تمنيت يوما أن تعود حياتي إلى مهدها، لأنعم من جديد بدفئ الطفولة وحنان الأبوين، وأصحح أخطاء اقترفتها في شبابي، سبيلا آخر غير الذي فرض علي، من غير إذن ولا استشارة. كنت أتمنى لو ازددت في أرض أخرى، وزمن آخر، كي لا أرى ولا أسمع ولا أحس بما ينتابني، من شكوك في معنى الحياة التي أراها بعيون سوداء، نهاري كليلي، ظلام في ظلام دامس؛ يمتلك قلبي شؤم الماضي وخوف المستقبل، فأحن إلى السقوط والرحيل. وكم تمنيت أن أشعر بالذي قد يأتي ولا يأتي، لأن ما جبلت عليه نفسي غير الذي أعيش الآن؛ أن تكون لي عصا من زمن الحكايات الأزلية، أحركها لتقضى حاجت، ولو أن ذلك غير آت ولا ممكن، فأرجع إلى الذات والنفس فاتحا حوارات وجدالات يومية، تغلب عليها مفاهيم الأبدية، وأستقي أفكارا أجدد بها زفرات وعبرات النفس المكلومة، تنتهي كلها بأحاسيس العذاب، ونقيض الأمل، ويأس البؤساء. وكم اشتقت أن أفتح أهذاب عيني فتجدني في عصر الحكماء، أجالس من قعدوا اللغة، وحللوا مفاهيم الغابرين، وفسروا الكتب السماوية، وانتقدوا ما طرح في ساحات العلم وحقول المعرفة، فكانت أفكارهم وفلسفاتهم نبراس الإنسانية... ولكن، أعود وأقول: إن التواجد مع أولائك القوم غير آت، ولن يسمح لي الالتقاء بهم، لأن الزمان ولى، ولن يعود إلا بعد الرحيل الأخير. مراد البقالي