كانت لحظات مؤثرة للجانبين ولآلاف الحضور وملايين المتفرجين في العالم الذي تابعوا بشغف نهائي كبير إستغرق اكثر من اربع ساعات وتوج بغمرة حنو من نادال التلميذ النجيب على "الاستاذ" فيدرر الذي كان الجميع يخشى لقاءه فبات يحسب حسابا كلما أوقعته المنافسات في مواجهة "رافا الفوضوي". لم تسعف الكلمات فيدرر للتعبير عن مشاعره وقد سبقتها الدموع موقف عاطفي انسحب على رافا المغرورقة عينيه فرحا وتأثرا. وليس مجاملة ان يعلن نادال على الملأ ان فيدرر بطل عظيم فهو كذلك فعلا. وكان يمني نفسه دائما بان يقارن به ومنذ العام الماضي بدأت تدغدغ رأسه احلام التفوق خصوصا وقد فرض ايقاعه ومقدرته على مختلف الارضيات ولم يعد يوقع "خصمه المباشر" فيدرر في مصيدة رولان غاروس فقط. ولعل ما زاد في حزن فيدرر خشيته ان يكون الموسم الحالي نسخة عن سابقه من ناحية تقهقر مستواه وتصنيفه وكان استهل العام الماضي بسلسلة خيبات بدءا من مرضه وتعثره. وعزز العسراوي نادال (23 سنة) تصنيفه العالمي واكد اصراره وتصميمه على الصدارة عقب مباراتين ماراتونيتين امام مواطنه فرناندو فرداسكو الرابع عشر 6-7 (4-7) و6-4 و7-6 (7-2) و6-7 (1-7) و6-4 في نصف النهائي وفيدرر الثاني 7-5 و3-6 و7-6 (7-3) و3-6 و6-2 في النهائي. ضم نادال الذي احترف عام 2001 كأس دورة استراليا الى سجله رافعا رصيده الى 32 لقبا في الفردي بينها 6 القاب كبيرة: رولان غاروس اعوام 2005 و2006 و2007 و2008 وويمبلدون 2008 وملبورن الاسترالية 2009 فضلا عن مساهمته بفوز اسبانيا بكأس ديفيس عام 2004 وحصده ذهبية دورة بكين الاولمبية عام 2008. عقب فوزه الاول في رولان غاروس عام 2005 تعدى الحديث عن نادال (82ر1 85 كلغ) الظاهرة الثنائية التي راح يشكلها وفيدرر المصنف اول عالميا وقتذاك. وتوقع كثر سيطرتهما سنوات عدة على الساحة تاركين لبقية المنافسين الاقوياء "فتات" الالقاب والجوائز. عامها احرز نادال 11 لقبا وعادل رقم فيدرر في عدد الالقاب في عام واحد فضلا عن ان موسم دورات الماسترز او الدورات التسع السوبر حصر بثلاثة لاعبين فقط اذ اضافة الى فيدرر ونادال اخترق الروسي مارات سافين "الاحتكار المطلق" بفوزه في دورة استراليا الكبرى علما ان المتعارف عليه كان توزع الالقاب بين مجموعة مؤلفة من سبعة الى عشرة لاعبين . وفي موازاة زمن "الاحادية" او "الثنائية" الضيقة لفت نادال الانظار بقوة وشكل في موطنه اسبانيا الوجه الآخر لموجة الشعبية الجارفة التي تميز بها مع بطل سباقات سيارات فورمولا واحد فرناندو الونسو. واللافت ان نادال الذي يطلق عليه عدة القاب ابرزها "ماتادور" و"القرصان" تخلى عن تقاليد العائلة وارتباطها الوثيق بفريق برشلونة لكرة القدم ويجاهر دائما بتشجيعه ومناصرته للغريم التقليدي ريال مدريد. وتكثر في المدن الاسبانية الرئيسة الاحصاءات والاستطلاعات التي تجريها المؤسسات الاعلانية من اجل توجيه زبائنها الى السوق المناسبة. وفي القطاع الرياضي العام تفوق نادال على مواطنيه كارلوس مويا المصنف اول عالميا عام 1999 وخوان كارلوس فيريرو المصنف اول عام 2003 في ايام عزهما. وصنفه المواطنون بمنزلة النجمة السابقة ارانتشا سانشيز فيكاريو التي كان يظن كثر انها لا تزال ناشطة على رغم اعتزالها عام 2002. اذا هناك اسمان حاليا يستقطبان المعلنين ويحققان نسبة عالية من المشاهدة تلفزيونيا هما نادال والونسو وينافسان بمفردهما "كتائب كرة القدم" وجمهورها العريض. فلا عجب ان يحظى البطلان بتهافت المعلنين والرعاة المحليين . ويمثل نادال الرمز الذي تتمنى الامهات ان يكون لهن ابناء مثله "بطل محترم محبوب ومتعلم". ويقول بيدرو هيرنانديز المدير الاعلامي في الاتحاد الاسباني للتنس ان صديقات ابنته اللواتي يتراوح عمرهن بين ال13 وال15 سنة "معجبات به أو واقعات في حبه"... ونادال اساسا "ناشط اجتماعي" على اكثر من صعيد يشارك في برامج وحلقات تلفزيونية واذاعية عامة وتحتل صوره اغلفة مجلات اجتماعية مثل "بيبول" و"فوغ"... "شاب معروف اينما حل مختلف عن الآخرين ..." انه البطل الاسباني الاكثر عالمية" تعدت شهرته اوروبا الى الولاياتالمتحدة والوقائع الميدانية عن هذه الظاهرة كثيرة ومنها ما يحصل في دورة فلاشينغ ميدوز". ويضع نيكولا ارزاني مسؤول الاتصالات والعلاقات في جمعية اللاعبين المحترفين فيدرر ونادال في منزلة متقدمة بعيدا من الآخرين نظرا لتفوقهما خارج الملاعب ايضا. فمثلا نادال عارض ازياء موهوب و"سفير" لماركة "نايكي" التي يدر عليها ارباحا طائلة من خلال ارتداء ملابسها الرياضية وحصده الانتصارات. انها ظاهرة تعرف ب"نادال مانيا" تنمو وتتسع. وقبل عامين استغل "القرصان" مشاركته دورة برشلونة التي حصد لقبها محرزا فوزه ال72 على التوالي على الملاعب الترابية لتوقيع كتاب يسرد سيرة حياته وهي في أولها. سيرة الانتصارات وقد اعدها صحافيان من مواطنيه وشهدت حفلة التوقيع التي أقيمت في "رويال تنس كلوب" صفا طويلا من المنتظرين للحصول على هذه الميزة من "رافا" الذي غير وجه التنس والنظرة اليها في اسبانيا. وهذه الشعبية التي حصدها اللاعب الشاب مردها في الدرجة الأولى الى شخصيته النموذجية التي لم تبهرها الاضواء والثروة فبات المثال الذي يحتذى به. والمنتظرون لبلوغ الردهة الكبيرة والحصول على الكتاب شددوا على انه يستحق هذا العناء لانه ببساطة "غير متعجرف" وينسحب الاحترام على عائلته التي احاطته بعنايتها. فقد "حظي بتربية صالحة" وهذه "ثمار ما زرعته". في محيط آل نادال لوالد "رافا" القرار الحاسم في العقود التجارية. وعهدت الى عمه طوني الشؤون الرياضية والفنية. واللاعب الرقم الرقم واحد في العالم لم يخرج عن طاعة والده وعمه ويستشيرهما في الصغيرة والكبيرة. فمثلا طلب الاذن من عمه لشراء كومبيوتر محمول عندما كان في شنغهاي يخوض بطولة الماسترز عام 2007 ورفض الاقامة في الجناح المخصص له باعتبار ان هذا المكان يليق بوالده فقط "لأنه كبير العائلة"! في اسبانيا يخوض "رافا" مبارياته وسط مدرجات ممتلئة عن آخرها اذ يثير اداؤه يثير الحماسة والحيوية في القلوب على غرار ابطال مصارعة الثيران او شخصيات العاب الفيديو الذين يتمتعون بالقوة والصلابة على رغم انه "بطل العفوية والبساطة". وقدرت مداخيل "رافا" من جوائز الدورات العام الماضي ب9 ملايين يورو اما ما يحصله من عقود الرعاية فيبلغ عشرة أضعاف. ولعل النجاح المتنامي لهذه "الثروة المتحركة" او "منجم الذهب" ما دفع قناة "بريميرا" التلفزيونية لشراء حقوق النقل المباشر لنهائي رولان غاروس عام 2006 فحققت نسبة مشاهدين قدرها 1ر41 في المئة اي حوالى 7ر4 ملايين شخص. ورفعت القناة الثانية معدلها من المشاهدة من 9 في المئة الى 36 في المئة! ارقام قياسية اثارت حماسة شبكة التلفزيون الاسباني "تي في أو" فابرمت عقدا مع جمعية اللاعبين المحترفين لنقل مباريات سلسلة دورات الماسترز ورولان غاروس وكأس الاتحاد وكأس ديفيس اي ما مجموعه 26 دورة وبطولة سنويا وحتى عام 2010. اضحت ظاهرة "رافا" تؤرخ للتنس في اسبانيا فهناك مرحلتين على حد تعبير اليكس كوريتخا المصنف ثانيا عالميا سابقا: قبل نادال وبعده ويضيف: "في السابق كان الاسبان يتابعون اللعبة بطرف عينهم وسريعا ما يبدلون القناة التي تنقل مباريات والآن يتسمرون امام الشاشة عندما يلعب فالاقبال على منافساته شبيه بمباريات الكوريدا (مصارعة الثيران) وهو يجذب حشودا ومعجبين في اي مكان. وبدلت الصحافة الرياضية الاسبانية اولوياتها فاصبحت تكثر من صفحات التنس فمثلا تولى صحافيان او ثلاثة تغطية مباريات ويمبلدون ميدانيا عام 2005 وبلغ عددهم 35 العام الماضي.