الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم النبيئين ورحمة الله للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. مما لا شك فيه أن كل مسلم يحرص أشد الحرص على التحلي بأحسن الأخلاق وأجمل الصفات ، ويجتهد غاية الاجتهاد في تهذيبها والسمو بها، لما للأخلاق من مكانة عظيمة في الإسلام، وهو يتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة له، فهو صاحب الخلق العظيم، وهو الذي أرشد إلى الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة. قال عليه الصلاة والسلام: ( إنَّ من خيارِكم أحاسنكم أخلاقًا) [صحيح مسلم] ، وقال صلى الله عليه وسلم: (ما مِن شيءٍ أثقلٌ في الميزانِ مِن حُسْنِ الخُلُقِ) [صحيح أبي داود/موقع الدرر السنية] «فمن أراد أحسن الأخلاق وأجملها فليأخذها من مشكاته، ويقتدي به في سيرته وسريرته، ومعاشرته وأخلاقه، وعبادته ومعاملاته، ودعوته وتعليمه، وفي سائر أحواله. قال الله تعالى: : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا» [الأحزاب:21].(موسوعة الفقه الإسلامي/محمد التويجري/ج1/ص:538/المكتبة الشاملة). ومن الأخلاق التي اتسم بها صلى الله عليه وسلم، خلق التواضع، ذلك الخلق النبيل الذي دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم وحث عليه. فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد» [صحيح ابن ماجة/ الدرر السنية] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما نقُصتْ صدقةٌ من مالٍ وما زاد اللهُ عبدًا بعفوٍ إلَّا عزًّا . وما تواضَع أحدٌ للهِ إلَّا رفعه اللهُ) [صحيح مسلم] وهذه نماذج من تواضعه صلى الله عليه وسلم: «وأما تواضعه - صلى الله عليه وسلم - على علو منصبه ، ورفعة رتبته فكان أشد الناس تواضعا. كان - صلى الله عليه وسلم - يركب الحمار ، ويردف خلفه ، ويعود المساكين ، ويجالس الفقراء ، ويجيب دعوة العبد ، ويجلس بين أصحابه مختلطا بهم حيثما انتهى به المجلس جلس . وقال للذي قال له : ياخير البرية: (ذاك إبراهيم) [رواه مسلم]» [الشفا/ القاضي عياض/ج/1ص:168169170] عن أسامة بن زيد رضي الله عنه : (أن النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ركِب حِمارًا، عليه إكافٌ تحتَه قطيفةٌ فدَكيةٌ، وأردَف وراءَه أسامةَ بنَ زيدٍ، وهو يعودُ سعدَ بنَ عُبادَةَ في بني الحارثِ بنِ الخزرَجِ...) [رواه البخاري ومسلم] «كان صلَّى الله عليه و سلم مثالَ تواضع لا نظير له، كان لا يَأنَفُ أن يمشي مع الأرملة و المسكين و العبد حتَّى يقضي لِكُلٍّ حاجتَه. يؤتى بالتّمر فَيُفَتِّشُهُ و يُخرج السُّوسَ منهُ ثم يأكله، وكان يجلس على الأرض »(عرف العبير في تواضع البشير النذير/علي القرني/ص:8910] عن أنس بن مالِك قال : ((أتيَ النَّبي صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بتمر عتيق ، فجعل يفتشه ، يخرج السوس منه)) [سنن أبي داود/الدرر السنية] « كان عليه الصلاة والسلام المثل الأعلى للتواضع بأقواله وأفعاله، فهو يجالس الفقراء والمساكين ويصغي إليهم، ويجيب دعوة العبد، وينصت للأمَة فلا ينصرف عنها حتى تنصرف، ويجلس في أصحابه كأحدهم، بل يشاركهم العمل ما قل أو كثر» [مدح التواضع/ابن عساكر/ص:9] عن أنس بن مالك قال: ((بينما نحن جلوسٌ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في المسجدِ، دخل رجلٌ على جَمَلٍ، فأناخه في المسجدِ ثم عَقَلَهُ، ثم قال لهم : أَيُّكم مُحَمَّدٌ ؟ والنبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم مُتَّكِىءٌ بين ظَهْرَانِيهِم، فقلنا : هذا الرجلُ الأبيضُ المُتَّكِىءُ ...))[ صحيح البخاري] وكان صلى الله عليه وسلم يجيب الدعوة، ويقبل الهدية مهما قلَّت قيمتها. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (لو دُعيتُ إلى ذراعٍ، أو كراعٍ، لأجبتُ، ولو أهدي إليَّ ذراعٌ أو كراعٌ لقبلت) [صحيح البخاري] وكان صلى الله عليه يمر على الصبيان فيسلم عليهم. عن أنس رضي الله عنه: (أنه مَرَّ على صِبيانٍ فسلَّم عليهم، وقال: كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَفعَلُه) [صحيح البخاري] وكان صلى الله عليه وسلم يرشد أمته إلى ألَا يُبالِغوا في مدحِه، وألَّا يُنزِلوه فوق منزلته. فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تطْروني ، كما أطْرَتِ النصارى ابنَ مريمَ ، فإنما أنا عبدُه ، فقولوا : عبدُ اللهِ ورسوله ) [صحيح البخاري] «كان للنبي صلى الله عليه وسلم ناقة يقال لها (عضباء)، لم تسبقها دابة، فجاء أعرابي فسبقها بدابته، فشق ذلك على المسلمين فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن حقا على الله عز وجل أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه) "صحيح البخاري"» [رحمة للعالمين/ محمد المنصور فوري/ص:241] «ومِن تواضعه صلى الله عليه وسلم، أنَّه كان يشارك في خدمة أهله في البيت. روى البخاري عن الأسود، قال: ((سألت عائشة: ما كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مِهْنَةِ أهله - تعني خدمة أهله -، فإذا حضرت الصَّلاة خرج إلى الصَّلاة)) »[ موقع الدرر السنية/ موسوعة الأخلاق](12) وروى هشام بن عُرْوَةَ، عن أَبيه، قَال: قيل لعائشة: ((ما كَانَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يصنع في بيته ؟ قَالَت: يخيط ثوبه، ويخصِف نعله ، ويعمل ما يعمله الرجال في بيوتهم )) [فتح الباري/ابن رجب /ج5/ص61/ المكتبة الشاملة] والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين