بعد أزمة حكومية اعتبرت الأسوأ من نوعها في تاريخ لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990 ، أعلن رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري يوم الاثنين الموافق 9 نوفمبر / تشرين الثاني عن ولادة الحكومة الجديدة . هذا التطور الهام جاء بعد يومين فقط من موافقة المعارضة على الصيغة الحكومية التي تم التوصل إليها خلال المفاوضات مع الحريري . وكان حزب الله أبرز أركان المعارضة أصدر بيانا في 7 نوفمبر أعلن فيه أن المعارضة قررت السير في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية وفقا للقواعد التي اتفق عليها خلال المفاوضات التي جرت في هذا الشأن . ووفقا للبيان ، فإن الحكومة الجديدة تضم 15 وزيرا من ائتلاف الحريري و10 وزراء من المعارضة من بينهم وزيران من حزب الله ، وحصلت المعارضة على الحقائب التالية : الاتصالات، الطاقة، الصناعة، السياحة ، ووزير دولة للتيار الوطني الحر وحلفائه ، فيما الخارجية ، الصحة ، والشباب والرياضة لرئيس مجلس النواب نبيه بري ، والزراعة والتنمية الإدارية لحزب الله . البيان السابق جاء في أعقاب لقاء عقده أركان المعارضة التي تضم بشكل أساسي قوى شيعية يقودها حزب الله وحركة أمل إلى جانب التيار الوطني الحر المسيحي . ورغم أن البيان لم يوضح طبيعة العرض الوزاري الذي دفع المعارضة للقبول بالتشكيلة الحكومية بعد تعنت استمر حوالي أربعة شهور ، إلا أنه ترددت أنباء أن الحريري قدم تنازلات لصالح المعارضة التي حصلت على حقائب أساسية ووزراء معينين كانت تطالب بهم ، وهو الأمر الذي أثار أزمة داخل قوى الأكثرية النيابية في لبنان خاصة المسيحية منها على صعيد توزيع الحقائب ، إلا أنه سرعان ما تم معالجة هذا الأمر. كلمة السر وسواء قدم الحريري تنازلات للمعارضة أم لا ، فإن التقارب السوري - السعودي كان كلمة السر في خروج تشكيلة اللبنانية الجديدة للنور . وكان العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز وصل إلى دمشق يوم الأربعاء الموافق 7 أكتوبر / تشرين الأول في زيارة رسمية لسوريا تعتبر الأولى منذ تدهور علاقات البلدين عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري في عام 2005. تلك الزيارة التاريخية التي جاءت في أعقاب سلسلة من الخطوات التقاربية بين البلدين منذ قمة الكويت الاقتصادية العربية في يناير الماضي جاءت لتؤكد أن التنسيق الاستراتيجي عاد لعلاقات البلدين وهو أمر كان لابد أن يؤثر إيجابيا على الوضع العربي بشكل عام ، وبالفعل ظهرت بوادره في ولادة الحكومة اللبنانية المتعثرة . ويبدو أن الأمور تسير باتجاه عقد مصالحة شاملة أيضا بين القاهرةودمشق ، حيث لا يستبعد البعض أن يقوم الرئيس السوري بزيارة القاهرة قريبا أو يقوم الرئيس المصري هو الآخر بزيارة دمشق . وفي حال تحقق مثل هذا الأمر وتمت استعادة التنسيق المصري السعودي السوري والذي كان عبر التاريخ ركيزة أساسية لحماية الأمن القومي العربي فإن هذا سيسرع بلا شك من جهود المصالحة بين فتح وحماس وإعادة الروح بالتالي للقضية الفلسطينية التي تراجعت كثيرا خلال الفترة التي أعقبت فوز حماس بالانتخابات التشريعية وما تخللها من حصار واقتتال داخلي وانقسام عربي بين دول "ممانعة" ودول "اعتدال". إن العرب جميعهم خسروا جراء الشرذمة التي حدثت خلال حرب تموز 2006 في لبنان وأثناء وبعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة ، ولذا تحاول سوريا والسعودية ومصر حاليا الاتفاق على استراتيجية موحدة تأخذ في الحسبان وجود حكومة متطرفة في إسرائيل ترفض إقامة دولة فلسطينية ، ووجود إدارة أمريكية جديدة أعلنت رغبتها في التعاون مع العالم العربي والإسلامي على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة . ويبدو أن توقيت الإعلان عن ولادة الحكومة اللبنانية الجديدة هو أقوى رسالة في هذا الصدد ، حيث أنه يتزامن مع رفض إسرائيل وقف الاستيطان واستمرارها في التهديد بشن حرب جديدة ضد حزب الله وحماس ، وبالتالي فإن أي تأخير في إنهاء الأزمة الحكومية في لبنان كان من شأنه أن يوفر الأرضية الخصبة لإسرائيل لتنفيذ مخططاتها الشيطانية . وبالنسبة للقلق العربي من إيران ، فإن عودة دمشق بقوة للحضن العربي وبدء إدارة أوباما في إجراء حوار مباشر مع طهران وانتهاء الأزمة السياسية في لبنان هى أمور من شأنها إنهاء سياسة المحاور في المنطقة وتهدئة التوتر في العراق ولبنان وفلسطين واختفاء الدعاية التي روجتها إدارة بوش في السابق حول سنة وشيعة والغزو الشيعي الإيراني للدول العربية. والخلاصة أن ولادة الحكومة اللبنانية بعد مخاض عسير هو أمر يدعو للتفاؤل وكلنا أمل أن تنجح حكومة الحريري في إنهاء كافة الملفات الشائكة قبل التقدم لنيل الثقة من مجلس النواب وخاصة فيما يتعلق بتوزيع الحصص الوزارية داخل قوى الأكثرية والبيان الوزاري الذي يحدد توجهات الحكومة وموقفها من القضايا المطروحة وفي مقدمتها سلاح حزب الله. أزمة حادة وكان الرئيس اللبناني ميشيل سليمان كلف سعد الحريري بتشكيل الحكومة للمرة الأولى في 27 يونيو/حزيران الماضي في أعقاب الانتخابات النيابية التي أعادت منح الأغلبية للقوى التي يقودها . وجاء تكليف الحريري عملاً بالعرف الذي يقضي بتسليم هذه المهمة للشخصية السنية التي تنال أكبر نسبة من أصوات النواب ، ولكن الحريري فشل خلال 73 يوماً أمضاها في مشاورات مع مختلف الكتل بالتوصل إلى تشكيلة تناسب الأغلبية والمعارضة بعدما طلب منه رئيس الجمهورية تشكيل حكومة وحدة وطنية وذلك بسبب إصرار المعارضة على مقاعد حساسة بينها وزارة الاتصالات ووزارة الداخلية. ودفع هذا الأمر بالحريري في أواسط سبتمبر/أيلول الجاري إلى تقديم تشكيلة كان يدرك سلفاً رفض المعارضة لها وأعقب ذلك اعتذاره عن المهمة في العاشر من سبتمبر/أيلول. وبعد ذلك بستة أيام ، أعاد الرئيس اللبناني ميشيل سليمان تكليف الحريري بتشكيل الحكومة مرة جديدة في أعقاب المشاورات النيابية التي انتهت بحصول الحريري على دعم من الكتل المتحالف معها. وجاء تكليف الحريري هذه المرة وسط امتناع الكتل المعارضة والمكونة بشكل أساسي من حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر عن تسمية أي شخصية لرئاسة الحكومة ، معربة عن إصرارها على مطالبها بالحصول على وزارات حساسة. وفي 9 نوفمبر وبعد 133 يوماً من تكليفه لأول مرة ، أعلن الحريري عن ولادة الحكومة الجديدة ، ليتجاوز لبنان بذلك أطول أزمة حكومية منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990 . وجاء الإعلان بعد اجتماع عقده الحريري مع الرئيس ميشيل سليمان في قصر بعبدا ، حيث سلمه تشكيلة الحكومة الجديدة والتي حصلت بمقتضاها الأغلبية على 15 حقيبة فيما حصلت المعارضة على عشر حقائب وحصل رئيس الجمهورية على خمس حقائب من إجمالى عدد حقائب الحكومة المؤلفة من 30 وزيرا. وقد أعلن الأمين العام لمجلس الوزراء اللبنانى سهيل بوجى تشكيلة حكومة الحريرى على النحو التالى : سعد الدين الحريرى رئيسا للوزراء ، إلياس المر نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للدفاع الوطنى ، بطرس حرب وزيرا للعمل ، أكرم شهيب وزيرا للمهجرين ، غازى العريضى وزيرا للأشغال العامة والنقل ، ميشيل فرعون وزير دولة لشئون مجلس النواب ، على حسين عبدالله وزيرا للشباب والرياضة ، عدنان القصار وزير دولة ، محمد جواد خليفة وزيرا للصحة العامة ، محمد الصفدى وزيرا للاقتصاد والتجارة ، طارق مترى وزيرا للإعلام ، محمد فنيش وزير دولة لشئون التنمية الإدارية ، جان أوجاسبيان وزير دولة ، إبراهيم نجار وزيرا للعدل ، وائل أبوفاعور وزير دولة ، زياد بارود وزيرا للداخلية والبلديات ، جبران باسيل وزيرا للطاقة والمياه ، حسين الحاج حسن وزيرا للزراعة ، إبراهام دديان وزيرا للصناعة ، منى عفيش وزير دولة ، على حسين الشامى وزيرا للخارجية والمغتربين ، حسن منيمنة وزيرا للتربية والتعليم العالى ، عدنان السيد حسين وزير دولة ، شربل نحاس وزيرا للاتصالات ، فادي عبود وزيرا للسياحة ، سليم الصايغ وزيرا للشئون الاجتماعية ، ريا حفار وزيرا للمالية ، يوسف سعادة وزير دولة ، سليم وردة وزيرا للثقافة ، محمد رحال وزيرا للبيئة. واحتفظ زياد بارود والياس المر المواليان للرئيس بمنصبيهما كوزيرين للداخلية والدفاع في حين من المتوقع تعيين وزيرين جديدين للخارجية والمالية. ورشح الحريري ريا الحسن وزيرة للمالية ومسئولة عن ادارة الدين العام الضخم للبنان كما تم ترشيح الدكتور علي الشامي(64 عاما) وزيرا للخارجية وهو أستاذ محاضر للدراسات العليا في الجامعة اللبنانية تقاعد هذا العام. وبصفة عامة جاءت الحصص كالتالي : حصة السنة : سعد الحريري والوزراء رضوان السيد وحسن منيمنة وريا الحسن ومحمد الصفدي وعدنان القصار . حصة حزب الله: حسين الحاج حسن وزير زراعة ومحمد فنيش وزير تنمية ادارية . حصة الرئيس سليمان : الياس المر وزير دفاع وزياد بارود وزير داخلية . مسيحيو 14 آذار : وزارات العمل والثقافة والشئون الاجتماعية والعدل والإعلام . وعقب إعلانه عن ولادة حكومته ، أكد الحريري أن الحكومة الجديدة هى حكومة وفاق وطني ، قائلا :" إما أن تكون الحكومة فرصة للبنان لتجديد الثقة بالدولة فنقدم من خلالها نموذجها متقدما لنجاح مفهوم الوفاق الوطني أو تتحول إلى محطة نكرر فيها فشلنا في تحقيق الوفاق".