اعتمدت بعض شركات إنتاج الأفلام على الخيال في السفر عبر الزمن ، وأنا سأسافر بأحد الرجال القدامى إلى عصرنا هذا ، وهو سفر ممكن في خيالي وخيالك ..فتفضلوا معي إذا ما افترضنا و هو افتراض بعيد المنال أن أحد الصحابة أو التابعين يتواجد بيننا و توصل بدعوة لحضور حفل زواج ببلدنا المسلم في هذا العصر ، عصر المتناقضات ، تخيل معي أخي الكريم أختي الكريمة ، وربما خيالك قد يكون أكثر عمقا من خيالي . سينبهر الرجل أولا و هو في طريقه إلى قصر الحفلات لما سيجده من تغيرات فاقت توقعاته العقلية التي عاش فيها أثناء حياته ، إنارة باهرة وسائل النقل حديثة و مثيرة، أناس في حالة ينكرها الحاضر في زمننا فما بالك بمن تربى على منهاج النبوة ؟ و ربما أول سؤال سيطرحه على نفسه ، هل أنا في بلد المسلمين أم العجم ؟ وها هو يصل إلى مكان الحفل و يدخل القصر و يُستقبل استقبال الضيوف بالترحيب ، و ما يضع رجله الأولى داخل القاعة حتى يرى عجبا ، رجال ونساء مختلطين بألبسة تفتن الناظرين ، و جوه النساء تلمع لكثرة الدهون و الألوان الحمراء ، جميلات حسناوات صدورهن نصف عار يسر بعض الناظرين ، كأنهن حور عين ، و يتساءل في نفسه ، هل هذا من قصور هرقل أو كسرى أو حتى من قصور الفراعنة الغابرين ؟ و يزيد في الحديث مع نفسه ،" حتما هذا ليس من بيوت المسلمين . و هو في ريبه ، إذ يصل إلى مسمعه أصوات تصلي على الرسول وتقول (( الصلاة والسلام عليك يا رسول الله آ جاه إلاّ جاه سيدنا محمد ......)) فيندهش !" أهكذا يصلون على النبي ؟ فيلتفت نحو الأصوات إذ تزيد دهشته حين يرى أن الرجال والنساء يرقصون مختلطين على إيقاعات طبول وبنادير و أهازيج و هم يرددون (( الصلاة و السلام عليك يا رسول الله آ جاه إلاّ جاه سيدنا محمد ....)) فيكاد عقل الرجل أن ينفجر ،و يحدث نفسه : ما هكذا أُمرنا أن نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، و يزيد : أحقا أنا الآن في بلد المسلمين؟، أم هذا خليط بين حضارتين ؟ نتجت عنه عقيدة ملوثة و ربما فاسدة ، حتما لست في بلد المسلمين ، و هذا حلم وليس بيقين ، فأسأل الله السلامة من الدجالين ". حين يُقدم له الشاي والحلوى يتيقن الرجل أنه في أحد قصور الروم ، لأنه لم يذق طعم هذه الحلوى في حياته الماضية ، إنها من حلويات الملوك و الأمراء ، وحين دُعي لتناول العشاء و جلس على المائدة ، و ما أُنزل الصحن الأول و ذاق طعمه ، شك الرجل أنه على قيد الحياة ، وظن أنه في حلم ، ثم الصحن الثاني ثم الثالث ثم الفواكه و المشروبات ، فحدث نفسه قائلا : "هذه البلاد لا يوجد بها فقراء و لا مساكين ، و قد أفاض الله عليهم بالنعم حتى تفننوا في موائد الأكل والشرب ،أما في زماننا لم نكن نمتلك في بعض الأحيان قوت يومنا ، و لكننا كنّا نشكر الله بالابتعاد عن معصيته و العمل بأوامره ، و هذه البلاد أفاض الله عليه الرزق الكثير ، وصاروا يتمرغون في النعم " ، ثم تذكر الرجل حديث رسول الله أو كما قال _إن أخوف ما أخاف عليكم أن تفتح عليكم الدنيا....... ثم يواصل الحديث مع نفسه ،كل ما شاهدته لم يكن لدينا ، فمصابيحهم تضيء و تنير الطرق أحسن من مصابيحنا ، بيوتهم أوسع و أحسن بكثير من بيوتنا ، بعض فواكههم لم نرها في زماننا ، أكلاتهم ألذ من طعامنا ، وكل شيء لديهم ميسرا ليس كزماننا، فالماء في كل بيت و لا حاجة لهم بأن يتعبوا في سقيه و جلبه لمنازلهم ، و رَكوبهم أسرع من الخيل ، و أسواقهم مليئة بالخيرات ، لحم الغنم و الدواجن و الخضر و الفواكه .نعم نعم....كل شيء لهم ميسرا ، إنما ينقصهم أهم ما يمكن أن يمتلكه الإنسان على وجه الأرض .. "العقيدة الصحيحة "...فعقيدتهم تشوبها مغالطات وشبهات إن لم تصحح كانت عليهم نقمة يوم القيامة . فأي مذهب من مذاهب الإسلام يبيح الرقص مختلطا بين الجنسين على نبرات أصوات تتغنى بالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ ." هنا أقف عند وجود هذا الشخص القديم بيننا ونتركه لحاله معتذرين له على ما رأى و سمع من منكرات ، راجين العلي القدير أن لا يجعلها في ميزانه . و وأتساءل بدوري ، كيف يعقل أن أغلب الحفلات كانت للزواج أو غيره تكون مختلطة دون حرج ، والنساء فيها كاسيات عاريات ، متزينات ، و لم ينجح الحفل – في ذهنهم إلاّ بالرقص المختلط وتحريك الخاصرة أمام الآباء والأمهات ، و المغنون لا يحلو لهم التغني و في كل الحفلات كانت على شاشات التلفاز أو حفلات الزواج أم غيرها إلاّ بمزج الكلام الفاحش و الساقط مع الصلاة على خير المرسلين عليه أفضل الصلوات أو مع اسم الجلالة " الله " ؟ أهذا فساد في المعتقد أم في العبادات ؟ أم هي مجرد زلاّت ؟ أسأل الله لي ولكم أن يحفظنا منها وأن نعود إلى صالح الأعمال و العادات ، ونبتعد عن كل المنكرات ، و منّا من يسقط فيها أحيانا ليستجيب لدعوة الأهالي والأصحاب و المعارف من العائلات . أسأل الله أن يُفهم قولي وأن لا يحرج أحد الآخر بالاختلاط في الحفلات، و يَنجى و يُنجي أخاه من السيئات .