يكثر الحديث عن شبكات الاتجار بالبشر والبغاء في المغرب لكأنه ليس البلد الوحيد في العالم الذي يعاني من هذه الظاهرة الخطيرة ، في حين أن العارف بالمجتمع المغربي يدرك جيدا كم هو مجتمع محافظ ومتمسك بالقيم والأخلاق والدين. لكن ما نقرأه ونسمعه عبر الكثير من وسائل الإعلام يعد ظلماً وإجحافاً ومخالفاً للحقيقة لانه يقدم صورة نمطية مغايرة لحقيقة وواقع المرأة المغربية . ماهي حقيقة السياحة الجنسية التي جعلت المغرب محطة أساسية لكل راغب بالمتعة واللهو والاتجار بالبشر؟ ومن هم الذين يقومون بخداع الفتيات المغربيات وتصديرهن إلى دول الخليج وسورية وإسرائيل بل حتى إلى الهند وتشغيلهن في عالم الرذيلة والبغاء؟ لا يهدف هذا التحقيق البحث عن الإثارة والتشويق . إن هدفه الأساسي مقاربة الحقيقة وهي أن الفتيات المغربيات هن ضحايا بالدرجة الأولى. إنها محاولة من أجل تسليط الضوء على كارثة تهدد المجتمع العربي عموما والمغربي خصوصا الذي بات يعاني من مشكلة خطيرة اسمها " تطبيع البغاء" الأمر الذي لم يعد يسمح بإدراك هذه الآفة كانحراف خطير للجسد الاجتماعي بل في تصويرها على انها تقدم موردا ماليا كبيرا للبلاد حتى أن اقتصاد مدن بكاملها أصبح اليوم قائما على الدعارة المنظمة. وتؤكد بعض الجمعيات الأهلية إن عائدات البغاء في المغرب تصل إلى قرابة 200 مليون أورو في بلد يصنف على أنه الثاني في العالم بعد البرازيل في السياحة الجنسية. ورغم القوانين المغربية الصارمة في مكافحة الرذيلة والبغاء فان أعداد الفتيات المنخرطات يتزايد باستمرار، ففي الدارالبيضاء وحدها ألقت الشرطة القبض على أكثر من 12000 بغي ، في حين يؤكد بعض المهتمين وجود ما يناهز 200000 فتاة ليل. وإذ يتحدث الجميع عن الفقر باعتباره أهم العوامل التي تستغله شبكات الدعارة ، لكن ذلك لا يعني أبدا أن هناك ترابطا حتميا بين الفقر والدعارة. فإذا كانت أغلب فتيات الليل ينحدرن من أوساط فقيرة، فإن الفقيرات لا يقعن كلهن في مخالب الاتجار بأجسادهن ناهيكم على أن البغاء منتشر أيضا بشكل واسع أيضا في أوساط الطبقات الغنية من المجتمع . وهو لا يعني الإناث وحدهن بل يمتد أيضا إلى الذكور الين يبيعون أجسادهم أيضا ،وهذا ما يكشفه التحقيق التالي : إن البحث في عالم الرذيلة هو اللعب بالنار ذاته وخصوصا حين يتعلق الأمر بصحفية غريبة مثلي. كما أن مراكز الدعارةفي المغرب منتشرة في أماكن كثيرة ومتباعدة ولكل منها خصوصيتها من طنجة وتطوان في أقصى الشمال إلى مغاور ايموزار في الأطلس الأوسط وصولا إلى مكناس و الرباطوالدارالبيضاء وأكادير في الجنوب . رحلة طويلة شاقة تطلبت مني السفر بالقطارات آلاف الكيلومترات إضافة إلى مخاطر الاصطدام بعصابات منظمة لا ترحم . أمام رهبة المغامرة لم يكن أمامي سوى الاستعانة بزميل مغربي ليس لكي يلعب دور الباحث عن المتعة فحسب بل ليقوم بحمايتي إن احتاج الأمر . قررت أن أبدا رحلة البحث من طنجة . تلك المدينة الرائعة الجمال والتي طالما ألهبت خيال عشاق المغامرة من كل أنحاء العالم. إنها بوابة المغرب على أوربا. المجال المفتوح على كل شيء. محطة القطار بطنجة. الساعة السادسة مساء. المحطة تعج بالناس. الوسطاء ( وهم الذين يؤمون الفتيات للزبائن ) يعرفون بدقة مواعيد وصول القطارات إلى المحطة الأنيقة فيبادرون فورا لتقديم خدماتهم. لا يتطلب الأمر سرية ولا تخف من قبل الوسطاء . كل شيء علني وواضح كعين الشمس .لا خوف حتى من رجال الشرطة المنتشرين في كل مكان. رسمت وزميلي المغربي السيناريو للقيام بهذا التحقيق فذهب فورا إلى أحد الشبان الواقفين ليسأله عن إمكانية توفير فتاة مراهقة له . وبكل سهولة، طلب منه الشاب أن ينتظره لبعض الوقت. فيما بعد عرفت أن اسمه يونس و هو وسيط متخصص في "تجارة الفتيات الصغيرات". جلست في مقهى المحطة أراقب ما سيجري. خلال وقت الانتظار اقتربت سيدة في الخمسين وسألت زميلي إن كان يرغب بفتاة تشاطره ليلته. قال لها ألا تخافين من الشرطة ؟ فأجابت بالنفي لأنها تعطيهم المال مقابل حمايتها. بعد نصف ساعة عاد يونس ومعه فتاة صغيرة لاتتجاوز الخامسة عشرة . بدآ المفاوضات فورا. طلبت الفتاة 50 أورو(500 درهم مغربي )، ولتبرير الثمن المرتفع، قال يونس، إن 100 درهم منها للشرطة و100 درهم أخرى لشقيقها. قدم زميلي لهما عرضا آخر. قال سأعطيكما هذا المبلغ ولكن مقابل أن تتحدثا الى زميلتي الصحفية . وافق يونس مباشرة بشرط عدم التصوير وطلب النقود مسبقا. تقدم الجميع إلى حيث كنت أجلس. قالت لي الفتاة إن اسمها سارة. اعتقد أنها كانت تكذب. سألتها عن سبب امتهانها البغاء وهي في هذه السن فقالت وماذا تريدينني أن افعل ؟ تخلى عنا والدي و ترك البيت مبكرا فتزوجت أمي برجل آخر بعدما ظنت أنه سيعوضها عن الأول.كان الرجل مدمنا على الكحول .أمي كانت تتركني رفقته بالبيت لأنها كانت تذهب للعمل في البيوت . عمري آنذاك لم يكن يتجاوز 12 سنة . في أحد الأيام اقتحم الرجل غرفتي في غيابها واغتصبني. حكيت ما جرى لامي لكنها كانت عاجزة عن فعل أي شيء . ضربني زوجها بوحشية فهربت من البيت ليحتضنني الشارع .اشتكت أمي على زوجها فوضع في السجن لكن ذلك لم يحميني من الوقوع في براثن الرذيلة لكسب عيشي . وضعت مبلغا إضافيا من المال في يد يونس وطلبت منه أن يدلنا على أهم أماكن البغاء في المدينة . وافق الشاب وطلب مني عدم ذكر اسمه أمام أي شخص كان وإلا سيدفع ثمن ذلك حياته. وعدته ألا افعل أبدا. أوقفنا سيارة تكسي وطلبنا منه التوجه إلى شارع مولاي عبد الله ، وهو العنوان الذي أعطانا إياه يونس. رمقنا السائق بنظرة ارتياب وتمتم عبارة " استغفر الله من كل ذنب عظيم " . لكنه وافق على نقلنا مقابل50 درهما في حين أن العداد أشار إلى 10 دراهم فقط . قلت له ماذا تظن ؟ نحن صحفيان نقوم بإجراء تحقيق عن البغاء في هذا الحي. قال" اسمحولي" . أنزلنا السائق محذرا إيانا: ''خروج الحمام ما شي بحال دخوله''. وأضاف : اغلب الفتيات هنا لسن من طنجة. إنهن غريبات عنه ، يعملن هنا إلى أن يجدن فرصة للسفر إلى الشاطئ الآخر. الساعة تشير إلى الثامنة مساء، إنها بداية اليوم في طنجة ، فالسهر بالمدينة حتى الساعات الأولى من الصباح عادة ورثها الكثيرون عن الاستعمار الاسباني الذي ما زال يرخي بظلال ثقافته على كل أنحاء المدينة . في الشارع تظهر حركة غير عادية . عند مدخله يربض شرطيان من القوات المساعدة ، يتجولان بأعينهما في حركات هادئة مطمئنة ويراقبان مارة يتوجهون إلى السوق الداخلي في المدينة القديمة. على واجهة البنايات البيضاء لوحات إعلانية مستفزة خاصة بالخمور معلقة في كل مكان. موسيقى صاخبة تنبعث من أحد " المطاعم " لا تترك للمرء حتى سماع آذان المغرب أو العشاء المنبعث خفيضا من المساجد المجاورة. القينا نظرة إلى داخل احد المطاعم فلاحظنا النادلون والفيدورات منشغلون بإعداد الفتيات وطاولات الخمور وساحة المرقص. تابعنا سيرنا في هذا الشارع الغريب. موسيقى شعبية تتسلل إلى البيوت عنوة فتخدش براءة الأطفال وعفة النساء ورجولة الرجال. اتخذنا موقعا مناسبا داخل احد المقاهي الذي يطل على ذلك المطعم وبدأنا عملية المراقبة . الساعة التاسعة مساء ، تقترب مراهقة بلباسها الفاضح وزينتها المتكلفة ، تبدو وكأنها لا تعي ما تفعل ، تذهب بين السيارات المتوقفة في المكان وتقضي حاجتها دون التفات . ثم تترك المكان مبللا وتدخل مسرعة إلى الحانة . بعد ربع ساعة يلقي أحد الفيدورات بالفتاة إلى الشارع وهي تشتم. طلبت من زميلي أن يأتي بها. ذهب إليها ثم جاءا معا. رائحة الخمر الكريهة تفوح منها بقوة. سألتها عن حكايتها فطلبت مني 100 درهم هو المبلغ الذي كان ينقصها لشراء ''جرة''كوكايين ''مخلطة'' لإسكان الألم الذي لا يفارق جسدها ودماغها كما تقول. قالت : أنا مستعدة لكل شيء من أجل تلك ال100 درهم ،كل شيء. أعطيتها ما أرادت شريطة أن تخبرني قصتها بصراحة. وافقت الفتاة بعد أن تأكدت إنني لست مغربية. بدأت نادين (وهو الاسم الذي أخبرتني به) حديثها قائلة : غرق والدي في البحر أثناء محاولته التسلل إلى اسبانيا ، تاركا وراءه خمسة أولاد دون معيل. ذهبت أمي بي إلى عائلة ميسورة لاشتغل خادمة عندهم . وهناك لقيت أسوأ أنواع الذل والضرب. كما أن ابن صاحب المنزل اغتصبني مرات عديدة وأحيانا كان يجلب معه أصدقاءه لاغتصابي. لم يكن أمامي إلا الهرب فوجدت نفسي في الشارع بعد أن ذقت عذابا مماثلا من أمي. بعد ذلك تعرفت على سيدة اشترت لي بعض الملابس الجميلة وذهبت للسكن عندها وهناك بدأت رحلتي مع البغاء . كان زبائني رجالا كبارا في السن واغلبهم من العرب . عرفت من سيدتي أن هؤلاء الرجال يفضلون الفتيات الصغيرات . اصطحبني مرة رجل أمريكي في الستين وبقيت معه أسبوعا كاملا أدمنت خلاله على الكوكايين. آلمتني قصتها تلك ، فمن المفترض أن تكون هذه الطفلة في أحضان أسرتها تذاكر دروسها لا في أحضان رجال من مختلف الأعمار . تابعنا جولتنا في نفس الحي الذي يغتصب فيه شرف فتيات صغيرات ألف مرة في اليوم . أحصيت أكثر من 10 مطاعم لا تقدم لزبنائها غير ''البيرة'' بثمن رمزي 10 درهم لكل زجاجة، وهو ارخص من أي مكان في العالم، وهذا ما يفسر تهافت الفتيان والفتيات على المكان. مغامر من أراد الدخول إلى أحد هذه المطاعم للاستكشاف، إن كنت غريبا عن المكان فاحتمال تعرضك للاعتداء وارد جدا .وإن كنت تمتلك مالا فاعتراض سبيلك بعد الخروج لا مفر منه،أما أوراقك الشخصية فيمكن أن تجدها تعوم بعد يومين على شاطيء البحر. أمام أبواب الحانات يقف '' الفيدورات'' لاستقبال الزبائن وانتقاء الفتيات، بعضهم يسمح للواتي يتجاوز عمرهن العشرين والثلاثين وحتى الأربعين الاسترزاق أيضا. لفت نظري يافطة على مدخل أحد المطاعم تقول '' للإدارة الحق في اختيار زبناء المطعم '' . طلبت من زميلي الدخول لنقلي نظرة على ما يجري . رفض في البداية خشية ان نقع في مشكلة لكنه وافق أمام إصراري . أفسح لنا احد " الفيدورات: مكانا بين الحشود حتى ''تكونوا براحتكم '' قال. تظاهرنا بأننا نبحث عن أصدقاء واعدناهم هنا. مساحة المكان صغيرة جدا ، والمرقص مزدحم بمئات الشباب والشابات الملتصقة أجسامهم بعضها ببعض. دخان كثيف يلف المكان الذي تختلط في أجوائه روائح الكحول بعرق المراهقين والمراهقات المستعدات لقضاء لقاء من خمس دقائق في مكان معد لذلك بثمن ''رمزي'' أيضا لا يتعدى 100 درهم . أثناء خروجنا لاحقتنا نظرات غاضبة من الحراس.وأمام الباب رأينا احد الفيدورات يلقي بشاب ثمل إلى الشارع. تنشب مشاجرة عنيفة بينهما. لا احد من المارة يتوقف ليفصل بينهما . حتى رجال الشرطة كانوا يتفرجون . ثمة اتفاق ضمني بين الجميع في ترك المتشاجرين ''يبردون سمهم'' . توجهنا نحو شاطئ طنجة الرائع. هناك تنتشر الحانات والمطاعم الفخمة . من هذا المكان يستطيع الإنسان أن يشاهد بلاد الأندلس بأم عينه فيبكي على فردوس ارضي بناه العرب المسلمين ذات تاريخ مجيد ثم ضيعوه باللهو. وفي هذا المكان أيضا يتجمع كل ليلة مئات الباحثين عن لذات عابرة . أمام هذه المطاعم والحانات يقف ''فيدورات'' من نوع خاص ، ملابسهم سوداء ونظراتهم حادة وكأنهم متأهبون لشيء خطير سيحدث بعد حين . بعض الحانات لم تكتف بوضع 8 شبان مفتولي العضلات مستعدين لرمي أي مشاغب في البحر القريب بسرعة البرق، بل يلجأ أيضا إلى الكلاب المدربة على عض كل من "سخنت " عليه رأسه ولعبت بعقله الخمرة وأراد إفساد الليالي الحمراء للزبائن ''الكرام''. بالقرب من احد المطاعم يقف شاب برفقة فتاة جميلة ومثيرة. توجه زميلي إليهما فعرض الشاب عليه الفتاة. يقول إنها صديقته، وإنها مستعدة لمعاشرته مقابل 30 درهم (40 دولار )0 سأله زميلي عن سبب توسطه لصديقته، فأجاب إنهما يجمعان المال لاستخراج جواز السفر، وبالتالي السفر إلى فرنسا. يقول الوسيط إن له صديقة، تعرف عليها في مغارة هرقل ، وهي مستعدة لتسهيل خروجهم من المغرب. قررت الاكتفاء بهذا القدر من ملاحقة عالم البغاء في طنجة والذهاب إلى مكان آخر، فالقصص هنا على كثرتها متشابهة. الحقيقة أيضا أنني بدأت أحس بدنو الخطر مني إذ لاحظت أن هناك من يتعقبنا. محطة طنجة . الساعة الثامنة صباحا. وجهتنا التالية إلى مكناس ومنها إلى قرية ايموزار في جبال الأطلس.. وصلنا الساعة الثامنة والنص إلى محطة سيدي قاسم حيث وقف القطار بنا قرابة الساعة لنزول الركاب المتوجهين إلى الرباطوالدارالبيضاءفمراكش. بعد ساعة أخرى كنا في مكناس حيث ركبنا سيارة مرسيدس عمومية موديل 1984 . دفعت إيجار أربعة ركاب وهو العدد الذي يحشر به المسافرون في المقعد الخلفي . انطلقت السيارة بنا في طرق حلزونية صاعدة. الطبيعة آسرة ورائحة جميلة تبعث من أزهار الأرض التي لا مثيل لألوانها في العالم . وصلنا ايموزار الساعة السادسة مساء. يعني اسم القرية بالامازيغية " ذات الشعر الأجعد" كانت وجهتنا مغاور البغايا . وجدن بعضهن خارح مغاورهن. البرد قارس. بعضهن يرتدين غلالات النوم الشفافة فوق كنزات وتنورات او سراويل صوفية . وجوههن مطلية بالمساحيق أيديهن محناة الوشم عند بعضهن على الخدود انه على شكل صلبان صغيرة يبدأ من أعلى الذقن حتى يختفي في الصدر شبان يقفون في دروب الحي أو يدخلون المغارات ويخرجون قلنا لواحدة واقفة على عتبة منزل : البرد شددي قالت شوية سألها زميلي : واش عندكم الموسيقى والغنا؟أجابت في الساعة اللي تعولو كل شي موجود. أنت وحدك أو معاك عيالات آخرين؟ قال :أنا وحدي لكن كل شي يجي . طلبت من زميلي أن يجد لي فندقا نظيفا ثم يذهب لالتقاط قصة ما . في الصباح حدثني عما جرى معه قال: توقفت عند إحدى النساء اللواتي يقمن بقراءة الكف، سألتها ، إذا ما كان لديها فتيات صغيرات ، فأجابت بالإيجاب، أنها تتوفر على فتاة عمرها 12 عاما، والدها متوفى. أحضرت المرأة الفتاة لي، حيث أجريت معها حديثا قصيرا، فبينت لي أن لها صديقات من نفس عمرها يمارسن الدعارة مع السياح الأجانب. أضاف زميلي: أرتني أميرة ( وهو الاسم الشائع للفتاة) مجموعة من البنات . كانت أجسادهن صغيرة،. ودون خجل طلبت مني أن اتبعها فمشيت وراءها. توجهت أميرة إلى إحدى الغرف التي تفتح على الزنقة( الشارع). يقول زميلي: دخلت الغرفة فوجدتها تستعد فوق السرير . طلبت منها أن تتوقف عن الاستعداد وأعطيتها 200 درهم . قالت لي إنها اعتادت أن تستعمل هذه المكان، وأن صاحبته تأخذ بدورها جزءا من أجرتها. قصة أميرة مع الدعارة كقصص الكثيرات : الفقر وإهمال الأهل واستغلال العصابات . عدنا أدراجنا إلى مكناس ثم ركبنا القطار إلى الرباط . ثمة فتاة جميلة تجلس بجانبي. المغربيات فتيات لطيفات وجريئات يستمتعن بالحديث مع الغرباء. سألت سعاد عن عملها فقالت إنها طالبة في السنة الأخيرة في كلية الآداب بالرباط. وأنتي؟ سألتني : قلت لها أنا صحفية ابحث عن الحقيقة . قالت : ماذا تكتبين ؟ أجبتها : بصراحة اكتب تحقيقا عن الدعارة في المغرب. ابتسمت سعاد وقالت: هل تدفعين لي إن أعطيتك معلومات بهذا الخصوص من واقع تجربتي.؟ قلت لها أي شيء تريدين. قالت سعاد اتفقنا. يجب أن نبدأ من محطة اكدال . وطوال ثلاث ساعات سمعت من سعاد مايشيب له شعر الرأس .قالت:. تقع هذه المحطة بالقرب من مدينة العرفان حيث الكليات الجامعية والمعاهد العليا. وبهذه المحطة أو بالجوار منها تضرب المواعيد بين فتيات وسيدات محترمات من الطبقة العليا للتوجه إلى أماكن معلومة لممارسة السحاق حسب . وأضافت: هذه الظاهرة بدأت تتفشى وسط طالبات مدينة الرباط وكذلك وسط الطلاب.كيف؟ قالت: لاتندهشي هناك طلاب أيضا يبيعون اجسادهم. ولماذا يتم اختيار محطة الرباط أكدال وليس محطة الرباطالمدينة كمكان للمواعدة ؟ سألتها فأجابت: هذا المكان مناسب ولا يثير الشكوك بسبب حركة المسافرين. ولان الحي راق فان توقف سيارة فارهة تقودها صاحبتها أو سائقها، لأخذ شابة من أمام المحطة أو بالجوار منها لا يثير الانتباه ولا يدعو لأي شك. تضيف سعاد: في السابق كانت محطة القطار الرباط – المدينة تلعب هذا الدور، إلا أن استعمالها من طرف الكثير من المومسات جعلت المكان غير آمن فتم تعويضها بمحطة أكدال. سألتها هل هذه الظاهرة منتشرة في الجامعة فقالت: بسبب ضعف المنحة الجامعية وفقر العائلات فان عدد من الطالبات يمارسن البغاء بين وقت وآخر لكسب بعض المال أو التمتع في الحياة . سألت سعاد عن قصتها وكيف انضمت إلى هذا العالم الفاسد فقالت: أخبرتني زميلة لي عن امرأة تتوسط لتوقيع عقود عمل في دول الخليج برواتب مغرية . أخبرت والدي بذلك فوافق وسارع إلى بيع قطعة ارض صغيرة ورثها عن جدي لتوفير مبلغ 30000 درهم (3500 دولار) للوسيطة مقابل عقد العمل. كما دفعت ألفي درهم لوضع مهنة حلاقة على جواز سفري. توجهت بعدها إلى دبي . هناك استقبلني رجل وامرأة .أخذا مني جواز سفري فورا ثم نقلاني إلى منزل به فتيات مغربيات وعربيات من دول أخرى. وهناك أبلغتني سيدة مغربية بعملي الحقيقي وشرحت لي كيف طريقة التعامل الزبائن. رفضت أول الأمر ولم أتمالك نفسي عن البكاء فقامت السيدة بضرب . بعد يومين دخل شخص إلى غرفتي واغتصبني بوحشية ثم توالت عملية اغتصابي عدة مرات في اليوم. صمتت سعاد قليلا ثم استأنفت وهي تذرف الدموع : من حسن حظي أن الشرطة داهمت الشرطة المنزل الذي احتجزت فيه أسبوعا كاملا. اعتقلت أسبوعا رحلت بعدها إلى بلدي خاوية الوفاض كما خرجت لكن مع صفة " عاهرة" ، وهي التهمة التي ظلت ثابتة في سجلي العدلي. خفت من الرجوع إلى أهلي دون مال ففضلت امتهان الدعارة في بلدي وبدأت أتنقل بين مراكش واكادير والعيون والرباط. ولماذا تتكبدين عناء السفر بين أرجاء المغرب الواسعة. سألتها فأجابت: الحقيقة إنني كنت أتتبع أماكن تواجد السياح الخليجيين فهؤلاء يدفعون أكثر ويبذخون في سهراتهم .تابعن سعاد: مع الأسف فان سوقنا اليوم أصبح شبه كاسد لأن الخليجيين يفضلون الفتيات الصغيرات العذراوات (14-15 سنة). للاستمتاع بفض بكارتهن . ويدفعون مقابل تلك الليلة ما لا يقل عن 5000 درهم( 700 دولار). وكثيرا ما تتحول تلك الصغيرات إلى عشيقات ينفقون عليهن بسخاء. ولهذا السبب تفضل الفتيات المراهقات اصطياد السواح الخليجيين، الذين يقدمون لهم العطور الفاخرة والفساتين الغالية بل يحصلن أحيانا على سيارة أو شقة. وهذه أشياء يعجز " ولد بلادي" عن تحقيقها، مما يؤدي إلى رفض التعامل معه. وهكذا ظهرت فئة الفتيات اللواتي تخصصن مع الخليجيين فقط. و ما هو موقف الأهالي؟ قلت. أجابت: المشكلة أن الكثير من الأهالي باتوا يدافعون عن هذه الظاهرة ضد القانون حيث أن وجود السياحة الجنسية الخليجية يحرك الاقتصاد المحلي، فالسائح الخليجي الذي يرغب بقضاء ليلة ماجنة يدفع مبالغ كبيرة للجزار والبقالية وبائعي الخمور والسيارات الأجرة والشقق المفروشة. ختمت سعاد كلامها قائلة. ثمة صورة نمطية معروفة عندنا وهي "الزبون عربي خليجي، القواد لبناني، البغي مغربية" محطة الرباط –اكدال .. دقيقة وقوف . أعلن صوت نسائي صادر عن مكبر صوت. سالت سعاد أن كان لديها تعرف أحدا من الشباب الذين يمارسون هذه المهنة ؟ ردت بالإيجاب وأجرت اتصالا هاتفيا مع صديق لها. حددنا موعدا بعد ساعة في احد مقاهي اكدال الراقية . يطل المقهى على شارع فال ولد عمير والى جواره مطعم ماكدونالد. المقهى الأصفر كما يسمونه يعج بشباب عرب وخليجيين وفتيات مغربيات جميلات . وصل الشاب في موعده تماما. انه شاب وسيم وأنيق. صافحنا قائلا أنا عبد السلام . تبادلنا معه أطراف الحديث. انه مهندس معماري عاطل عن العمل لكنه يمتلك سيارة الفا روميو حديثة. بدأ يتحدث عن علاقاته بتفاخر. شعرت أنا بالخجل ، فتولى زميلي الحوار معه. قال لنا انه يبع جسده لسيدات من علية القوم وتابع:هناك شباب كثيرون اختاروا هذه "المهنة" كوسيلة لكسب المال بسبب الفقر والبطالة. وهناك من الشباب من يتباهى بما يقوم به. أضاف الشاب إن علاقتي بمجموعة من النساء اللواتي يكبرنني سنا مكنتني من تحسين أموري المادية ، وممارستها غير محفوفة بأي خطر باعتبار أن تلك النساء غالبا ما يكن زوجات لرجال مهمين .وكل شيء يتم في السر، كما أستفيد، إضافة إلى المال، من إشباع رغبتي في أجواء هادئة ونظيفة، فالنساء اللواتي اذهب معهن، هن من النساء الراقيات ورغم الفارق الكبير في السن بيننا، فهن لازلن يحتفظن على الرشاقة ومعالم الجمال لازالت بادية، و علاوة على الاستفادة المادية يقدمن لي الهدايا الفاخرة. وأكد عبد السلام كذلك أن زبونات الرجال أكثر سخاء ماديا من الرجال زبناء دعارة النساء. تابع الشاب : مهنتا هذه أصبح لها سوقا رائجة تتسع يوما بعد ، بل هناك شبكات في طور الاكتمال تقوم بتسهيل لقاء النساء الراغبات مع شبان بمقابل مادي منهن. تناول الشاب قهوته واعتذر عن متابعة الجلسة معنا لان لديه موعد مع سيدة ثرية جدا. وطلب من ألا نتردد بالاتصال به في أي وقت نشاء إذا كنا بحاجة لمعلومات أخرى. تجولت نظراتي في أرجاء المقهى الأصفر. فتيات جميلات بمرافقة رجال خليجيين او أجانب. صفقات تعقد. أمراض تنتشر. ولااحد يكترث. كل شيء يباع ويشترى هنا، بوحشية مغلفة بالحرير . انه منطق الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية و الأخلاقية . فمن يتحرك لإنقاذ الأجيال القادمة من هذا الدمار الرهيب؟ ميسون راهي / أ .ن