خلال شطحة من شطحات التهريج السياسي الخطيرة، المخضبة بالكراهية والبغضاء لكل ما هو أمازيغي، وبمزايدات سياسية لا مبرر لها, وديماغوجية قمة في الوقاحة والصبيانية والتهور، وبطريقة بهلوانية بلهاء، وبتعبير شعبوي مستفز صادر عن حقد دفين، هاجم أحد الأمناء العامين لأحد الأحزاب السياسية الإسلامية التي تلبس عباءات الحرص على الأوطان والمواطنين، وادعاء (حسب بعض أصوات قيادييها) التطلع إلى دخول مرحلة جديدة في لتدبير الشأن العام المغربي عبر باب الديمقراطية والتعدد الثقافي واللغوي، والتنافس السياسي المتخلق والبناء الديمقراطي الخلاق البعيد عن الفساد والأصولية ومثيرات الفتنة، هاجم "الأمزيغ" -القوم الذين استقبلوا المولى إدريس الأول حين جاء إليهم طريدا لاجئا فولوه أمرهم لمجرد انتمائه إلى النسب الشريف- بعبارات قدحية مثيرة للفتنة والعنصرية، مفتقدة لأبسط أخلاق السياسة والمواطنة الحقة وأساليب الحجة والمحاججة والعرض المقنع، وشبه لغتهم وحروفها بالشينوية أي الصينية استخفافا بها، وازدراء لقيمها، واحتقارا للمتحدثين بها من المغاربة "إيمازيغن" أي "الأحرار" الذين نعتهم هو ب"الشلوح" الكلمة المبتذلة التي تعمد تكرارها وفي كثير من النحافل, لتحقير تمازيغت، لغة الأرض وأغلبية الشعب المغربي, والاستهتار بحقهم -المكفول دستوريا- في أن تكون لهم لغة حضارية قوية بحروفها العريقة المدمجة في المعلوميات والأنترنيت باعتماد واعتراف المنظمة الدولية ISO-UNICODEمنذ 2004 ، والتي صادق عليها ملك البلاد محمد السادس لتكون كالحضارة الصينية أو الشنوية لغة التطور التكنولوجي الهائل الذي يقوده أكثر من مليار نسمة من سكان العالم, من الشنويين والبوذيين المتشبثين بحرفهم التاريخي رمز تجدر هويتهم. وحتى لا أتهم بالتقويل أو التعسف في التأويل نورد كلمة السيد الأمين العام للحزب الإسلامي الذي ألقاها في التجمع المنظم يوم 19 يونيو بالرباط على رابط الفيديو التالي: http://lakome.com/videos/77-featured/5856-2011-06-21-15-00-37.html#comment-76893 على ما يبدو مما جاء في الفيديو وفي ما أذيع في غيره من المواقع الالكترونية ونشر في الصحف الورقية، أن الميوعة والنزقية وخفة اللسان والخروج عن التعقل، ومجاوزة حدود التحفظ واللباقة، قد أصبحت من مقومات الفعل السياسي الطائش، المشبوه، المتهور، والمجنون الذي يؤدي إلى حافة الهاوية والفوضى والذمار، -لدى بعض زعماء الأحزاب وقادتها- الذين يفترض فيهم التحلي والالتزام بالرزانة السياسية، وآداب المحاججة الرصينة، أثناء تناولهم للقضايا السياسية العمومية، وعند خوضهم في النقاشات أو التصريحات التي تتطلب درجة عليا من الإلمام العلمي والنضج الأيديولوجي. حتى لا يجروا على أنفسهم وأحزابهم استهجان الطبقة السياسية وقوى المجتمع المدني الذي يطمحون استمالة عواطفه من خلال سحر زعْم الوطنية أو عباءة الدين المسربلة لخرجاتهم الهجينة، وتصريحاتهم التهريجية، التي كثرت بدرجة مريبة لم تعد تثير اهتمام أحد، وتحولت إلى مواضيع تندّر كافة المحافل والمجالس والمنتديات والأندية، والتي كان اشهرها حماسيةً وشعبويةً وتحريضيةً، وأكثرها دغدغةً للعواطف, وأذىً لطبلات الآذان، تلك التي عرف بها السيد زيان، والسيد شباط، والسيد الداودي، والسيد بنكيران الذي لحق بركبهم مؤخرا، واستطاع أن يبزهم جميعا بحواراته التلفزية والإذاعية وتصريحاته التي تقتات على اللعب بعواطف الناس بزمجرات خطاباته البلاغية الموقظة للفتنة، والمؤلبة لطرف ضد آخر، بغية تحقيق مصالح شخصية وفئوية لا تمت إلى مصلحة الوطن بصلة، ما يجعل الكثير من الأسئلة المحرجة تطرح نفسها بحدة، وعلى رأسها، أنه إذا كان ما يحرك الزعيم الإسلامي حقيقة هو غيرته على المغرب والمغاربة، كما يدعي, والأمازيغ هم المغاربة الأصليون، فما الذي جعله وبدون مقدمات - في تجمع خطابي عادي- يستفزهم بالسخرية المقيتة منهم ومن لغتهم ومن حرفها التيفينار الذي شبهه بالشينوية، وطالب بتعويضه بالحرف الآرامي الذي تكتب به العربية، بل بلغ به التهور والاستهتار، إلى توعد الأمازيغ بمعركة تشريعية شرسة لا رحمة فيها حين يحين موعد القانون التنظيمي المنصوص عليه في الفصل الخامس من الدستور المقترح، إن هم لم يتبنوا نموذج الأمازيغية التي يرتضيها لهم ، رغم أنه يعلم أن اللغات على اختلافها لم تكن ومنذ نشأتها مجرد أبجديات تتألف منها الكلمات المنطوقة فحسب, وأنها عبارة عن بنيان من الفكر ومكنون ومضمون، تنسب إليها الهوية والانتماء, فضلاً عن ملازمة جوهرها للجنس البشري كاللازمة الموسيقية في اللحن، كما يعلم أن حرف تيفيناغ مسألة قد حسمت مند سنة 2003، وانه سبق أن أدمجت في المدرسة العمومية بالشكل الذي يعرفه. فلماذا يا ترى يعيد هذه القضية المحسومة مند زمن إلى حلبة النقاش، ويفتعل المشاكل حولها بمناسبة مراجعة الدستور الذي اعترف به هو نفسه والذي اعترف بها كلغة رسمية؟ ولماذا يتمادى في الإفتاء بإعدام حرفها التيفيناغ، الذي أقره الملك محمد السادس بعد استشارة المجلس الإداري وخبراء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية؟ وهو يعرف أن فصلا دستوريا ينص على أن "خطابات وقرارات جلالة الملك لا يجب أن تكون موضع حوار أو نقاش". وهل هو ومن يحدو حدوه، واعون بخطورة مواقفهم العنصرية الساخرة والمستهزئة بالأمازيغ؟ أم ذاك من فعل التهور السياسي، والمخاطرة غير المحسوبة التي لم تنل منها سنوات التغيير والتدافع السياسي والثقافي الذي عرفه المغرب خلال السنوات الأخيرة؟ أم أنهم أكباش فداء دفعت بهم جهة ما لخدمة غايات وأجندات بعينها؟ في الواقع لا أحد يمكنه أن يجد لتلك الأسئلة أي تفسير أو إجابات مقنعة، كما هو حال سلوك الاستهزاء بالغير، خاصة حينما يصدر عن شخصية غير عادية، اللهم -وهذا ما يمكن أن يتبادر إلى أذهان الكثيرين مثلي- إذا كان الدافع الأساسي لذلك الحقد الدفين للأمازيغية هو تميزها وصمودها واثبات وجودها الذي لم يستطع قائدنا الهمام ومن يسير على نهجه(العروبي) أن تجرع مرارته وخاصة بعد الدسترة، لكنها النفس البشرية الأمارة بالسوء التي تغضبها نجاحات الغير وتميزهم، كما يقولون "ولو لم تكن متميزا لما أراد البعض التطاول عليك والإنقاص منك"، و"إن الأشجار المثمرة هي الأكثر عرضة للقذف بالحجارة". أو ربما يكون سبب ذلك هو الطمع في العطايا والمنح، وخاصة إذا كانت العطية بقيمة "رئاسة الحكومة" المسيلة للعاب، والذي تفرض على الراغب فيها الامتثال الأعمى لأوامر أصحاب القرار، والتأقلم مع رغبات الداعمين له الذين يقدمونه قربانا طيعا لممارسة لعبته المفضلة: الثرثرته السياسية، التي لم تستثني من هدرها الساخر والمستخف حتى بأصدقائه، قيادي الحزب الأمازيغ، الذين نعتهم، هم أيضا، بجهالة أنهم أميون في لغتهم الأصلية، وأدرجهم بشكل غير مباشر في خانة المنبوذين بعد أن جردهم من هويتهم. أمر مثير لا بد من التوقف عنده واستجلاء خلفياته العنصرية وما يحمله من إساءة للغير بالاستهزاء والسخرية، المحرمة في الإسلامي -الذي يتبجح بأنه هو حاميه- والذي نجد أنه أول من يخالف تعاليمه الصريحة التي جاءت في قوله سبحانه "يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم" صدق الله العظيم (سورة الحجرات،الآية 11). فما أشبهه في سخريته من الأمازيغ، و هو يصدر فتوى الإعدام في حق تيفيناغ و في حق العمل المدني و الأكاديمي الأمازيغي، بأولئك المتطرفين الذين احرقوا كتب الفيلسوف ابن رشد، بعد أن اقنعوا الخليفة المنصور بأن العالم الأندلسي ابن رشد كافر وضال. ومع ذلك فإني أدعو للمغاربة أن يتقدموا بالشكر الجليل والدعاء الخالص، ويقفوا إجلالا لصاحب هذا الصرف السياسي الهجين، الذي لاشك خدم قضيتهم "الأمازيغية" من حيث لا يحتسب،, وساهم في تنامي الوعي الشعبي الأمازيغي, ويجعلهم أكثر تشبثا بقضيتهم العادلة والمشروعة، وذلك لأنه بإساءته إليهم، جعلهم ينتبهون إلى أن هناك مؤامرة تحاك ضد هويتهم، ودفع بهم لفتح نقاش عام حول قضية إقصاء أحدى مقومات تلك الهوية المتمثلة في اللغة الأمازيغية وحرفها التيفيناع، وحثهم على البحث في أسباب هذا الإقصاء الممنهج، وذاك الاغتيال المبرمج، والجهات المستفيدة منه، والمسؤولون الرئيسيون عنه؟؟؟ كما أدعوا المغاربة رغم ما لحق بهم من ضرر، لقبول اعتذار القائد الإسلامي على تصريحاته الساخرة من الأمازيغ، لأن الخطأ سمة من سمات البشر، وكل إنسان في هذه الدنيا معرض له تحت وطأة الانفعال حتى لو كان نبيا، ولأنه ليس عيباً أن يخطئ المرء، لكن العيب أن يستمر في خطئه. ولأن الرجوع عن الخطأ فضيلة شريطة أن يكون رجوعا إلى الحق، وإقرارا بالخطأ، وإحساسا بالندم عما اقترف في حق المغاربة وحرياتهم، وأن يكون القرار نهائيا يصون اللسان من عثرات التهوّر التي توقع صاحبها في مثل هذه الآثام المحرمة والمحذر منها شرعا وأخلاقا، والتي تفرض على القائد السياسي أو النقابي كيفما كان، أن ينأى بنفسه عنها حتى لا يتحول إلى مهرج يبدد جهده ووقته وتفكيره في تسلية الجمهور وإدخال السرور عليهم، لأن الساسة الحقيقيون مطالبون بالتوعية والتعبئة، وبالاهتمام أكثر بالمضمون والحقيقة، وليس بالاستخفاف بالناس والاستهزاء بهم، بالشتم المرموز أو المباشر الصريح، الذي يثير امتعاض المواطنين الشرفاء الذين لا يُعدم عندهم الرد عند التأذي بما صدر – عن قصد أو عن تهور- من تهجم وتهكم منافي للإسلام الذي لا يقبل التوبة إلا على أساس إعادة الحقوق إلى أصحابها، خاصة إذا كان الذنب متعلّقاً بحقوق العباد، كما قال الإمام علي رضي الله عنه: " ثمرة التوبة استدراك فوارط الهفوات " أو كما قال الإمام الباقر: "التائب إذا لم يستبن أثر التوبة فليس بتائب؛ يرضي الخصماء، ويعيد الصلوات، ويتواضع بين الخلق، ويتقي نفسه عن الشهوات ".