائه وتجهيزه، وفي هذا الصدد، اتجه البحث في محيط حديقة ساحة الأمم من أجل إيجاد بقعة مناسبة ، وبدلا من أن تركز إدارة الأوقاف على مطلب استرجاع العقار الخاص بها ، والذي لا زال يهيأ من أجل إقامة البناء عليه ، تم اللجوء بكيفية ملتوية، لتقديم مقترحات تشمل بقعا أرضية أخرى من بينها المنطقة الخضراء المجاورة لمقر الوكالة الحضرية بساحة الأمم. وإذا صدق الخبر، وأصرت الجهات المسؤولة على تنفيذ هذا القرار الخاطئ، فتلك هي المصيبة العظمى، والخطئئة الكبرى التي لا تغتفر، لأنه لا يمكن معالجة الخطأ بخطأ أفدح مهما كانت الاعتبارات، إذ أن المصلحة العامة كل لا يتجزأ. ومن أجل إسماع الصوت لمن لا يسمع، سيتم رفع هذه الشكوى إلى الديوان الملكي، ووزارة الأوقاف، ورؤساء الفرق البرلمانية من أجل تحريك هذا الملف في الاتجاه الصحيح، والدفع باتخاذ التدابيراللازمة من أجل وقف المشروع السكني والتجاري المراد تشييده على هذا العقار ، وكذلك إعادة الملك إلى إدارة الأوقاف بالطرق القانونية الشرعية بعد إيجاد حل مرض مع الجهة المتملكة له وفق التسلسل المذكور والمطعون فيه لعدة اعتبارات قانونية وأخلاقية.