يقال أن الحجاج ابن يوسف الثقفي عندما تولى الإمارة على العراق، أمر بأن يطاف بالليل، ويضرب عنق كل من وجد بعد العشاء، فطاف مرؤوسه ليلة فوجد ثلاثة صبيان فسألهم: من أنتم، حتى خالفتم أوامر الحجاج؟ فقال الأول: أنا ابن الذي دانت الرقاب له ما بين مخزومها وهاشمها تأتي إليه الرقاب صاغرة يأخذ من مالها ومن دمها فقال لعله من أقارب الأمير، ولم يقتله، وأجاب الثاني قائلا : أنا ابن الذي لا ينزل الدهر قدره وإن نزلت يوماً فسوف تعود ترى الناس أفواجاً إلى ضوء ناره فمنهم قيام حولها وقعود فقال لربما هذا من أشراف العرب، فلم يقتله، ونطق الثالث بعدها قائلا : أنا ابن الذي خاض الصفوف بعزمه وقوّمها بالسيف حتى استقامت ركاباه لا تنفك رجلاه عنهما إذا الخيل في يوم الكريهة ولّت ولم يقتله ظنا انه من شجعان العرب، فلم يكن منه إلا أن أبلغ الحجاج بالأمر، فأحضرهم وكشف عن حالهم، فإذا بالأول ابن حجام، والثاني ابن خباز، والثالث ابن حائك، فتعجب الحجاج من فصاحتهم، وقال لجلسائه: علّموا أولادكم الأدب، فلولا فصاحتهم لضربت أعناقهم، ثم أطلقهم وأنشد: كن ابن من شئت واكتسب أدباً يغنيك محموده عن النسب إن الفتى من يقول ها أنذا ليس الفتى من يقول كان أبي إذا فالتباهي بالنسب كان حاضرا منذ القدم لكن الفرق بينهم وبيننا كيف كانت ادعاءاتهم وبلاغتهم سر النجاة من قطع الرقبة، ولنقف ونسترسل كيف أننا نتباهى بالفراغ، "عرفتي شكون أنا" كأن الحياة والموت بين يديه، فماذا عساك تكون يا بني، قد نقول هذه الجملة إذا كنا في غير المغرب، لكنك ما دمت في المغرب فلا تستغرب، فلن أخوض في حكاية ابن وزير الإتصال والفضيحة التي كانت مادة دسمة على مدار الأسبوع المنصرم كونه استخدم سلطته لتخليص ابنه من أصفاد الشرطة لا لشيء سوى لأنه وزير، ولن نتحدث عن ابنة الوزير الأسبق التي تسببت في كسر عظام شرطية بالرباط، ولا ابن الوزير الذي صدم عامل النظافة وتسبب في موته، ولا ابنة النقابي التي دهست عمالها بالقنيطرة، سنرى المواطن الذي لا يملك ما يكمل به يومه، ويقول عند أبسط موقف "أنا ولد فلان" هذا فلان الذي لربما لا يعرفه وجها، ففي إحدى المواقف المشابهة استوقفت الشرطة أحد الأشخاص فلما سئل عن هويته فإذا به يقول بكل جرأة "أنا ابن فلان"، فما كان إلا أن نال صفعة "فيقاتوا من نعاسو" والشرطي يردد "فوقاش ولدتك أنا"، وكم من مصلحة استحال عليك قضائها، فما كان منك إلا أن تظاهرت انك ابن "الشريف" لتجد المصلحة كلها تسعى لتلبية طلبك على قدم وساق هذا أبسط مثال يمكن أن تعيشه في ظلمات النهار المشمس. ويعتبر هذا العامل من بين الأسباب الحقيقة التي أدت إلى تأخر الأمة العربية، والتي تصب في تقديم ذوي النفوذ على الأحق منهم ولو كانوا أقل خبرة أو كفاءة فهو صاحب واسطة، فلن نقول أن العيب في الخلف ولو أن السلف لم يزرعوا فيهم هذا الإحساس بأنهم فوق الآخرين ولما لا حتى القانون طالما أنهم أبناء ذوي الهواتف النافذة، فالواجب على كل ذي نفوذ أن يحكم من لجام أبنائه لعدم التظاهر واستخدام السلطة بغير صفة قانون، فكلمة "عرفتي شكون أنا" ليست وليدة الحاضر، حيث أنها تنقذ أحيانا، وتورط أحيان، لكن الفارق بين زماننا هذا والماضي أنها باتت الكلمة السحرية التي تمكنك من قضاء مصالحك في وقت وجيز دون المرور على المساطر التي تصبح معك روتينية ما دمت " من طرف فلان " ، فصرنا نسمعها في كل الإدارات، في الأماكن العامة، في الشارع ونخشى أن نسمعها في بيوتنا ذات يوم. كل هذا صار عاديا بالنسبة لنا كمغاربة لأننا نختار الصمت والإستسلام رغم أننا نملك حق الأسبقية مع ذاك الذي يملك "معرفة"، بصمتنا استحققنا الذل وما هو إلا النتيجة الحتمية لذلك، لكن الغريب أن يصير الإطار التربوي بمؤسساتنا التعليمية الضحية هنا يجب ان نقف ونقول لنا، فبعد أن طردت الأستاذة إحدى تلميذاتها لعدم احترامها وشتمها، أبت هذه الأخيرة إلا أن تظهر للجميع أنها "بنت فلان"، فحضرت بعد ذلك إلى الثانوية وبمعيتها رجال الشرطة كتهديد للأستاذة في حالة ما إذا كررت الفعلة. لأقول أ ولد فلان حظي راسك من ولد فلان.