الموضوعانية هي فلسفة الموضوع (هذا المصطلح شغلني لسنوات طويلة),لموضوع استراتيجي يكون هدفه الأسمى البناء و التنمية و الرقي الى حال أفضل... و هو علم له ظوابط خاصة و مشاركة أوسع لكل الفئات الاجتماعية و العمرية.هذه الفلسفة تنطلق من فكرة ذات أبعاد استراتيجية,منطلقة من ارضية محددة, بعد ذلك يتحدد الموضوع على ضوئها من خلال ما نريده,ثم تبدأ عملية الاشتغال لتحقيقه على أرض الواقع.أما مصطلح الموضوعانية الملكية فهي تلك الأفكار الاستراتيجية التي بينها ملك المغرب في خطاباته و رسائله السامية... ثم تحولت الى مرحلة البلورة و الصقل.. و عليها فتحت الأوراش الكبرى لتبلغ المرحلة النهائية. الانجازات المحققة من خلال هذه الموضوعانية الرشيدة. يعتبر الملك محمد السادس من أكبر مهندسي الموضوعانية الفعلية,فهو من أخرجها الى الوجود من خلال أفكاره أو الأفكار التي يراها ناجعة ثم يعطي اشارة بدأها و أخيرا يتتبع مراحلها. برنامج عمل الملك كثيف لا يتوقف,فهو كثير الجولان في ربوع البلاد,يعرف نبض الشارع عن قرب فهو ليس بملك يخلد الى قصره,ينصت بآذان غيره و يرى بعيونهم.. يعرف جيدا مكامن الخلل.ملكنا ليس منظرا فحسب بل ملك القرب.مشاريعه الضخمة أو المتوسطة لا تمر مرور الكرام,أو لتسجل فقط في دفتر المنشآت الكبرى انما هي مسؤولية على عاتق الجميع. انه ملك يلامس حاجيات شعبه من الأساسيات و الضروريات (سكن,صحة,ماء,كهرباء,تنمية بشرية,رياضة,تعليم...).ملك يعشق المبادرات الاجتماعية و يعطيها اهتماما أكبر انها رؤية بأبعاد سياسية,تعرف هدفها جيدا,ألا و هي بعث الثقة في نفوس رعاياه و معرفة همومهم و التقرب اليهم .... هو ملك للفقراء,لا يهمه انتقادات أعداء الوحدة الوطنية فلسفته الرشيدة لا تكتمل الا بالشعب (الملك بالشعب و الشعب بالملك).ملك فتح الأوراش في كل صوب و حدب و في كل الاتجاهات.كل ذلك بفضل رؤية ثاقبة و شمولية,تتوخى التنمية المستدامة و اسعاد الشعب و الرقي به الى مصاف الدول المتقدمة... ملك يعترف أن بلده مازال في طور النمو و على عتبة الفقر و الهشاشة و التهميش..فكرامة المواطن كانت و ماتزال أولى أولوياته,لأنها هي مفتاح الخروج من الوضعية المتأزمة و ذلك باحداث ثورة نفسية داخلية مضمونها الثقة بين الملك و شعبه,ثم العمل سويا و بالتوازي على تغيير الوضع و البحث عن المردود.كل هذا, كان خلاصة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية. كذلك من بين انجازات موضوعانيته,وضع دستور جديد للبلاد,الذي كان تشاركيا و استجاب لأهم المطالب الحيوية..و جاءالا ليمثل تحولا تاريخيا حاسما في مسار استكمال بناء دولة الحق و القانون و المؤسسات الديموقراطية و ترسيخ مبادئ و آليات الحكامة الجيدة و توفير المواطنة الكريمة و العدالة الاجتماعية.ثم .وضع لبنة مهمة فيما يخص الحكم الذاتي , و ذلك باعطائه جلالته سلطات واسعة لأقاليم الصحراء و حل هذه القضية العويصة.كذلك,شرع لنا الجهوية المتقدمة حيث أصبح بموجب هذا المشروع الجريء,أن تبرم الجهة اتفاقيات و شراكات مع جهات أخرى في العالم.. و أيضا تكريس المفهوم الجديد للسلطة,التركيز على الشأن الديني و تثبيته أكثر في الوسطية,تعديل مدونة الأسرة,الميناء المتوسطي لطنجة,المشروع الكبير للطاقات النظيفة,اتمام و مواكبة أهم مشاريع البنى التحتية من طرق سيارة و موانىء و قطارات فائقة السرعة و ترامواي و خلق مدن جديدة... فمنذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش سنة 1999 م, و المملكة دائمة التجديد و مسايرة العصر.موضوعانية واقعية انصهرت في بوتقتها كل أطياف المجتمع,من المخطط الأزرق الى مشروع المغرب النامي لمضاعفة الانتاج الصناعي الى المغرب الرقمي لتطوير الادارة العمومية و الرفع من تنافسية القطاع الخاص... و في ظل هذه السيرورة الملكية,وقع المغرب على عدة اتفاقيات للتبادل الحر,مع الاتحاد الأوروبي,الولاياتالمتحدة,تركيا,مصر,الأردن,تونس,الامارات العربية المتحدة... بمعنى آخر جلب الاستثمارات و مضاعفة الصادرات...لكن هذه الموضوعانية الملكية هل حققت أهدافها المبرمجة سالفا؟و ماهي اخفاقاتها؟ اخفاقات طغت على الانجازات المحققة. رغم كل تلك الانجازات فان المغرب لا يعكسها بالمطلق,أسباب عديدة وراء تلك الاخفاقات المؤقتة,لأن أي سياسة تنموية تتطلب مزيدا من الوقت.. أرقام صادمة عن حالة البلاد كشفت لنا بالملموس أن هنالك من يضع العصا في عجلة التنمية,فالمغرب يحتل المرتبة 130 في سلم التنمية البشرية لعام 2013 و يحتل الرتبة 115 من بين 156 دولة في تقرير السعادة الأممي, أي من بين أتعس دول العالم (حيث يعتمد على معايير أجواء الحرية السياسية,الأمن الاجتماعي و الفساد...) أعزى المختصون ذلك الى الفسادالسياسي و الاداري,من ابتزاز سافر للمواطنين و غياب المراقبة و الحس بالمسؤولية خصوصا في المستشفيلت النفسية,و تدهور الخدمات الصحيةوتفشي الرشوة و المحسوبية في المصحات العمومية,تسريح العمال دون أن يستفيدوا من أي تعويض,آلاف الأطر حاملي الشهادات العليا في بطالة قاتلة,هشاشة اجتماعية في كثير من مناطق المغرب.... لماذا هذا التناقض الصارخ؟ هل ارادة المفسدين هي الغالبة؟ ان وجود فوارق اجتماعية كبيرة دليل على الشرخ العميق في بنية الدولة.مغرب غني يحتكره الرأسماليون و الأثرياء و آخر فقير تعداده 8 مليون على عتبة الفقر.ماذا جنينا اذن من الثورة الجديدة للملك؟ كل العارفين بالشأن المحلي من خبراء و مفكرين,أكدوا أن المشكل الذي يعوق في تنمية المغرب راجع الى المسؤولين,سواء السياسيين منهم أو الاداريين لمرافق الدولة و الرأسماليين.فالحكومة لا تمثل الا ألوانها السياسية و تسبح ضد التيار و الاداريون مازالوا يشتغلون بنفس الأسلوب الماضوي من فساد و بيروقراطيةوشطط في استعمال السلطة... و الراسماليون يتحكمون في اقتصاد البلاد على طريقتهم البراغماتية,تحميهم الباطرونا , غير مبالين بمدونة الشغل أو المصلحة العامة.. خلاصة القول,لتفعيل الموضوعانية الملكية التي هي فلسفة النجاح,عليها أن تنطلق من فكرة استراتيجية نابعة من الأرضية و الوضعية الحاليتين,ثم الشروع في اختزالها كموضوع آني علينا تحقيقه و أخيرا التعاون الجاد و المسؤول بين كل الفاعلين في اطار شفاف من الديوقراطية و العدالة الاجتماعية...فالغاية واضحة لكن الوسائل مبهمة لأن الوطنية الحقة شبه مغيبة و أقصد ,عند بعض المسؤولين المفسدين.