لتأتي سرعة خروجها من أفواه بعض المشايخ مكسرة لكل جميل تميز به العقل الإسلامي على مر العصور ، وضاربة بعرض الحائط كل لوازم وشروط ومتطلبات الفتوى الشرعية وما يرافقها من تريث وتمهل وتحوط وميل للتؤدة والتأني والحلم والإحتكاك بالواقع المعاصر والتحرز والتحيز لمبدإ الشورى والتأسي بجهابذة المفتين من السلف الصالح في هذا المجال الخطير . فما بين فتوى ملاك القنوات الفضائية وما أثاره حولها لفظ قد يحل قتل من لغط شديد وتناطح مبين بسبب سوء وضع المقال الأنسب للرد المناسب على سؤال سائل جر بسؤاله رئيس القضاء الأعلى للمملكة العربية السعودية نحو إعمال قياس بدا أنه حاد عن سكة الصواب وفتح الباب على مصراعيه للتهجم على دين الإسلام ووصفه بأبشع النعوت حين أوصى بتطبيق حد الحرابة على ملاك فضائيات المجون والخلاعة ،، وما بين فتوى قتل ميكي ماوس باعتباره فويسقة من جند إبليس وواحدا ممن أمرت الشريعة السمحاء بقتله في الحل وفي الحرم وعدوا من أعداء الله وما جرته هذه الفتوى من سخرية لاذعة على صاحبها المفتي ،، ومابين فتوى جواز زواج بنت التاسعة وما تلاها من إغلاق لدور القرآن بالمغرب وتنديد لمجلسه العلمي الأعلى وتحرك للمنظمات والهيآت التي تعنى بشؤون الطفولة... مابين تلك وتلك ولى المسلمون وجوههم قبل المشرق والمغرب في آن واحد وكلهم يستفسرون عن سر هذا التنافس المحموم بين بعض المشايخ على إعلاء شأن الإستهزاء بنا وبديننا وبفكرنا ويطرحون السؤال تلو الآخر عن الدور المنوط بكل إمام وعالم ويتساءلون عن الطرق الناجعة للإعلام عن رب الآنام دون اللجوء إلى فتاوى تنفر الناس من دينهم وتعسر عليهم ما يمكن تيسيره بآليات شرعية لو تم النظر إليها بعين الحكمة السديدة لكفت المومنين شر القتال . في مصر فوجئ العالم السنة الماضية بفتوى رضاع الكبير الأمر الذي أوقع المسلمين في حرج ما بعده حرج وأعطى الضوء الأخضر لكل متهكم وناقم على الإسلام ليلوك بفمه أعراض المومنين والمومنات مادامت الفتوى المذكورة قدمت له عنوانا مغلوطا للقضايا والمسائل التي يشتغل عليها العلماء والمشايخ وتنشغل بها عقول العامة والخاصة ، وما كادت تبعاتها تنسى حتى تزعم بعض الأئمة الركب من جديد فأفتوا وفي نفس القطر بجواز جلد كل صحافي تسول له نفسه الأمارة بالكتابة التشكيك في سلامة صحة فخامة رئيس الدولة في سابقة هي الأولى من هكذا فتاوى ، ولله الأمر من قبل ومن بعد . وفي المغرب وبعد إبعاد العلماء والفقهاء والمهتمين بالعلوم الشرعية عن دوائر صنع القرار تحت يافطات الإصلاح الديني وما جاوره من شعارات فضفاضة أمست الفتوى حكرا على مؤسسة علمية تضم في صفوفها نخبة من العلماء يوكل إليهم النظر في الفتوى الشرعية بضوابطها وشروطها فيما أسمي بعد ذلك ب : المجلس العلمي الأعلى ، والمتتبع لمسيرة الفتاوى الصادرة عن هذا المجلس سرعان ما يلاحظ أنها تنقسم إما إلى أجوبة توضيحية لأسئلة تتمحور حول أركان وسنن وكيفية القيام ببعض الفرائض و الأمور الدينية الواجب على كل واحد منا تعلمها ، أو إلى فتاوى تنديدية تهدف إلى الرد على فتاوى أخرى جانبت الصواب أو أثارت حفيظة فرقاء ليسوا سواء ، كما هو الحال مع فتوى المغراوي أو كما وقع سابقا مع فتوى الشيخ القرضاوي القاضية بجواز امتلاك السكن بقرض ربوي ، وفي المقابل سيجد أن المجلس يهمل ويهمش العديد من الفتاوى التي لو قدرت لها الإجابة القيمة لتغيرت أحوالنا من أسوء إلى أحسن . فمثلا طبقية قوم هرقل المتمثلة عندنا في تصنيف الناس إلى صالح وطالح أو عبد وسيد مع رمي الأخير بالرصاص الحي حتى وإن كان يسهر الليالي الطوال ليحمي حياة الأول تحتاج إلى فتوى تشرع حكما جديدا لهذه الطبقية فإما أن تنصفها إنصافا كاملا يحل لها ما تقترفه في حق الطبقات الأخرى من جرائم وانتهاكات ويحرم نقدها وانتقادها والحكم عليها والسخرية منها ، وإما أن تجرم تصرفاتها وتندد من يقف وراء صناعتها وحمايتها ... وتفويت أراضي الدولة بغير وجه حق لمن لا يستحقها أو بيعها بثمن بخس لا تشتم فيه مصلحة الوطن ولا تراعى فيه مصالح المواطن يحتاج أيضا إلى فتوى ليحل البيع أو يحرمه حتى نكون على بينة من أمرنا فإما أن نترك لهم الوطن ليبيعوه بالجملة وإما أن يردوا لنا ما باعوه بالتقسيط على مرأى ومسمع منا ... وجلد المواطنين غداة كل احتجاج أو مظاهرة ، وسلخ الدكاترة المعطلين آناء الليل وأطراف النهار ، وقطع رؤوس الأقلام الجادة ، ووضع العراقيل والعقبات أمام الغيورين عن الوطن ، واغتصاب النساء المناضلات وترويعهن لترويضهن على الخضوع والخنوع ، والهجرة السرية ومن يسيرها ، وغلاء الأسعار ومن يؤجج نيرانه ، والدستور الممنوح ، والسلط الفاسدة ، والبرلمان المعطل ، والحكومة المشلولة ،والقضاء الصوري ، والعصي التي تفوق ما لدينا من ملايين النسمات ، والملايير التي سرقت وهِربت ، والأمهات العازبات وأرقامهن ، والإجهاض ونسبته ، والفقر وسقفه ، والدخل الفردي وقيمته ، والتعليم ومرتبتنا المشرفة جدا ، والرشوة والمحسوبية والزبونية ،والمخدرات وأراضيها ،والعولمة ومن سيلاقيها ، والديموقراطية وماذا تعني حروفها ، كلها أمور وقضايا بحاجة إلى فتاوى تليق وطموح ومطالب هذا الشعب الأبي . نعم هذه هي القضايا التي يجب أن يستفتى فيها العلماء والمشايخ الأجلاء لتفك عقد ألسنتهم وليخرجوا لنا بأحكام شرعية تؤسس لأوطان قوية تبعدنا عن الركوع للأوثان البشرية وتقربنا من حقوقنا الدينية والدنيوية . فيا علماء الإسلام : اتقوا الله فينا وفي إسلامنا . ويا علماء المغرب : أفتونا في أمرنا لا في بناتنا ، فنحن ولله الحمد شعب اختار شبابه رهبانية ما ابتدعها ولكن فرضها عليه واقع الجبر والجور والظلم فقرر عدم الزواج والإنجاب في زمن يسود فيه الرويبضة ويستفتى فيه رؤوس جهال فيفتون بغير علم فيضلون ويضلون وتلك حكاية أخرى . بقلم: محمد ملوك