كنت قد قررت قبل شهر تقريبا أن أتجاهل الكتابة عن الانتخابات ، لكن ورغم محاولات فراري منها إلى أي شيء أو حتى إلى اللا شيء ، لأني كنت أشعر بأن الكتابة عنها لا تغريني -كما كان مع الانتخابات السابقة – فقد وجدتني عاجزا عن مقاومة التحريض الذي مارسه علي ما عجت به الساحة حولي من أحداث شدت اهتمامي باتجاهها ، ودفعت بي للكتابة عنها ، ما سمعت وقرأت أن السيد بنكيران يعمل على تمكين العنصر الأمين العام للحركة الشعبية من رئاسة الجهة ، الشيء الذي يتنافى والأخلاق السياسية ، ويعتبر خيانة للثقة التي وضعتها ساكنة فاس في حزبه ، وضربة قوية للمسؤولية التي طوقوه بها ، والمتمثلة تمكين حزبه من تسيير شؤون مدينتهم وجهتها ، وليس ببيعها لحزب آخر .. لذلك قررت للكتابة حول الموضوع الذي أغضب الفاسيين وأقلقني كمواطن مغربي غيور ومحب لمسقط رأسه فاس ، التي يعشقها ويهيم بها ، والتي ساهم ، قدر المستطاع ، في الرقي بأوضاعها من خلال عدد من المحطات النضالية الاجتماعية والحزبية والنقابية والاجتماعية ، كفاعل جمعوي أولا ، وكرجل تعليم ثانية ، وكمسؤول نقابي في الجامعة الحرة للتعليم ، وكنائب للكاتب الجهوي للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، ، وكمرشح جماعي بالمشور فاس الجديد ، وككاتب عام لمجلس عمالة فاس . لم أتعمد ذكر هذا تفاخرا ، لأنه ليس كذلك ، وإنما هو واجب ومسؤولية ثقيلة تفرضها المواطنة على كل غيور يحتقر المنافع المادية ، ويخلف وراءه الأهواء والأغراض ويمؤن بقوله تعلى :" إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ( 72 ) ) ولكني ذكرته الآن ، بعد أن بسط المصباح أياديه على مجلس فاس وجهته في ظل اكتساح فريد وغير مسبوق ، ليعرف الكثير من أنصار بنكيران من أبناء هذه المدينة -وجلهم من أصدقائي ومعارفي ورفاقي في درب النضال والذين عرف جلهم بالجدية والمصداقية- أني لا أتحدث من فراغ ، أو بدافع عاطفة متهورة ،ولأدعوهم ، ألا يخذلوا هذه المدينة وجهتها -كما فعل السابقون الذين قتلوها- التي أعجبت غالبية ساكنتها ، ورأوا فيما نادوا به من شعارات الإصلاح ، خيرا اطمأنت إليه نفوسهم ، و سكنت إليها أفئدتهم ، وأن يبادروا إلى تحويلها إلى منجزات ملموسة ، وتجسيدها في أفعالا على أرض الواقع ، تنسيهم ما عاشته المدينة من بهدلة ... إن كل الذي تريده ساكنة فاس منكم، هو أن تكونوا بحق ممن شرح الله صدورهم لهدايته فاتبعوا أنبياءه وآمنوا برسالاته ، تجاهدوا الفساد الذي زكمت روائه سماء وأرض العاصمة العلمية كما وعدتم بذلك وصدقنا قولكم ، دون خَوف من عتاب مخالف أو لوم أو مستنكر أو توعد مهدد ، حتى يعلو صوت الحق فوق صوت المفسدين ، كما في قول رب العالمين :"يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ) (المائدة:54.. وكلنا يعلم أن طريق الإصلاح صعب وشاق ، لكنه بين كالمحجة البيضاء التي لا يزيغ عنها إلا هالك ،لما يتطلبه من إيمان قوي، وتضحية بالمال والوقت والصحة لتحقيقه ، إذ لا معنى لإيمان لا يتبعه عمل ، ولا فائدة في عقيدة لا تدفع صاحبها إلى العمل والتضحية في سبيل تحقيقها ، الذي لا يتم عن طريق الوصلات الإشهارية فقط ، ولكنها تتحقق أساسا بجعل المواطن يحس بأن صوته مهم ، وبأن رأيه ووجهة نظره سيحترَم ، فالديمقراطية سلوك وممارسة قبل أن تكون شعارات ووعود انتخابية ... فأول الخطوات في رأيي المتواضع ، هو الاهتمام بأصوات الناخبين وإيلائهم المكانة التي تستحقها، والاستماع لآرائهم وإشراكهم وتحكيمهم في كل الأمور ، وخاصة منها التحالفات السياسية التي تحدد خارطة مسيري المجالس المحلية والجهوية ، ورؤسائها ، والتي من المؤكد أن كل حزب سياسي يعمل كل ما في وسعه على أن تسفر مفاوضاته مع باقي الأحزاب عن احتلال أحسن المواقع الممكن احتلالها، وذلك من حقهم ، لكن يبقى من حق الناخب على حزب المصباح الذي ارتضاه بديلا ، ووقع معه عقدا صريحا -و ليس حتى ضمنيا- ينص على أن يسير شأنه المحلي والجهوي أطر حزب المصباح ، وألا يخون الثقة التي منحها له ، ويفرض على الجهة رئيسا هي غير مقتنعة به ، ولا تأمل فيه أن يخدم الأهداف التي تتوخاها من هذه الانتخابات ومن المسلسل الديمقراطي ككل ، وذلك لأنه لو كان يتوفر على الحدود الدنيا لكسب ثقة الناخب الفاسي ، لما صوت هذا الأخير وبكثافة على المصباح الذي عوَّل عليه لتخليص مدينة فاس وجهتها من مخاطر الفساد ، و تحصينها مما يحذق بها مع رئيس من حزب آخر لم يستطع تسيير بولمان و"مرموشة" فكيف له أن يدبر شأن جهة فاسمكناس الموسعة ؟ . فهل سيجرؤ قياديو حزب المصباح على بيع الجهة ، إرضاء لحلفائه في الحكومة وضدا على المصلحة العامة للجهة والوطن ، وإذا هم فعلوا ذلك وباعوا الجهة إلى من لا يرتضيه من انتخبهم ، وهم يعلمون أن الانتخابات الجماعية والجهوية ما هي إلا محطة ضمن المسلسل الديمقراطي ، وقريبا ستتم دعوة المواطنين من جديد للتسجيل في اللوائح الانتخابية، ثم للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية، والاستجابة لهذه الدعوة ، يستدعي التعامل مع الأصوات بالشكل الذي يشجع من صوتوا على التصويت لهم في الانتخابات المقبلة ، ويحفز من لم يصوتوا على وضع حد للعزوف والإقبال بكثافة على المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. فليهيئ حزب المصباح نفسه لنتائج لا تقل عن التي تكبدها غريمه شباك ، وذلك في الاستحقاقات القادمة .. [email protected]