لا يزال موضوع قناعة بن كيران اتجاه الصحافيين بأنهم "ماشي رجال" مثيرا للنقاش في المواقع الالكترونية، وحتى على صفحات الجرائد الورقية، كأنما الأمر يتعلق بجريمة نكراء ارتكبها رئيس الحكومة، وتستحق من الصحافيين الحفر في خلفياتها ودوافعها، لتعرية المسكوت عنه وراء ما قاله بن كيران. مهما قيل، وسيقال حول هذا الموضوع، فإن خروج بن كيران عن حدود النقد المسموح به، هو الذي يجب أن يناقش، مادام لم يراعي في قوله حتى الموقع الذي يتكلم منه، وفي مغامرة ضد أمة الصحافيين، التي يعرف جيدا مدى غضبها، إذا كانت مظلومة، حتى من أقرب الناس إليها، ومن العبث، أن يجد رئيس الحكومة نفسه في هذا الموقف، الذي لا يحسد عليه، في الوقت الذي لا زالت آثار انسحاب الاستقلاليين من أغلبيته واضحة على أبسط مظاهر تواصله حتى مع أهل حزبه وعشيرته الدعوية، التي تواجه هي الأخرى انعكاسات ما يقع في الشقيقة مصر، حيث يوجد المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، التي تدير نشاطهم الأممي، وفي الوقت الذي لا يزال صقور حزبه يقلصون من سقف تحركاته في إنشاء أغلبية برلمانية وحكومية جديدة، يمكن أن يتنفس من خلالها من ما يواجهه من أقطاب المعارضة الحزبية والنقابية والمدنية، وهكذا، يجد بن كيران نفسه وكزعيم للحزب الذي يقود الأغلبية الحكومية والبرلمانية، وأحد الذين كانوا في زمن المعارضة من أشد المدافعين عن حرية الصحافة، وصيانة حقوق الصحافيين، من الخارجين عن اللياقة السياسية، التي من المفروض أن يتحلى بها مسؤول ذو شأن عال. ترى هل كان بن كيران في كامل وعيه وهو يتهم الصحافيين بأنهم "ماشي رجال"، أم أن ذلك تم بمحض الصدفة ..؟ أو أن تلقائيته المعروف بها هي التي دفعته إلى ذلك، دون أن تكون للواقعة خلفيات أخرى ؟ وبالتالي، كما يقول المغاربة ( اللسان ما فيه عظم) فالرجل عبر عن رأيه كما هو متاح للجميع في إطار حرية التعبير، وليس من حق أحد مصادرته في ممارستها، غير أن موقع السيد رئيس الحكومة لا يسمح له بذلك، حتى وإن كانت الظروف التي اضطرته إلى قول الكلمة المشينة هي المسؤولة على هذه الزلة اللسانية العادية .. فهو مسؤول حكومي مقيد أكثر من غيره باحترام القانون، الذي يمنعه من التطاول على حرية الصحافة وانتقادها المجاني .. خصوصا، إذا انعدمت في الحوار الصحفي مبررات النيل من الصحفي واتهامه الرخيص. لسنا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، مع الخروج عن أخلاقيات المهنة في الحوار مع أي مسؤول، ولكن هذا الاحترام للأخلاقيات لا يتيح للمسؤول تجاوز الخطوط الحمراء، وتوجيه النعوت القدحية دون أن تكون هناك حاجة إلى ذلك، علما أن الأغلب في أمة الصحافيين يحترمون هذه الأخلاقيات، بالرغم من الضغوط والقيود والإجراءات التي تفرض عليهم من هنا وهناك. وليكن في علم السيد رئيس الحكومة الكريم، أن جل الصحافيين يرفضون من يطعن في ممارستهم المهنية، لأنهم يفضلون أن يكون منتوجهم المهني صحيحا ونزيها، وفي مستوى الموضوع، أو الحدث، أو القضية التي يتناولها، لا أن يكون مادة دسمة وصيدا سهلا لمن يترقبون وقوع صاحب هذا المنتوج الصحفي في المحظور، أو الخطأ الذي يجعله خارج أخلاقيات المهنة، وموضوعا للمتابعة والمساءلة من الجهات المعنية بذلك، وما أكثرها الحلات التي يجد الصحفي فيها نفسه في مثل هذه المواقف، التي لا نملك كنقابة للصحافيين إلا أن نكون بجانبه والتضامن معه مسبقا، وهذا ما يحرضنا باستمرار إلى مطالبة الصحفي باحترام حدود حريته وأخلاقيات المهنة، التي توجهه وتكرس شرعية عمله، الذي يفرض عليه في نهاية المطاف عدم تجاوز المساءلة القانونية المتاحة له، وعلى ضوء هذه البديهيات، المعمول بها في الحقل الصحفي، يتبين أن رئيس الحكومة يحاول القفز على هذه المساحة، ومطالبة محاوره بما لا يمكن أن يكون مطابقا لشرعية الممارسة الصحفية النزيهة .. وبالتالي، أن لفظ "ماشي رجال" يصبح مجرد تعبير لفظي بدون مضمون يمكن أن يصل فيه الصحفي إلى فقدان الأهلية الجنسية، التي حددها هذا المسؤول الحكومي، وتكون دلالة هذا التعبير مردودة إلى صاحبها الذي يفتقر إلى ما يجعل اتهامه صحيحا. يجرنا الحوار، بين بن كيران والصحفي، الذي اضطره إلى وصف الصحافيين ب."ماشي رجال" أن هناك محاولات من عدة لوبيات، مناهضة للتحولات، التي يعيشها المجتمع من أجل نصب الشباك لصيد الصحافيين، وإيقاف المد التحرري، الذي انطلق في إطار الربيع العربي الديمقراطي، الذي لا تزال فعالياته هنا وهناك على امتداد الوطن العربي .. وإن كنا لا نساوم على الحرية للصحافيين في ممارسة مهنة المتاعب، فإننا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، ننبه إلى مخاطر الممارسة الموجهة من قبل هذه اللوبيات، التي تحارب الصحافيين وتنتقدهم لأبسط الأسباب. وبالعودة إلى عنوان هذه المقالة، يمكن أن نسأل رئيس حكومتنا الموقر، عن مبرراته لهذا النعت القدحي، الذي عممه على جميع الصحافيين ..؟ وهل بالفعل أنهم "ماشي رجال" لأنهم لم يجاملوه في تغطياتهم لأنشطته وخرجاته الإعلامية، والقرارات التي وقع عليها، وكانوا بالمرصاد لتصرفاته الغير مسؤولة ..؟ وهل هم "ماشي رجال" لرفضهم الهدنة مع سلوكاته المرتبكة والمنتقدة من قبل الخصوم والأصدقاء والحلفاء؟ وهل هذا النعت القدحي، يترجم كما يقول المقربون منه، نتيجة الانفعال الذي يشعر به كلما واجهه الصحافيون بالأسئلة التي تخرجه عن جادة الصواب، وتلك التي لايملك فيها المعلومة والمعرفة والجواب الصحيح، -كما وقع في البرنامج الخاص، الذي لعب فيه رئيس الحكومة مؤخرا ال(10) على الصحافيين، وعلاوة على أنه وصفهم ب."ماشي رجال" أخبرهم أمام الملأ بأنهم لايمثلون المواطنين، ناسيا أن الصحفي هو ضمير الأمة- ..؟ في الحقيقة، وحسب علمنا المتواضع، أن من يصف الصحافيين بأنهم "ماشي رجال" وأنهم لايمثلون المواطنين، فهو في حالة نفسية غير طبيعية، تكشف بالملموس حالة التوتر والإحباط، والرؤيا الانطباعية المشوشة عن كل من يريد محاورته، وبالتالي الروح الانتقامية الحاقدة حتى ولو كان هذا المحاور ليس كذلك. نسأل الله العافية ل.رئيس حكومتنا حتى يسترجع اتزانه النفسي، ويدرك أن موقعه يفرض عليه عدم التسرع في التعبير عن الرأي قبل اتخاذ المواقف .. خصوصا، أنه كما يقول المتتبعون لخطواته:" يملك مساحة أكبر، من الصبر والتحمل، الذي يؤهله للتكيف مع جميع المواقف والأحداث" .. وما يمنعه من الوقوع في مثل هذه الأخطاء، التي لا أحد يرضى أن تكون من رئيس حكومة. سوف نظل في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، مع جبهة الدفاع عن الحريات العامة، ومنها حرية التعبير لكل المغاربة، فبالأحرى لإخواننا وزملائنا في حرفة المتاعب والضغوط والإكراهات، وبموجب ذلك، نصارحك السيد رئيس الحكومة، أن موقفك لا يسمح لك بهذه الإدانة المجانية .. وهذا القمع الذي تمارسه على المهنيين في الحقل الصحفي .. خصوصا، إذا كنت تفتقر إلى وسائل الإثبات، ونوصيك .. وكما يقال (الوصية ما تقتل ما تحيي) بالاعتذار إلى أمة الصحافيين، إن كنت على علم بأنهم ضحايا زلة لسان عابرة، أما إن كنت متأكدا من انعدام براءة هؤلاء الصحافيين، فالواجب يفرض عليك نشر غسيلهم أمام الرأي العام الوطني .. ! . الأمانة العامة للنقابة المستقلة للصحافيين المغاربة