تتصاعد في هذه الأيام العصيبة على نطاق واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي موجة عارمة من السخط والاستنكار، ليس للتنديد بتأخر ظهور اللقاحين الموعودين وانطلاق الحملة الوطنية للتلقيح التي أعطى ملك البلاد محمد السادس تعليماته للحكومة باعتماد مجانيتها لفائدة كافة المغاربة بدون تمييز. إذ جاء الفرج من بلاد الهند إثر الإفراج عن الدفعة الأولى من جرعات اللقاح البريطاني- السويدي "استرازينيكا" التي وصلت مطار محمد الخامس بالدارالبيضاء عشية يوم الجمعة 22 يناير 2021، وإنما للاحتجاج على تمادي السلطات العمومية في فرض قيودها على الحمامات والرشاشات العمومية، بدعوى الحفاظ على صحة وسلامة المواطنين من انتشار عدوى جائحة كورونا، دون أدنى مراعاة لما مثل هذا القرار من آثار قاسية على أرباب هذه المرافق الصحية والعاملين بها… والحمامات التقليدية كما لا يخفى على كبار المسؤولين ببلادنا ليست فضاءات للترف، بل هي من الضروريات الأساسية في حياة المواطنات والمواطنين، وتندرج في إطار الموروث الشعبي والثقافة المغربية الأصيلة، وهي إلى جانب كونها تشكل مورد رزق لآلاف الأسر الفقيرة والإسهام في نظافة الأشخاص وتطهير أبدانهم من الأوساخ، تعد من الطقوس الروحانية ولا يمكن بأي حال الاستغناء عنها إلا عند الضرورة القصوى، وخاصة بالنسبة للفئات التي تسكن غرفا في شقق مشتركة وليس لها من وسائل أخرى للاغتسال، وفي مثل هذه الأجواء الباردة من فصل الشتاء. إذ ما عدا ما قيل عنه دعما من السلطات العمومية عبر الصندوق الخاص بتدبير تداعيات جائحة كورونا المحدث بتعليمات ملكية سامية منذ ظهور أول إصابة مؤكدة بفيروس كورونا المستجد ببلادنا، لتخفيف العبء عن الأسر المتضررة التي فقدت مورد رزقها خلال فترة الحجر الصحي الشامل الذي استمر ثلاثة شهور من شهر مارس إلى غاية أبريل 2020. وهو الدعم الذي لم يكن كافيا حتى لتسديد واجب الإيجار، فما بالكم بباقي المصاريف الأخرى من فواتير الماء والكهرباء، تمدرس الأبناء والتغذية وغيرها كثير؟ فإن العاملين بهذه المرافق يترقبون بفارغ الصبر أن يسمح لأصحابها باستئناف أنشطتهم، كما هو الشأن بالنسبة لعدة قطاعات أخرى اقتصادية واجتماعية وخدماتية. حيث مازال الحصار مضروبا عليهم بشدة، وكأن الحمام وحده هو مصدر الخطر الوحيد الذي يمكن أن تتولد فيه البؤر الوبائية وينشر العدوى في البيوت والأحياء والمدن، رغم أنه لم يسبق تسجيل أي حالة في الحمامات التي سمحها له بفتح أبوابها في وجه زبنائها والتي مازالت كذلك خارج العاصمة الاقتصادية. فهل أضحى الحمام يشكل قنبلة موقوتة، فيما الأسواق الشعبية والوحدات الصناعية ووسائل النقل العمومية وغيرها تكاد تنفجر من فرط الاكتظاظ دون حسيب ولا رقيب ولا أدنى احترام لأبسط الإجراءات الاحترازية والوقائية. والأدهى من ذلك أن تتصدى سلطات مدينة الدارالبيضاء لأرباب الحمامات والرشاشات العمومية، الذين ضاقوا ذرعا بتجاهلها لما آلت إليه أوضاع القطاع والعاملين به من تدهور صارخ، ويتم منعهم حتى من الحق في تنظيم وقفة احتجاجية سلمية يراد من خلالها إسماع صوتهم وتبليغ معاناتهم حضاريا، بدعوى الحفاظ على النظام العام الصحي في ظل حالة الطوارئ الصحية، التي لا تكاد تنتهي إلا لتبدأ من جديد. فكيف لهم القبول بتمديد فترة الحجر الصحي بمدينتهم والإبقاء على حماماتهم دون التفكير في بدائل أخرى لدعمهم والتجاوب مع مطالبهم والإصغاء إلى نبض الشارع البيضاوي؟ لأجل ذلك وغيره كثير أصبح المتضررون أكثر استعدادا لخوض كافة أساليب النضال المشروعة وإجراء الخبرات اللازمة، من أجل الدفاع عن حقوقهم والوقوف على حجم الأضرار الفادحة التي لحق بحماماتهم وتجهيزاتها، ومن ثم رفع دعوة قضائية ضد تماطل الحكومة في إيجاد حلول ملائمة ومتوافق بشأنها قصد جبر الضرر. صحيح أن هناك قطاعات أخرى تأثرت بدورها جراء ما خلفه تفشي جائحة "كوفيد -19" من آثار قاسية على عديد الأسر المغربية، وأن هناك حرصا شديدا من قبل السلطات المعنية على محاصرة الوباء الفتاك. لكن ما ليس صحيحا هو ما يتعرض له أرباب الحمامات وخاصة العاملين بها من تهميش وإقصاء، إذ من غير المقبول إنسانيا وأخلاقيا أن تظل أبواب الرزق موصدة في وجوههم لمدة عشرة شهور، دون أن ترق قلوب المسؤولين للحالة المزرية التي آلت إليها أوضاعهم. ومن الطبيعي أن ينال منهم اليأس ويفقدون القدرة على المزيد من التحمل والصمود، أمام غياب الدعم الحقيقي. أليسوا هم كذلك مغاربة جديرين بالاهتمام والاحترام، ويحتاجون كغيرهم إلى مدخول لسد حاجيات أطفالهم وعائلاتهم؟ ثم كيف لهم الاستمرار في "المقاومة" إزاء ظروفهم الصعبة في ظل تواصل التغاضي عن مشاكلهم وإغلاق الحمامات، التي تعتبر مورد رزقهم الوحيد سواء في مدينة الدارالبيضاء أو غيرها من المدن التي تعيش نفس الوضع، بعد أن ضاقت بهم السبل وباتوا يعيشون مآس حقيقية اجتماعيا واقتصاديا ونفسيا؟ الآن وبلادنا تتأهب لإطلاق الحملة الوطنية للتلقيح في بحر الأسبوع الأخير من شهر يناير 2021 بعد وصول الجرعات الأولى من لقاح كورونا، وعمت الفرحة المغاربة بهذا الحدث السعيد الذي طال انتظاره، صار من اللازم أن يواكبه رفع القيود على هذه الفئة من المستخدمين، الذين يكرسون أوقاتهم لتطهير أبداننا من الأوساخ وتمتيعنا بلحظات من الاسترخاء والانشراح، مع ضرورة حرص أرباب الحمامات على الالتزام باحترام الإجراءات الاحترازية والوقائية…